إعلانات
عندما ينزف الياسمين.. بقلم م. رنا
الاثنين - 14 أيار - 2012 - 16:58 بتوقيت دمشق
التفاصيل

في صباح سوري جميل, طرقت الشمس زجاج نافذتي الصغيرة وأخذت الإذن للدخول وداعبت جفنيّ النائمين, استيقظت على طيبة صوت أمي الغالية. استيقظ ياأحمد حتى لاتتأخر على جامعتك فطورك جاهز والخبز ساخن.

مسحت النعاس عن عينيّ, ونهضت لأعانق صباحاً جديداً, وجدت والدي الحبيب ينتظرني على طاولة الفطور, صباح الخير ياوالدي, كيف حالك اليوم؟

بابتسامة طيبة أجابني الحمد لله أسرع يابني تناول فطورك ولا تتأخر.

تناولت وجبتي بسرعة وهرعت إلى غرفتي أرتب دفاتري وكتبي, اليوم عندي امتحان عملي. نظرت إلى المرآة لأتأكد من تمام جاهزيتي, كأن وجهي اليوم أكثر نضرةً, ووجنتيّ محمرتين وعيناي مليئتان تألقاً, هذا من بركة دعاء أمي.

قبلت يديّ والدي, فدسّ في جيبي مئتي ليرة, أعرف أن والدي الموظف المتقاعد يتمنى أن يعطيني أكثر, ولكن هذا ما يقدر عليه.

التفت إلى أمي وطلبت رضاها ودعاءها, وأغلقت باب البيت ودعواتها تودعني.

في أول حاراتنا التقيت ابن جيراننا سامر, إنه زميلي في نفس الكلية, لقد اعتدنا ان نترافق دائماً إلى الكلية سوياً.

صعدنا معاً إلى حافلة الركوب ودفعت أجرة الركوب عن كلينا, وأخذت أتكلم مع سامرعن اقتراب موعد الإمتحانات النهائية, والمواد التي نلاقي فيها صعوبة, بدأت استرق من بين اللحظات نظرات إلى الشارع أراقب الناس والسيارات, الأطفال يتجهون إلى مدارسهم إنها الساعة السابعة صباحاً, ماأحلى بلدي وما أطيب ناسها. وصلت الحافلة إلى مكان الجامعة, نزلت ورفيقي سامر منها ووقفنا على الرصيف, وفجأة سمعنا صوتاً مدوياً جباراً, لقد انفجرت سيارة في أول الشارع خلفنا.

قوة الإنفجار قذفتني وسامر عشرات الأمتار في الهواء, ورمت بنا على الارض.

عندها ظهر أمامي أفق أبيض جميل على امتداد نظري, وفضاء رحب واسع, لم أشعر بأي ألم في جسدي من الإصطدام , إن جسدي ملقى على الأرض والدماء تنزف من رأسي ولا تكاد تقف, وكتبي منثورة حولي, وقفت مذهولاً لا أعرف ماعليّ فعله.

وأنا في ذهولي مماحدث, واندهاشي العظيم من منظر جسدي المضرح بالدماء, وحولي العشرات من الأجساد الممزقة والأشلاء المتناثرة, اذا بصوت أخر أشد قوة من سابقه يهز المكان من حولي وينهي استغرابي, إنه تفجير آخر.

تناثرت أجساد أكثر وتطايرت الأشلاء في كل الأنحاء وأصبح المكان واحة دماء, نعم هذان الطفلان الذين رأيتهما من الباص وهما يقطعان الشارع وعلى ظهريهما حقائب المدرسة, على الجهة المقابلة للشارع هنالك امرأة تحترق داخل سيارتها, وعلى يميني على بعد عشرة أمتار ميكروباص والعديد من السيارات أصبحت شعلة كبيرة , وكل من فيها أصبح رماد. وقفت مكتوف اليدين كيف سأساعد نفسي أو أساعد من حولي.

تلمست رأسي فلم أجد أثراً لأي جرح أو نزيف انحنيت فوق جسدي, ومددت يديّ نحو الجرح المفتوح في رأسي وغمستها بدمائي, ولكن عندما رفعتها لم أرى أثراً للدم المنساب على يديّ, أمسكت ذراعيّ وهززتهما بقوة ولكن جسدي بقي مثبتاً لا يتحرك لقد عرفت ماحلّ بي.

يا إلهي هذا سامر مرمي بلا حراك بجانبي وجسده مقسوم من جذعه ونزيف الدماء لايتوقف.

هرعت سيارات الإسعاف إلى المكان وأخذ الناس بالتراكض لإنقاذ من كان فيه رمق حياة, أو لحمل من قضى عليه القضاء بأن يرحل.

تلفت حولي فوجدت أشلاء من الشخصين الذين فجرا نفسيهما بسيارتين.تسألت مقهوراً لماذا أزهقتما كل هذه الأرواح البريئة التي لا ذنب لها سوى أن القدر ساقها لتكون في هذا المكان في هذه اللحظة, وهي ذاهبة إلى عملها أو جامعتها أو مدرستها.

لماذا قتلتني وأنا ابن الثانية والعشرين ولم يبق لي غير سنة للتخرج من كلية الهندسة.

لماذا قتلتني وأنا الابن الأوحد لأب وأم لا يرتجيان من الدنيا غيري, لماذا قتلتني وأنا الأمل المنشود لرجل عركه الدهر والفقر وعوّل على دراستي الأماني العريضة, وعلق على شبابي كل طموحاته, أين ستهرب من قهره وألمه وآماله التي حطمتها على شاطئ جهلك وظلمتك.

لماذا قتلتني وأمي تنتظر عودتي إلى البيت بفارغ الصبر, وهي تعد الغداء وتطلب من أبي أن ينتظر وصولي ولا يبدأ بتناول الطعام من دوني, أين ستهرب من دموعها ودعائها وفرط حزنها.

لماذا قتلتني وأنا مشروع حلم سينبت في أرضنا, ويساهم في بنائها ويكون لبنة يشاد بها كل معمل وحديقة ومدرسة.

هذان أمي وأبي قادمان ....أبي يبكي, لم أره طوال اثنين وعشرين سنة يبكي, لا تبكي يا أبي, فدموعك تحرقني, لاتحزن فأنا في مكان أنقى وأطهر من عالمكم المليء بالكره والحقد ورفض الآخر.

أمي التقطي جسدي الدافئ وضميني إلى صدرك, أحضنيني وطهري دمي بعرق ثوبك, وانزعي من قلبي كل حقد حتى حقدي على من قتلني, لاتبكي ياأمي فأرجو أن تصبح روحي نبراساً تهدي من ضلّ ومن أضلّ, وأن يكون دمي آخر دم يراق على ترابنا الطيب ويروي الأرض, وما يرويه الدم الطاهر لا ينبت إلا محبة وسلاماً.

 



 


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مساهمات القراء "

5-8-2013
مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين
أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ...


6-6-2013
القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا
القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ...


2-2-2013
سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟
  لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ...

31-1-2013
غارة كشف القناع
  لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ...

28-1-2013
شاهد على مجزرة....
  السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ...


19-1-2013
""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ...
  بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، ...


19-1-2013
العرب...أقلية في ســــوريا !!
  منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ...


7-1-2013
أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان
  كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ...

30-12-2012
بعد كل مخاض ... ولادة
كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ...

30-12-2012
ياوزير العدل
كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ...

30-12-2012
التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي
كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ...


20-12-2012
محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر
  ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ...

20-10-2012
قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص
  رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ...

20-10-2012
رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر
  كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ...

20-10-2012
ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب
يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ...

20-10-2012
تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي
  مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ...