أتُحِبُّ أنْ تعيشَ مَحْسُوداً؟!.. بقلم مصطفى قاسم عباس الاثنين - 28 أيار - 2012 - 16:57 بتوقيت دمشق
التفاصيل
إذا أردتَ أن تنظر إلى قلوبٍ تكاد تَميزُ من الغيظ , وإلى صدور تكاد أضلاعُها تتمزق من الحقد , وإلى أكبادٍ تتفطر كراهيةً وحقداً,وإلى عيونٍ تخبركَ نظراتُها عن بغض دفين..فإنك سوف ترى ذلك في قلوب الحاسدين وصدورهم وأكبادهم وعيونهم... ولكن , لا تسلني : لِمَ يحصل ذلك معهم ؟ .. لأنني لا أدري , ولكن أستطيع أن أقول لك : كلُّ ما أدريه أن الحسد داءٌ قديم , ظهر منذ بداية البشرية... فقابيلُ ولدُ آدم , قتل أخاه هابيل حسداً , وكان الداعي إلى القتل أنَّ الله تقبَّلَ قربانَ هابيل ولم يتقبل من قابيلَ , فقتله بعد أن حسده , لذلك نرى أن أولَ جريمةٍ على وجه الأرض سببُها الحسدُ .. وكل ما أدريه أيضاً أن الحسد لا يقتصر على زمن دون زمن , ولا على أمة دون أمة , ولا على جنس دون جنس , فالحسد هو داءُ الأمم , وهو يَحلق الدين , ولأن الدين الحنيف ينهى عن الحسد فقد قال عليه الصلاة والسلام : (( دب َّ إليكم داءُ الأمم قبلَكم : الحسدُ والبغضاءُ وهي الحالقةُ لا أقول : حالقةُ الشَّعرِ ولكن ْ : حالقةُ الدِّين ِ)) رواه الترمذي . وكل ما أدريه أن الحسودَ لا يسود ـ كما قالوا ـ وأنى له السيادةُ وهو يكره الخير للآخرين ؟ . وكل ما أدريه أيضاً أن الحاسد يعترض على حكم الله , فهو لم يرضَ بما قسم الله لعباده , ويوضح هذا المعنى قولُ الشاعر : أيا حاسداً لي علـى نعـمـتي أتدري على مَن أسأتَ الأدبْ ؟! أســأتَ عـلى الله في حُكمه لأنك لـم تـرضَ لي ما وهَبْ فأخـزاك ربـي بــأنْ زادني وسَـدَّ عـلـيك وجوهَ الطلبْ وإذا كنت محسوداً , فلا تجزع ولا تتذمَّر , فجميل أن يكون المرءُ محسوداً , ولذلك قالوا : وكل ذي نعمة في الناس محسودُ , وهذا هو الذي جعل النويريَّ في كتابه نهاية الأرب يرى أن من المديح القليلِ النظيرِ، قولَ علي بن محمد الأفوهِ : محَّسـدونَ , ومـن يَعلقْ بـحبـلهِمُ مـن البـرية يُصبحْ وهو مـحـسودُ وجميلٌ قول البحتري أيضاً في هذا المجال ,كما في ديوان المعاني لأبي هلال العسكري : مُحَسّدونَ كأنّ المكرماتِ أبتْ أن تُـوجدَ الدهرَ إلّا عند محسودِ محسدونَ وشرُّ الــناسِ مــنزلةً من عاش في الناس يوماً غيرَ محسودِ ومن يتأمل في شأن الحساد فسيرى أنهم يسترون الجميل , ويتتبعون العثراتِ والسقطاتِ , وينشرون السيئاتِ فقط , وقد صدق الشاعر قعنبُ ابنُ أمِّ صاحب في وصفهم عندما قال ـ كما في مختارات شعراء العرب لابن الشجري ـ : إنْ يسمعوا ريبةً طاروا لها فرحاً .. . مني وما سمعوا من صالحٍ دفنوا صمٌ إذا سمعوا خيراً ذكرتُ به .. . وإن ذكرتُ بسوءٍ عندهم أذنوا ولي قصيدة بعنوان : ( الحسودُ ) نظمتها منذ عدة سنوات , وهي في ديواني الأول (صورٌ من مأساتنا) ومنها أقتطف لك أيها القارئ العزيز : 1- يَسْعى إلى المجد والعَلْياءِ مجَتهـــِداً يكافحُ البؤسَ لا لا يَرْعـــــــوي أبـــدا 2- فإنْ عـــــــلا قدرُهُ واللهُ أكْــــرمه يرى أناساً تلـظى صَدرُهم كَـــــــمداً 3- أَيحسدوَن وربُّ الَعرشِ حـــذَّرنا في مُحْكَم ِالذِّكْرِ من شرَّ الذي حَـسدا 4- إنَّ الحسودَ جميعُ الخــلقِ تُبْغِضُهُ والهم والغم والآلامَ قـــــد حصـــــدا ففي هذه القصيدة تصويرٌ دقيقٌ لنفسيةِ الحسودِ , التي تميِّزُه عن غيره من النَّاس , تُصَّورُ الْحقْدَ الدفينَ الأسودَ في قلبه , حيثُ لا يريد الخيَر إلا لنفسه , وتصَورُ نفاقَهُ في المعالم العامةِ لوجهه عند لُقَياكَ , كيف أنه يُظهر الِبْشرَ والابتسَامة على وجهه إلا أنّ قلَبه