إعلانات
أضعف رئيس أميركي منذ جورج واشنطن !
الخميس - 4 كانون الاول - 2014 - 13:26 بتوقيت دمشق
التفاصيل


المفترض ألا يأخذ وصول الأزمة السورية إلى البيت الأبيض معه وزير الدفاع تشاك هيغل فقط وإنما أيضا وزير الخارجية جون كيري؛ فالرئيس باراك أوباما، الذي لو أردنا الحقيقة من وجهة نظر عربية وشرق أوسطية لقلنا إنه أضعف رئيس عرفته الولايات المتحدة وعرفه العالم في القرن الماضي وما انقضى من هذا القرن، فهو انتهج، وبخاصة في السنتين الأخيرتين، إزاء الأوضاع المتفاقمة في سوريا وإزاء آخر تطورات القضية الفلسطينية وأيضا إزاء مشكلة القدرات النووية الإيرانية، سياسات ومواقف اتسمت بالتردد والميوعة، لم يرضَ عنها هذان الوزيران وحدهما وإنما الكثير من الذين يلعبون أدوارا رئيسية في رسم «الاستراتيجيات» الأميركية.

بدأ أوباما ولايته الأولى متحمسا وحاسما تجاه الكثير من قضايا هذه المنطقة العالقة، التي ورثها من الذين كانوا قد سبقوه إلى البيت الأبيض، وأولها القضية الفلسطينية، وهنا فإن الكل يذكر تلك الخطبة العصماء التي ألقاها في مدرج جامعة القاهرة خلال زيارة له إلى جمهورية مصر العربية في عام 2009، تلك الزيارة التي وصفت بأنها فريدة ومميزة وتاريخية، لكن للأسف، صدى هذه الخطبة ما لبث أن تلاشى عندما بقيت الوعود وعودا معلقة وعندما ازداد الإسرائيليون في عهد هذه الإدارة الديمقراطية تطرفا وغطرسة، فتراجعت عملية السلام في الشرق الأوسط إلى أن وصلت إلى هذه الأوضاع المخيبة للآمال التي جعلت الفلسطينيين يفكرون جديا في تسليم مفاتيح السلطة الوطنية لرئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو.

لم يستطع أوباما أن يوفي ولو بالحد الأدنى من الوعود التي ألزم نفسه بها في خطبة مدرج جامعة القاهرة في عام 2009، ولعل الأسوأ أن وزير خارجيته جون كيري بقي يقوم بجولات مكوكية في هذه المنطقة وبقي يتنقل بين الفلسطينيين والإسرائيليين دون إحراز أي تقدم يمكن الاعتداد به أو البناء عليه، بل وقد أمعن بنيامين نتنياهو كثيرا في السنتين الأخيرتين في تحدي المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة برفع وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية وفي القدس المحتلة وبمواصلة إذلال الشعب الفلسطيني وممارسة سياسات عنصرية ضد أبناء هذا الشعب، لا تشبهها إلا ممارسات الـ«أبرتهايد» ضد السود في جنوب أفريقيا.

وهكذا فإن فشل أوباما بالنسبة إلى القضية الفلسطينية، قياسا بما كان وعد به في خطبة مدرج جامعة القاهرة في عام 2009، كان ذريعا وكان محبطا للعرب والفلسطينيين، وذلك إلى حد أن كثيرين بدأوا «يترحمون» على جورج بوش الأب وعلى جورج بوش الابن، وإلى حد أن كره الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما للولايات المتحدة قد تضاعف مرات عدة خلال هاتين السنتين الأخيرتين، ولعل ما عزز هذا الكره الذي على الأميركيين أن يتوقفوا عنده طويلا هو تلك الأساليب الغريبة المثيرة للكثير من الأسئلة والتساؤلات التي اتبعها الرئيس الأميركي تجاه الأزمة السورية، التي ازدادت تدهورا واستفحالا وتحولت إلى أزمة كونية لا يبدو هناك أي ضوء ولو خافت في نهاية نفقها المظلم.

وما انطبق على الصراع في الشرق الأوسط، وتحديدا على القضية الفلسطينية، ينطبق أيضا على الأزمة السورية، فالرئيس الأميركي لدى انفجار الصراع في سوريا عام 2011 بدا حازما وحاسما وأعلن مرارا وتكرارا أنه لا حل مع بقاء بشار الأسد في مواقع الحكم والمسؤولية، لكنه ما لبث أن بدأ المراوحة في المكان ذاته، وما لبث أن أصبح بالنسبة لهذه الأزمة يقول شيئا في الصباح ويتخلى عنه في الظهيرة، مما أوصل الأمور إلى هذه الأوضاع المأساوية وجعل حتى المعارضة «المعتدلة» تعاني من كل هذه الإشكالات التنظيمية والسياسية التي تعاني منها، ومما أدى إلى ظهور «داعش» وأخواتها واستفحال التدخل الإيراني والروسي في الشؤون السورية الداخلية.

