إعلانات
الجنرالات العرب : حماة الديار أم حماة إسرائيل ؟!
السبت - 31 كانون الثاني - 2015 - 13:14 بتوقيت دمشق
التفاصيل

 

لا يغرنكم العداء الذي يبديه الجنرالات العرب لإسرائيل، فهو عداء صوري للاستهلاك المحلي لا أكثر ولا أقل، وغير مقصود للتطبيق على أرض الواقع في معظم الأحيان، لكن ليس بسبب الضعف العربي، بل لأن الجنرالات الذين يتظاهرون بالعداء للأعداء لا يريدون تطبيقه أصلاً، والويل والثبور وعظائم الأمور لمن يحاول وضع ذلك العداء موضع التنفيذ، فإنه سيلقى عقاباً مريراً. إنه مجرد حبوب لتخدير الجماهير، أو تفريغ شحناتها النضالية في الهواء الطلق بدلاً من تحضيرها فعلاً لمعركة التحرير الحقيقية. وهناك الكثير من الإشارات لأولي الألباب على أن معاداة إسرائيل المزعومة على مدى عقود ليست أكثر من لعبة مفضوحة. فلو كانت الأنظمة الجنرالاتية تعادي العدو فعلاً لعاملت شعوبها بطريقة مختلفة تماماً، ولما وضعتها تحت الأحذية الثقيلة لعشرات السنين، ولما نزعت منها كل قيم النخوة والمواجهة والتحدي والمقاومة. لقد أخصى الجنرالات الطغاة مجتمعاتنا بأحذيتهم العسكرية، وحولوها إلى زرائب للأغنام وحظائر للنعاج وأقنان للدجاج. ولا شك أن أعداءنا ممتنون جداً لعساكرنا العرب على جميلهم الذي لا يقدر بثمن.

يقول الكاتب الإسرائيلي آلوف بن: «قامت سياسة إسرائيل الإقليمية على ترتيبات وعلى توازن للرعب مع الجنرالات الديكتاتوريين العرب. لقد نُظر إلى سلطتهم على أنها حاجز طبيعي يقي إسرائيل من غضب الرعاع في الشارع العربي». ويحذر آلوف الولايات المتحدة من محاولة «نشر الديمقراطية دون رقيب». إسرائيل إذن مع الديكتاتورية العسكرية للعالم العربي قلباً وقالباً. لقد بنى قادة إسرائيل كل استراتيجياتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية للهيمنة على المنطقة والتحكم بها على دعم الخيار الأمني العسكري الديكتاتوري في منطقتنا، فهو الأنجع والأسلم بالنسبة للصهيونية والأكثر قدرة على تلبية حاجاتها واستتباب الأمن والهدوء لها، فهو يقايض فساده ووحشيته وتشبثه بالسلطة بتلبية المتطلبات الإسرائيلية المتمثلة أولاً وقبل كل شيء بكبح جماح الشارع، ووضعه تحت النعال كي تنام إسرائيل قريرة العين.

من هنا فإن لإسرائيل والأنظمة العسكرية الفاشية مصلحة مشتركة في أن تبقى هذه الشعوب خانعة ومستلبة. إنه حلف الأحلاف الذي يحارب من أجله هؤلاء بالنواجذ والأنياب لبقائه على قيد الحياة. إذن هي معادلة واتفاق شرف وجنتلمان، وإن كان غير معلن، بين هذه الأنظمة وإسرائيل والقاضية بمقايضة الاستبداد العسكري بالبقاء، وكلما أمعنت هذه الأنظمة العسكرية الفاشية في القمع والطغيان كلما حصلت على درجات عالية في تقييم الأداء السياسي، ورضا ممن يدير لعبة الشطرنج غير المتكافئة هذه، وبالتالي تفويضاً أطول للاستمرار. وكان أحد شروط هذه المعادلة زرع التخلف، وإنتاج الفقر، وتغريب المجتمعات وإضعاف القدرة على المقاومة وتقويض الأسس التي تقوم عليها الدول الحديثة ونشر الفساد على أوسع نطاق ، لكي تبقى إسرائيل الوحيدة القوية في الميدان. وها هي تلك المعادلة تؤتي أكلها بأن أصبحت إسرائيل «سوبر بوار» في هذه المنطقة، بينما تداعت تلك الدول والأنظمة العسكرية الفتاكة وأصبحت شراذم وكيانات ضعيفة مفككة وهشة تصارع من أجل البقاء في وجه شعوب فاض بها الكيل. ومهما تفعل إسرائيل فلن تكون قادرة على أن تكافئ هذه الأنظمة على هذا الإنجاز «العظيم الذي بدأ قاب قوسين أو أدنى على شفا الانهيار تحت ضغط الشعوب التي بدأت تكسر قيودها أخيراً.

