يتطلب تشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة» إلغاء أو التفاوض على ٢٣ مادة من الدستور الحالي لعام ٢٠١٢ تتعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية، ما يفسح في المجال للتفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة حول صلاحيات الرئيس والهيئة الانتقالية أو «حكومة الوحدة الوطنية»، خصوصاً ما يتعلق بقيادة الجيش والقوات المسلحة والتشريع والمحكمة الدستورية ورئاسة مجلس الوزراء.
جاء هذا في وثيقة أعدها «مركز كارتر» عن «خيارات الانتقال السياسي» بعد لقاء مستشاريه وخبرائه بمقربين من الرئيس بشار الأسد والمعارضة وخبراء دوليين ومسؤولين غربيين وعقد سلسلة ندوات في تركيا وأوروبا وأميركا، على أن توضع اللمسات الأخيرة على الوثيقة خلال ندوة تعقد في بيروت اليوم وتستمر ثلاثة أيام بمشاركة ممثلين من النظام والمعارضة، بالتزامن مع «منتدى موسكو» الذي بدأ أمس.
وأظهرت المناقشات، بحسب الوثيقة التي تقع في ٤٨ صفحة، وجود ثلاثة خيارات لانتقال من دون حصول فراغ دستوري: تعديل دستور العام ٢٠١٢، الموافقة على دستور موقت، العودة إلى دستور العام ١٩٥٠، موضحة أن «العيب» في الدستور الذي أقر قبل ثلاث سنوات يكمن في «السلطات الفعالة غير الخاضعة للمساءلة، الممنوحة لرئيس الجمهورية» ما يمس في شكل جوهري مبدأ فصل السلطات، إضافة إلى «كون بعض السلطات غامضاً وواسعاً».
وزادت: «يملك الرئيس سلطة مطلقة في تعيين وإعفاء رئيس الوزراء والوزراء ومعاونيهم بموجب المادة ٩٧ وحل مجلس الشعب (البرلمان) بموجب المادة ١١١ وتولي التشريع عندما لا يكون مجلس الشعب منعقداً بحسب المادة ١١٣»، إضافة إلى كونه «القائد الأعلى ما يعطيه سلطة مطلقة على القوات المسلحة (المادة ١٠٥)».
وأشارت إلى أنه «فيما يحق لرئيس الجمهورية إحالة رئيس الوزراء والوزراء ونوابهم إلى المحاكمة في حال ارتكاب جرائم ويتم إيقافهم عن العمل مباشرة، فانه لا يمكن إخضاع الرئيس إلى المحاسبة إلا في حالة الخيانة العظمى وفي حال قيام ثلثي مجلس الشعب بالتصويت على الاتهام».
وتابعت الوثيقة: «أمضى الرئيس الأسد ولايتين في منصبه ومدة 14 سنة، وبموجب الحكم الانتقالي في الدستور الحالي (المادة 155)، ترشح الرئيس الأسد لولاية أخرى لسبع سنوات في حزيران (يونيو) الماضي وأعيد انتخابه» في انتخابات انتقدتها المعارضة ودول غربية، مشيرة إلى أن «المحاورين السوريين، قالوا انه لم يكن ينبغي تطبيق المادة 155 في الفترة الانتقالية، لكن الآن وبعد إعادة انتخاب رئيس الجمهورية، يجب عليه أن يتنحى خلال سنتين عندما يتم تبني دستور جديد وألا يترشح مرة أخرى».