لقد ثبت وبالأدلة القاطعة أن باراك أوباما بات يبدو كما لو أنه إما متواطئ وإما عاجز تجاه الأزمة السورية، وإلا ما معنى أن يقول ويعلن، وفي الوقت ذاته الذي نسب فيه إلى الروس استعدادهم للتخلي عن الرئيس السوري إن هم حصلوا على ضمانات ببقاء الحكم الحالي، أنه «لا توجد لديه أي خطط في الوقت الحالي لإطاحة بشار الأسد»؟ ثم ما معنى أن يبدأ هذه الحرب الكونية على «داعش» وعلى الإرهاب وأن يقيم هذا التحالف الذي بات يضم نحو 60 دولة بينما في الوقت نفسه يؤكد ويواصل التأكيد على استبعاد استخدام قوات أميركية برية (أرضية) لحسم الأمور؟

لقد بدأت العمليات الجوية ضد «داعش» و«النصرة» و«خراسان» منذ فترة طويلة، ومع ذلك فإن أي شيء لم يتغير على الأرض حتى في تلك البلدة السورية الصغيرة، عين العرب (كوباني)، وكل هذا في حين أن ميليشيا «داعش» قد وسعت انتشارها في الأراضي السورية، وأنها انتقلت في بعض المناطق العراقية من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، وأنها غدت تقترب من احتلال الرمادي واستكمال احتلال الأنبار.. ما معنى هذا يا ترى؟ وما الذي يريده أوباما الذي يزداد عجزا ويزداد ترددا يوما بعد يوم؟!

هناك من يقول، وهذا صحيح، إن أوباما لديه اعتقاد راسخ بأن إيران رقم رئيسي لا يمكن الاستغناء عنه في معادلة المنطقة، وإنه لا يثق بالعرب ولا يرى إمكانية فعلية لأي دور فعلي لهم في موازين هذه المنطقة، ولذلك فإنه قد وجه إلى مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي تلك الرسالة العجيبة الغريبة التي تعهد فيها بضمان بقاء بشار الأسد وأيضا بالتعاون مع طهران ضد «داعش» لقاء التوصل مع الإيرانيين إلى اتفاق شامل بالنسبة للقدرات النووية الإيرانية.

ثم إن ما يثير الاستغراب بالفعل هو أن أوباما، الذي لُدغ من الجحر الروسي مرات عدة، أخطرها إفشال حل المرحلة الانتقالية في سوريا في «جنيف الثانية»، الذي كان قد تم الاتفاق عليه في «جنيف الأولى»، لا يزال يثق بالرئيس فلاديمير بوتين وبوزير خارجيته سيرغي لافروف ولا يزال يصدق أن الروس سيتخلون عن بشار الأسد، وهذا مع أن لافروف قد جدد التأكيد، حتى قبل أن يصيح الديك، على أن موقف بلاده سيبقى على ما هو عليه تجاه الأزمة السورية، وأن الدعم الروسي لنظام دمشق لن يتوقف، وأن روسيا ستبقى تعتبر أن الأولوية هي لمواجهة الإرهاب والتنظيمات الإرهابية، وبالطبع فإن المعروف أن موسكو كانت ولا تزال تصر على أنه لا توجد معارضة معتدلة إلا معارضة الداخل، وأن كل هذه الفصائل «الخارجية» ومن بينها الجيش الحر هي تنظيمات إرهابية مثلها مثل «داعش» و«النصرة»!!

كان أوباما قد قدم اتفاقية «الكيماوي»، التي أنقذت بشار الأسد من سقوط محتم، كهدية مجانية للرئيس بوتين ولوزير خارجيته لافروف، وكان أوباما قد تواطأ مع الإيرانيين لقناعته بهم وبدورهم الأساسي في المعادلة الشرق أوسطية، وتركهم يتدخلون تدخلا عسكريا وسياسيا سافرا في سوريا، حتى بما في ذلك السيطرة على القرار السوري، وبالنسبة لكل شيء، والمعروف أن أوباما هو الذي أحبط فكرة المناطق السورية العازلة وفكرة مناطق حظر الطيران وهكذا، وبالتالي فإن المفترض أنه لا خلاف على أن الرئيس الأميركي بتردده وميوعة مواقفه هو المسؤول عن المأساة السورية من أولها إلى آخرها، وأنه المسؤول أيضا عن كل هذه الغطرسة الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية، وأنه المسؤول عما يجري في ليبيا وفي اليمن، وبالطبع في العراق وفي أفغانستان.

ولذلك فإنه يمكن القول إن باراك أوباما بالنسبة لنا وبالنسبة لقضايانا الملتهبة في هذه المنطقة امتدادا حتى أفغانستان هو أضعف رئيس أميركي منذ جورج واشنطن وحتى الآن، ولعل هذا هو ما جعل رجب طيب إردوغان يصف السياسة الأميركية بأنها «حمقاء»، وأن هذا هو ما جعل كيري يقول لوزير الخارجية الروسي: «استمعوا لما يقوله الرئيس الأميركي لكن لا تكترثوا له»، وهو أيضا ما جعل تشاك هيغل يقدم استقالته ويقفز من سفينة الديمقراطيين التي باتت تقترب من الغرق!!


صالح القلاب - الشرق الأوسط


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...