ومن السخف والسذاجة أن يعتقد الليبراليون العرب أن إسرائيل أو أمريكا تفضلانهم على الجنرالات. فآخر ما تبتغيه إسرائيل والغرب في منطقتنا هو انتشار الديموقراطية أو تشجيع الليبرالية. وصدقوني لن تعمل إسرائيل على الإطاحة بأي نظام ديكتاتوري جنرالاتي عربي إلا إذا وجدت بديلاً أكثر طغياناً وشمولية. فالديموقراطية خط أحمر!!

وكي نزيل الغشاوة عن عيون المنبهرين بالدعوات الأمريكية والإسرائيلية القديمة الجديدة لدمقرطة المنطقة وتخليصها من ربقة الشمولية والاستبداد، أود فقط أن أذكـّر بما قاله أحد السياسيين الإسرائيليين ذات مرة. فقد سئل عن دور إسرائيل بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وانتهاء مهمتها في مواجهة الشيوعية والمد الاشتراكي في المنطقة العربية، فأجاب بكلمات تتطابق تماماً مع كلمات الكاتب الإسرائيلي آلوف بن المذكور آنفاً: «إن إحدى أهم مهام إسرائيل في المستقبل هو حماية الأنظمة العسكرية من السقوط» أمام أي ثورات شعبية أو انقلابات جماهيرية. (النظام السوري مثالاً) أي أن هناك تحالفاً عضوياً مفضوحاً بين الديكتاتورية الأمنية والصهيونية في المنطقة العربية. لا تتعجبوا! فإن الشغل الشاغل لعدوتنا «الحبيبة» هو حماية جنرالاتنا وضباطنا وجلادينا وفاسدينا ومعذبينا وهادري ثرواتنا وكراماتنا. وكل من يقول لكم عكس ذلك يكذب عليكم. «قالوا الجمل طلع النخلة، قال هذا الجمل وهذي النخلة».
لقد غصت سجوننا العربية الغراء بالمناضلين الحقيقيين ودعاة الديموقراطية والتحرر فقط من أجل عيون العدو، وبالتالي، فلا تحلموا بتحقيق الديموقراطية الحقيقية أو تحرير الأرض إلا بعد أن تتحرروا من نير طغيان الحذاء العسكري والاستبداد ودفنهما إلى غير رجعة، فهما أكبر حام وضامن لإسرائيل. ولعلكم تتذكرون أن عنترة بن شداد لم يصبح بطلاً إلا بعد أن تخلص من عبوديته، فعندما طلب منه أبوه أن يقاتل قال قولته الشهيرة: «العبد لا يكر يا أبتي»، فقال له: «كر فأنت حر»، فانطلق يقاتل بشكل أسطوري. بعبارة أخرى، «لا يحررها إلا أحرارها». ومعاذ الله أن يكون جنرالاتنا الطغاة أحراراً إلا في التنكيل بالشعوب والأوطان وجعلها لقمة سائغة في فم الأعداء والطامعين.

لقد بات السوريون بمختلف توجهاتهم يعلمون علم اليقين أن النظام السوري لن يسقط حتى ترفع إسرائيل عنه الغطاء. لقد أركع آل الأسد الشعب السوري لخمسة عقود كي تنام إسرائيل قريرة العين، لا بل حولوا سوريا إلى مستنقع للفساد والإفساد. وهي أكبر خدمة للعدو الإسرائيلي. وعندما ثار الشعب على النظام أعطته إسرائيل المتحكمة بالقرار الأمريكي الضوء الأخضر كي يحوّل سوريا إلى خراب. وسيظل بشار أسد يحرق سوريا نيابة عن إسرائيل طالما في سوريا وفي شعبها قليل من الرمق. وعندما ينتهي من مهمته سترميه إسرائيل في سلة الزبالة كما رمت هي وأمريكا من قبل كل عملائهما من الجنرالات الطغاة.


فيصل القاسم - القدس العربي


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...