وتابعت الوثيقة: «لو كان دستور ٢٠١٢ سيقود المرحلة الانتقالية إلى حين تبني دستور جديد، يجب معالجة عيوبه وتعديله عبر المادة ١٥٠ أو ميثاق وطني في مؤتمر وطني عام». بالتالي فان تطبيع بيان جنيف وتشكيل «هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة» ونقل بعض الصلاحيات من رئيس الجمهورية إلى رئيس الهيئة الانتقالية «يعنيان تعديل ما لا يقل عن ٢٣ مادة في دستور العام ٢٠١٢» بينها أن الرئيس «يمارس ومجلس الوزراء السلطة التنفيذية» وتوليه تسمية رئيس مجلس الوزراء والوزراء، إضافة إلى كونه «يضع في اجتماع مع مجلس الوزراء برئاسته، السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها» وإلى إصداره «جميع القرارات اللازمة لممارسة» سلطته كقائد أعلى للجيش والقوات المسلحة واعتبار «الوزارة في حكم المستقيلة عند انتهاء ولاية الرئيس» ورئاسة «مجلس القضاء الأعلى» وتسميته المحكمة الدستورية العليا.
وطرح سابقاً خيار التفاوض على تخلي الرئيس عن صلاحيات تنفيذية وتشريعية مقابل تمسكه بالصلاحيات العسكرية كقائد للجيش والقوات المسلحة والصلاحية الدستورية. ويُعتقد أن التفاوض بين ممثلي الحكومة والمعارضة في حال استؤنفت مفاوضات جنيف بعد الحوار السوري في موسكو، يمكن أن يتناول الصلاحيات الـ ٢٣ سواء بالإلغاء أو التعديل.
ويقوم الخيار الثاني على «الاتفاق على دستور حكم موقت»، حيث أفادت الوثيقة أن «الاختلاف بين هذا الخيار وخيار إصلاح الدستور الحالي، يكمن في أن الترتيبات الدستورية الموقتة تأتي بعد اتفاقات سياسية شاملة بدلاً من القيام بها من جانب واحد».
ويقترح الخبراء الاسترشاد بتجارب أخرى إذ «اتفق الفرقاء في جنوب أفريقيا في العام ١٩٩٤ على ٣٢ مبدأ أساسياً لتطبيقها خلال المرحلة الانتقالية وفي الدستور الجديد والانتخابات الحرة»، الأمر الذي حصل في كينيا أيضاً في العام ٢٠٠٨.
وأوضحت الوثيقة: «سيتم التفاوض على الترتيبات في عملية جنيف أو أي عملية سياسية أخرى، ليتم تفعليها بعد ذلك عبر التعديل الدستوري. والترتيب الموقت يحل محل الدائم ويعدل الدستور ويلغي قدراً كبيراً من القوانين»، بما يتضمن «آليات إشراف ومجلس وطني انتقالي ومحكمة دستورية انتقالية، تتضمنان مراجعة ومحاسبة هيئة الحكم الانتقالي».
ولم يفت الخبراء الإشارة إلى حاجة السوريين إلى «دعم إقليمي» في شأن القضايا المتنازع عليها مثل «اللامركزية والنزعة الإقليمية للأقليات»، اضافة إلى المبدأ الثالث في الدستور من أن «الفقه الإسلامي مصدر رئيسي في التشريع».
يتعلق الخيار الثالث بـ «العودة إلى دستور العام ١٩٥٠»، ذلك باعتبار أن «بعض السوريين يعتبر دستور العام ٢٠١٢ غير شرعي وباطل» ويطالبون بالعودة إلى دستور صدر قبل اكثر من نصف قرن باعتباره «الأصيل الأول بعد الاستقلال الذي تم تبنيه عبر هيئة وطنية سورية منتخبة ويتمتع بشرعية شعبية حقيقية» وأنه «أكثر تطوراً من الدساتير اللاحقة». وقال أحدهم: «يمكن استخدام ٨٠ في المئة من هذا الدستور ما يحول دون حصول فراغ دستوري»، في حين انتقده آخرون كونه «لا يتضمن صيغة لحكم انتقالي» وصدر في «واقع سياسي واستراتيجي شديد الاختلاف عن الوضع الراهن».
