إعلانات
دي ميستورا .. بداية تقسيم سورية
الاحد - 28 كانون الاول - 2014 - 16:02 بتوقيت دمشق
التفاصيل


ربما لا أحد في الائتلاف السوري المعارض، والذي نصّب نفسه وصيّاً على الثورة السورية، عنده الوقت، أو الحجة، لكي يتحدث في الموضوع المهم المطروح، والمتعلق بالدعوة إلى إقامة مناطق حكم ذاتي، أو مناطق مجمّدة، أو ما أطلق عليها خطة أو مبادرة ستيفان دي ميستورا (المبعوث الأممي إلى سورية). وذلك، غالباً، لأن الائتلاف، برمته، مشغول بخلافاته المستعصية، حول تقاسم المغانم وتوزيع المناصب، والتفنّن في نصب الأفخاخ، ويعاني من أزمات خانقة في مجال التنظيم والضياع السياسي والفساد المالي.

على كل حال، المطروح على الطاولة خطير جداً، على الرغم من جاذبيته، لجهة إيقاف الحرب التي طالت الحجر والبشر، ولجهة توفير مستلزمات الحياة لمَن بقي حياً.

الخطورة أن طرح مناطق حكم ذاتي، أو مناطق مجمّدة لن يوقف الحرب، ولن يوفر مستلزمات الحياة للناس، بل إنه ربما يزيد الفوضى والاقتتال بين الإخوة من ناحية، ويمهّد لتقسيم سورية، أرضاً وشعباً، من ناحية أخرى. فهو يتوافق مع استراتيجية داعش في إدارة التوحش، ويتوافق مع استراتيجيات أمراء الحرب، والأهم من ذلك كله، يمهّد لجميع الدعوات الشيطانية الداعية إلى الفوضى، ريثما يأتي التقسيم في النهاية.

لندقق في الأمر، ولنسأل لماذا الدعوة إلى إدارة ذاتية في حلب وشمالها تحديداً؟ أي في مناطق المجموعات الإسلامية المتشددة، وفي مناطق النفوذ التركي، ومناطق الوجود الكردي، والمناطق التي وصفها منظرو التقسيم (نأتي على أفكارهم لاحقاً، من أمثال راسموسن ولانديس)، بالمؤهلة للتقسيم قبل غيرها، ولماذا هكذا مبادرة ستفضي إلى التقسيم؟

لأنها ستسمح بإطالة أمد الحرب، وإطالة عمر الأزمة، وتدمير ما تبقى من سورية، وتنويع الكيانات القائمة فيها. ولأن دعوات “المناطق العازلة”، أو “تجميد القتال”، أو “مناطق الحكم الذاتي”، أو “المناطق المجمدة”، ليست سوى مبادرات تهيئ الأرض للتقسيم، في ظل الظروف الحالية على الأرض، أو للتوزيع بين العصابات المسلحة والنظام، متجاوزة الأبعاد الجمعية والجغرافية والوطنية للمجتمع السوري. إن تقسيم الناس، وفق تموضعهم المكاني والجغرافي، سيعطي الحق لمسلحين نصّبوا أنفسهم أولياء على كلا الجانبين، وشيّدوا امبراطورياتهم المالية والاقتصادية والعسكرية، وإلا ما معنى أن لا يكتفي دي ميستورا بتجميد الوضع في حلب، وإنما بإقامة إدارة محلية، بالمشاركة، أو لكل طرف على حدة. في الحالتين، ثمة مزيد من الشرذمة والفوضى، فإذا كانت إدارة محلية مشتركة (النظام والمعارضة)، سيطالب النظام بعودة موظفيه إلى شرق حلب، بما فيهم موظفو الأجهزة الأمنية والمخابرات، وهنا عودة للنظام أو قتال جديد، وإذا كان إدارة مستقلة، فهنا صراع لا ينتهي بين الفصائل المسلحة.

ولا يمكن، كما تدعي المبادرة، لأهالي المناطق أن يباشروا الخدمات الإدارية والخدمية بأنفسهم، ولن يكون في وسع حكومة معارضة مؤقتة، هزيلة وجاهلة، أن تدير شؤون الناس، وتحكم بينهم بالمعروف، في ظروف عدم الاعتراف بها من المسلحين الموجودين على الأرض، وسيكشف دي ميستورا المستور، ويبدو العجز والفقر، ونفوذ العصابات المسلحة، والعصابات التي ستولد بفعل إغراء المال والسلطة.

ولن يستطيع الجيش السوري الحر، قليل العدد والعتاد، وضعيف التأثير والوجود، أن يمنع تأثير الميليشيات المتمترسة في المناطق، بل إنه سيفتت نفسه، ويتحول إلى مرتزقة تتقاتل مع الميليشيات الأخرى. وستندلع الخلافات مع الإخوة الأكراد أكثر، وتطرح أفكار الانفصالين بحدة، تلك المطالبة بالانفصال عن سورية. وهناك مخاوف من نفوذ تركي متزايد في المنطقة العازلة، يمكن أن يتطور إلى نفوذ سياسي واقتصادي، لا يبقي على شيء من الصناعات أو الاقتصاد السوري.

لا تصدقوا كل هذه الخرافات التي لا تعدو كونها مقدمات وبالونات اختبار لأفكار التقسيم الشامل التي يروجها حالياً أصدقاء إسرائيل، أمثال راسموسن ولانديس، والتي سيتم طرحها في الوقت المناسب، حين تسقط الحلول الجزئية المسماة “المناطق المجمدة”، أو “مناطق الادارة الذاتية”. ويكذب مَن يقول إن خطة دي ميستورا تقطع الطريق على دعوة المنطقة العازلة التي تريدها تركيا، أو على تقسيم سورية، لأن الخطة نفسها بداية التقسيم، وبداية مذابح الإمارات الإسلامية المسلحة.


تيسير الرداوي - العربي الجديد


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...