يمتلئُ غيظاً , بل يكادُ يتميز من الغيظ . فتتذكر على الفور قول الشاعر : ومهما تكنْ عند امـرئٍ من خليقةٍ وإن خالـها تَخفى على الناس تُعلمِ وعلى الحُسَّادَ أن يعلموا أن الله مُطلعٌ على سرائر قلوبهم , وأنّ الله قد قَسَم عطاءَه بين الناس بالعدلِ فحسدُهُم وغيظهم لن يغير شيئاً من قضاءِ اللَّهِ وقدرِه . وإني أذكر هنا قولاً جميلاً لابن عطاء اللهِ السَّكنْدَريِّ يقول فيه : (كفى بك جهلاً أنْ تحُسَد أهلَ الدنيا على ما أُعطوا, وتُشْغِلَ قَلبَكَ بما عندَهم , لأنهَّم اشتغلوا بما أُعطوا , واشتغلتَ أنتَ بما لم تُعْطَ ) تاج العروس للسكندري . واعلم – يا أخي – أن النبي عليه الصلاة والسلام لم ينجُ من الحسَّادِ وكيدِهم , وقد أمره الله أنْ يَتَعوَّذَ به من شر حاسدٍ إذا حَسَد , فليكنْ النبيُّ صلى الله عليه وسلم أسوتَك، والقرآنُ دستورَك ... واعلم أن الحاسدَ مهما اغتابَكَ ومهما كثَر الغيظ في قلبهِ , فإنه لن يَضُرَّكَ إلا بشيٍء قد كتبه الله عليك , وتذكر قوله تعالى في سورة التوبة : ( قل لن يُصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) التوبة (51) , وقوله تعالى في سورة آل عمران : (وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران :119 . ...فأن تعيش محسوداً يعني أنك في نعيم , ويعني أنك مميزٌ بمزايا وخصائص كانت سبباً في إشعال فتيل الغيظ والحسد عند الحاسدين , ولذلك كان بعضهم كثيراً ما يكرر في دعائه : اللهم أكثرْ حُسّادي . وقبل أن نختم لا بد أن نذكر أن هناك حسداً محموداً وهو حسد الغِبطة ويكونُ بأن تتمنى أن يعطيكَ الله مثلَ ما أعطى فلاناً من الناس , ولكنْ من غير أن تتمنى في قلبك أن يُزيل الله النعمةَ عنه فهذا حسدٌ محمودٌ , وهو تَمَنٍ جائزٌ ومستحب. وما رأيكم في الختام أن نقول معاً : اللهم أكثرْ حُسادنا , وقنا من شرهم وكيدهم , إنك سميع قريب مجيب .
|
أضف تعليقك :
أخبار أخرى من " مساهمات القراء "
5-8-2013 مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ... |
6-6-2013 القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ... |
2-2-2013 سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟ لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ... | 31-1-2013 غارة كشف القناع لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ... | 28-1-2013 شاهد على مجزرة.... السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ... |
19-1-2013 ""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ... بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، ... |
19-1-2013 العرب...أقلية في ســــوريا !! منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ... |
7-1-2013 أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ... |
30-12-2012 بعد كل مخاض ... ولادة كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ... | 30-12-2012 ياوزير العدل كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ... | 30-12-2012 التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ... |
20-12-2012 محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ... | 20-10-2012 قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ... | 20-10-2012 رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ... | 20-10-2012 ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ... | 20-10-2012 تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ... |