واقترحت وثيقة «الانتقال السياسي» مبادئ لدستور موقت بينها المطالبة بـ «انسحاب جميع القوات الأجنبية وإيقاف الدعم العسكري» و «سلامة وحرمة الأراضي السورية»، على أن تكون أهداف المرحلة الانتقالية تتضمن «تأسيس هيئة حكم انتقالي ذات صلاحيات تنفيذية كاملة» وإعادة الإعمار وتشكيل «مجلس وطني انتقالي» وإجراء انتخابات تعددية، إضافة إلى خطوات بينها «السماح لأعضاء القوات المسلحة وأجهزة الأمن الذين تركوا مواقعهم منذ آذار (مارس) ٢٠١١ بالعودة إلى مواقعهم السابقة من دون أن تحيز».
وحددت المبادئ طبيعية هيئة الحكم الانتقالية، بحيث تحل محل «مجلس الوزراء في الدستور الحالي» وتمتلك صلاحيات تنفيذية كاملة وأن تتضمن عدداً من الأعضاء مع الأخذ في الاعتبار «التنوع السياسي والمناطقي والديني والقومي واللغوي للشعب السوري» بحيث يتم إما انتخاب رئيس الهيئة من ثلثي الأعضاء خلال فترة محددة من تشكيلها أو بالتعاون مع رئيس الجمهورية على أن تكون هي «السلطة التنفيذية الجديدة إلى حين انتخاب أو تشكيل حكومة بالاستناد إلى الدستور الجديد» شرط ألا يحق لأعضائها المشاركة في أول دورة انتخابية. ورأت أن رئيس الهيئة يمثل البلاد في المحافل الدولية.
أما بالنسبة إلى المجلس الانتقالي، فيتم ترشيح قسم من أعضاء مجلس الشعب الحالي إليه وقسم آخر من المشاركين في مفاوضات السلام وقسم ثالث من الأمم المتحدة، في حين تضمنت المقترحات أفكاراً لتشكيل جمعية تأسيسية تتم الموافقة عليها من المجلس الوطني لتقدم توصيات لمراجعة الدستور وتقديمها إلى المجلس الوطني أو المجلس الدستوري خلال سنة.
وتضمنت الوثيقة خريطة طريق للانتخابات، بحيث تجري انتخابات محلية خلال سنة أو سنتين من بدء هيئة الحكم الانتقالية لعملها في حال سمحت ظروف «تشظي» البلاد بذلك وتعيين جمعية تأسيسية خلال ستة أشهر أو سنة وإصدار دستور خلال ١٢ شهراً من انتخاب الجمعية التأٍسيسية والاستفتاء عليه خلال ثلاثة أشهر ثم إجراء انتخابات برلمانية و /أو رئاسية بعد ثلاثة أشهر من إقرار الدستور باستفتاء شعبي، إضافة إلى قائمة بعدد من المراسيم والقوانين التي تقترح إلغاءها تتعلق بالمحاكم الميدانية والعسكرية ومحكمة أمن الدولة العليا و «المرسوم التشريعي ١٤ الخاص بتأسيس إدارة المخابرات العامة وضمان الحصانة لعناصر الاستخبارات عن الجرائم المرتكبة خلال العمل الصادر في ١٥ كانون الثاني (يناير) ١٩٦٩»، إضافة إلى «القرار العسكري رقم ٢ الصادر في آذار (مارس) ١٩٦٣ (حالة الطوارئ) و «القانون ٥٣ المسمى بـ «قانون أمن حزب البعث الصادر في نيسان (أبريل) ١٩٧٩» والقانون ٤٩ المتعلق بـ «الإخوان المسلمين» للعام ١٩٨٠ وبعض القوانين التي صدرت بعد ٢٠١١ بينها «المرسوم ٥٥ الذي يسمح بتوقيف المشتبه به ٦٠ يوماً والقانون ١٩ في شأن مكافحة الإرهاب الصادر في تموز (يوليو) ٢٠١٢. (ابراهيم حميدي - الحياة)
عكس السير