إعلانات
قصة خيانة !
الخميس - 25 كانون الاول - 2014 - 12:49 بتوقيت دمشق
التفاصيل


امرأة بالزي العسكري الكامل، وحولها عشرات من مواطنيها، المغتربين في الولايات المتحدة، يستمعون منها إلى خطبة سياسية، عن إثم شعارات الحرية، وقد أوصلت سورية إلى ما أوصلتها إليه، من دمار وموت، على أيدي العصابات المسلحة. هي لا تنسى، أيضاً، أن تحيي مَن تصفهم بالمواطنين الشرفاء، الواقفين مع الرئيس الشجاع، والملهم، بشار الأسد، في حربه ضد المؤامرة الكونية.

هنا، تحديداً، يصفّق الجمهور، وجلُّهم من موظفي السفارة السورية، وزبانيتها، في واشنطن (عاصمة المؤامرة الكونية)، فيفيض وجه المرأة، بتعبيرات نشوة غامرة، لعلّها لم تشعر بمثلها، منذ كانت شابة حسناء، أو بالأحرى، منذ كان منتجو الدراما التلفزيونية يتهافتون على منحها أدوار البطولة، في مسلسلات، وتمثيليات، وأفلام، لا تكلّف البطولة فيها شيئاً.

لكن المهرجان الخطابي الصغير، على ما فيه من إثارة، يظل غير كافٍ ليعيد إلى صاحبتنا نجوميتها المفقودة. كان لا بد من تصويره، بالفيديو، وتحميله على موقع "يوتيوب"، وضمنه كلماتها عن ضرورة "اقتداء العرب بالنموذج المصري، في التعامل مع ما سمّي ثورات الربيع العربي"، لكي يصل، لا إلى أولي أمر السلطة الحاكمة في دمشق، وحسب، بل أيضاً إلى أولي أمر الإنتاج الفني، في القاهرة، حيث تنتظم، هناك، غالبية أهل الفن، مصريين وعرباً، في كورس الغناء للعسكر "تسلم الأيادي".

تسألون؛ مَن هي؟

خمّنوا، ولن يكون صعباً التعرّف عليها، كما على أخريات وآخرين، يشبهونها في خيانتهم المُثل الوطنية والقومية والإنسانية التي روّجتها أعمالهم الفنية، على مدار عقود سلفت. لقد دخلوا البيوت من أوسع أبوابها (التلفزيون)، وأشبعوا الناس دروساً في الحرية، والشجاعة والفداء، وسواها من قيم الحارة الشامية، والبلدة الصعيدية. ثم حين جدّ الجد، ووقعت المواجهة الحقيقية بين الشعوب وأنظمة الحكم القمعية الفاسدة، بعيداً عن التمثيل مدفوع الأجر، انقلبوا على أعقابهم، وانحازوا إلى العبودية، والجبن، والخِسّة، حفاظاً على مصالحهم.

وليس هؤلاء الفنانون، في واقع الأمر، إلا الجزء الظاهر، أو المرئي أكثر من سواه، في وادي النُخَب الثقافية والسياسية، القومية واليسارية، التي يُسجل التاريخ، الآن، مساهمتها في انتصار الديكتاتور العربي على كل ما كانت تتبنى من شعارات، وعلى ما كان قد ضحّى في سبيله آباؤها الشجعان الذين علّق الجنرالات بعضاً منهم على أعواد المشانق، بينما نزف معظمهم العمر في زنازين ومعتقلات المزّة، وتدمر، وأبو زعبل، وليمان طرة.

إنها قصة خيانة مكتملة الشروط الجرمية، والفنية، في آن معاً. وهي قصة بدأت، على ما بات معروفاً، بالوقوف ضد الثورة الشعبية السورية، تحت حجة الدفاع عمّا يوصف زوراً بنظام المقاومة والممانعة. حينها قال الرفاق، القوميون واليساريون، بحرج، إن مطالب الناس مشروعة. لكن، عليهم أن يكتفوا بشعارات الإصلاح، وألا يطالبوا بإسقاط نظام بشار الأسد. ولما أوغل العسكر في دم المتظاهرين السلميين، كان البترودولار الإيراني قد تكفّل باستحداث المنابر الإعلامية، وشراء الأقلام اللازمة لتبرير المذابح الجماعية، ولترويج دعاية تقول إن الربيع العربي مجرد مؤامرة صمّمها الأميركيون والإسرائيليون، ونفذها، بجهالة، ملايين المواطنين العرب، في شوارع تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية.

هكذا صارت الثورات كلها سواء، بما فيها حتى التي أسقطت "كنز إسرائيل الاستراتيجي" في مصر. وهكذا، لم يكن صعباً، في الفصل الثاني من قصة الخيانة إياها، أن تنتصر الثورات المضادة بأحذية العسكر، أو عبر صناديق الاقتراع، طالما أن دعاة الحرية التاريخيين، من أبناء النخب التي كانت حسناء، قد انتهوا إلى التحالف مع رجال الأنظمة البائدة، خوفاً من بطشهم ربما، أو طمعاً في دور مفقود، بعدما أفسد الدهر، في الوجوه والقلوب، ما أفسد. وتلك، باختصار، كانت ذروة الحبكة الدرامية للقصة المأساوية التي نعيش، لكنها ليست نهايتها، ولا هي نهاية أبطالها الحقيقيين، وأهدافها النبيلة.

ماجد عبد الهادي - العربي الجديد


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...