إعلانات
" الجهاديون " في سوريا : يتبددون أم يتمددون ؟
السبت - 27 كانون الاول - 2014 - 11:30 بتوقيت دمشق
التفاصيل


صحيح أن لكل بلد طبيعته الخاصة، وبالتالي تجربته الخاصة التي لا يمكن أن تنطبق على أي بلد آخر، إلا أن التجارب التاريخية التي سبقت التجربة السورية يمكن أيضاً أن تكون مقياساً لما يمكن أن يكون عليه مستقبل سوريا. البعض توقع أن تنتهي الثورة السورية على الطريقة الجزائرية، ففي الجزائر نجح الجنرالات في إعادة الشعب إلى بيت الطاعة من خلال تخويفه بجماعات إسلامية متطرفة صنعها الجنرالات أنفسهم واستخدموها بعبعاً لإرهاب الجزائريين كي يعودوا إلى حضن المؤسسة العسكرية الحاكمة. وبعد حوالي ربع قرن على اندلاع الأحداث في الجزائر في بداية تسعينات القرن الماضي، اختفت القوى الإسلامية المتطرفة، وحصل الجنرالات على شرعية جديدة غير شرعية التحرير تمثلت هذه المرة في تخليص البلاد من رجس الإرهاب والتطرف الذي صنعوه هم بأنفسهم كي يعززوا سلطتهم، ويـُفشلوا به الانتفاضة الشعبية التي كانت يمكن أن تطيح بنظامهم.

لكن وبالرغم من أن النظام السوري يعمل جاهداً منذ اللحظات الأولى للثورة على تكرار النموذج الجزائري بمساعدة جنرالات الجزائر أنفسهم، وتصوير كل من يعارضه بأنه إرهابي جدير بالاستئصال، إلا أن «العتمة قد لا تأتي هذه المرة على قد يد الحرامي» كما يقول المثل الشعبي، فوضع سوريا قد يكون مختلفاً كثيراً عن الوضع الجزائري، ناهيك أن الزمن غير الزمن الجزائري. إذن تعالوا نحتكم إلى أمثلة أخرى، لعلها تساعدنا في استشراف المستقبل السوري.

لو افترضنا أن الفصائل الإسلامية المقاتلة في سوريا قضت على فصائل الجيش الحر الذي لم يكن له صبغة دينية، وأصبحت تلك الفصائل وجهاً لوجه في مواجهة النظام: هل سيسمح لها العالم بأن تنتصر على النظام، خاصة وأنه يعتبرها متطرفة وإرهابية؟ بالطبع لا. في أفغانستان مثلاً عندما انتصر المجاهدون على نظام نجيب الله الذي كان مدعوماً سوفياتياً، لم يسمح لهم العالم باستلام السلطة، بل ورطهم في حرب ضروس فيما بينهم، فذهبت ريحهم، وتحول الكثير منهم إلى إرهابيين في عيون العالم بعد أن انتهت مهمتهم. ألا يمكن أن يحدث الشيء نفسه في سوريا؟ هل النظام وحلفاؤه منزعجون فعلاً من تقدم الجماعات الجهادية على الأرض، أم إنهم سعداء جداً بتقدمها على أمل أن يتحقق النموذج الجزائري على أيديهم، لأنهم يعرفون أن العالم لن يقبل بتلك الجماعات لاحقاً، وربما يساعدهم في القضاء عليها. وستكون المفاضلة عندئذ بين تلك الجماعات والنظام، بعد أن تمكنت تلك الجماعات من القضاء على الجيش الحر الذي كان يهدد النظام فعلاً، لأنه لم يحمل صبغة إسلامية «متطرفة». ولا شك أن العالم سيقبل بنظام غير ديني حتى لو ارتكب كل جرائم الكون، فقط لأنه يواجه فصائل إسلامية تـُعتبر إرهابية ومتطرفة في نظر المجتمع الدولي.

البعض يخشى في هذه الحالة أن يعود السوريون إلى المربع الأول، بحجة أن البديل للنظام هو بديل إسلامي متطرف لا يقبل به أحد، فيعود النظام الخيار الأوحد للسوريين، وكأنك، في هذه الحالة، يا بو زيد ما غزيت. ولا شك أن النظام لعب على وتر الإرهاب والتطرف منذ اليوم الأول للثورة.

لكن السؤال المهم جداً الذي يمكن أن يقلب الطاولة على الجميع: حتى لو انتهى الصراع في سوريا إلى المفاضلة بين النظام والجماعات الجهادية، من يستطيع القضاء على تلك الجماعات التي اكتسبت خبرة تاريخية في القتال، وسيطرت على الكثير من الأنحاء، وأصبحت أحياناً جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري، وخاصة في شمال البلاد وشرقها؟ ألم يفشل الجيش الأمريكي نفسه في القضاء على تلك الجماعات في العراق وافغانستان والصومال واليمن؟ ألم يكن لدى الأمريكيين أكثر من مائة وأربعين ألف جندي في العراق وحده، لكنهم لم يتمكنوا من القضاء على جماعة الزرقاوي التي لم تصمد في العراق فحسب، بل امتدت إلى سوريا نفسها في هيئة تنظيم الدولة الإسلامية الذي يتمدد بسرعة عجيبة؟ ولا ننسى أن حلف الناتو نفسه قاتل حركة طالبان وأخواتها في أفغانستان لمدة ثلاثة عشر عاماً، ثم خرج مهزوماً، لا بل إن أمريكا راحت تتوسل التفاوض مع طالبان، فكيف إذاً يستطيع الجيش السوري الذي أصبح منهكاً جداً وضعيفاً، ولم يعد قادراً على مواجهة تلك الجماعات حتى بمساعدة عراقية وايرانية ولبنانية كبرى وقصف قوات التحالف، ناهيك عن أنه فقد أكثر من ثلثي مساحة البلاد لصالح التنظيمات الجهادية؟ لا عجب أن صحيفة الفايننشال تايمز البريطانية الشهيرة وصفت سوريا بـ»أفغانستان» المتوسط، بغض النظر عما إذا كان ذلك نتيجة تنامي الظاهرة الجهادية، أو نتيجة استراتيجيات أمريكية مدروسة.

وبناء على هذا السيناريو والتطورات، فهذا يعني أن سوريا مقبلة على صراع طويل الأمد، كما توقع الجنرال ديمبسي قائد هيئة الأركان الأمريكية نفسه، بحيث يصبح الوضع في سوريا أشبه بالوضع الأفغاني والصومالي تحديداَ، حيث تتصارع سلطة ضعيفة مع جماعات مختلفة بين كر وفر لوقت طويل. ولو ظلت الجماعات الإسلامية تحرز تقدماً كالذي تحرزه في الشمال والجنوب والشرق، فلا شك أنها ستصبح القوة الأكثر نفوذاً في سوريا، وربما تدخل العاصمة ذات يوم. من يدري؟ فمن استطاع السيطرة على أعتى المعسكرات في إدلب والرقة ودرعا لن تصعب عليه دمشق لاحقاً. وهذا يعني عملياً سوريا جديدة على الطريقة الصومالية والأفغانية والعراقية، لا سمح الله. إلا إذا حدثت تطورات دراماتيكية لم تكن تخطر على بال، ونجح العالم في تحويل سوريا إلى محرقة لكل تلك الجماعات كما كان الهدف دائماً، حسب رأي البعض. والعلم عند الله.

فيصل القاسم - القدس العربي


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...