إعلانات
أيّ " داعش ـ غيت " تشغل واشنطن و طهران هذه الأيام ؟!
الجمعة - 17 تشرين الاول - 2014 - 16:32 بتوقيت دمشق
التفاصيل


نعمنا، خلال الأسبوع المنصرم، بسلسلة تصريحات إيرانية وأمريكية، تشير إلى طبيعة أخرى للعلاقات بين واشنطن وطهران، مخالفة لحقائق المستوى الباطن، لكي لا يقول المرء: منافية، لما يتبدى على السطوح الظاهرة. بعضها صدر عن مسؤولين على رأس عملهم (مثل حسين أمير عبد اللهيان، مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشؤون العربية والأفريقية)؛ وبعضها الآخر عن رجال شغلوا مناصب حساسة في إدارات أمريكية سابقة، وصوتهم بالتالي ما يزال مسموعاً (مثل هنري كيسنجر وجيمس بيكر، وكلاهما تولى وزارة الخارجية).

قال عبد اللهيان (وأنكرت سوزان رايس، مستشارة البيت الأبيض للأمن القومي) إنّ إيران تتراسل مع الإدارة الأمريكية حول «داعش»، الأمر الذي يعني اشتراك طهران في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، رغم النفي. كما أضاف اللهيان، أو بالأحرى تقصد تسريب، تقدير إيراني تمّ إبلاغه إلى المحاوِر الأمريكي، حول الصلة بين إسقاط نظام بشار الأسد وأمن إسرائيل: «إذا أراد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة تغيير النظام السوري، فإن أمن إسرائيل سينتهي»، حسب وكالة فارس الإيرانية؛ و: «إيران حذرت أمريكا وسائر الدول المتحالفة معها من أنّ السعي لإسقاط نظام بشار الأسد، خلال المواجهة القائمة مع داعش، سيعرض أمن إسرائيل للخطر»، حسب أسوشيتد برس.

بيكر، خلال حوار مع قناة NBC الأمريكية، قال إنّ السبب الوحيد الذي يحرج واشنطن في ضمّ طهران إلى التحالف الدولي، هو مخاطر ظهور أمريكا بمظهر حليفة الشيعة ضدّ السنّة، مفترضاً بالطبع أنّ «داعش» هي ممثلة السنّة وإيران زعيمة الشيعة. «لن أُفاجأ بأنّ إيران تساعدنا بهدوء»، قال بيكر، مشدداً من جديد على يقينه بأنّ التحالف الراهن ينبغي أن يكون أعرض بكثير مما هو عليه: «نحتاج إلى استجماع كل دول المنطقة. نحتاج إلى الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والصين، وأنفسنا بالطبع، لإطلاق نقاش ومؤتمر ومفاوضات حول كيفية تمكين القوى المعتدلة في المنطقة، وكيف نحدّ من المتطرفين في المنطقة، وكيف نقوم بذلك كله دون إلهاب النزاع السنّي ـ الشيعي»!

في ذهن بيكر، بالطبع، وكما ذكّر محاوره ومشاهديه، ذلك «التحالف الرائع» الذي استجمعه رئيسه جورج بوش الأب، ضدّ نظام صدام حسين، قبل وخلال «عاصفة الصحراء»، 1991: 50 بلداً، أرسلوا 200 ألف جندي، بالإضافة إلى 550 ألف جندي أمريكي. ولكن… هل قتال «داعش»، وخفض قدراتها العسكرية تمهيداً للقضاء عليها كما أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يحتاج إلى مقارنة كهذه، حقاً؟ وبأيّ عقل يستخفّ بيكر حين يشترط هذا النطاق الدبلوماسي والعسكري الكوني الأوسع، ضدّ تنظيم يعدّ بعشرات الآلاف فقط؟ ومَنْ، سوى يعض الجهلة من مشاهديه، يستغفل حين يعيد المسألة إلى محتوى تقليدي، خاطىء ومضلل، هو «النزاع السنّي ـ الشيعي»؟

المرء، في هذا السياق العريض، ولكن ضمن تداعياته العراقية خاصة، يتذكر «مجموعة دراسة العراق»، التي قادها بيكر مناصفة مع السناتور الديمقراطي لي هاملتون، سنة 2006، وهدفت إلى «إيجاد حلّ للمشكلة العراقية»؛ أو، على وجه أدقّ، مأزق أمريكا في العراق. ذلك لأنّ الحال، يومها، كما الآن إلى حدّ كبير، لم تكن «مشكلة» فقط، بل مسألة، وقضية، ومستنقع؛ ولهذا فإنّ الحلول التي اقتُرحت لم تخدم عراقاً ديمقراطياً، بل عراقاً منقسماً إلى طوائف وإثنيات؛ وخدمت مصالح أمريكا أولاً، ثمّ إيران وتركيا ثانياً، قبل خدمة طموحات العراقيين.

وحين يُسأل بيكر، اليوم، عن الفارق بين ضمّ نظام حافظ الأسد إلى تحالف «درع الصحراء» سنة 1990، والامتناع عن ضمّ نظام الاسد الابن، وكذلك إيران، إلى التحالف الراهن ضدّ «داعش»؛ يجيب: لهذا الغرض تحديداً: مخافة خلق الانطباع بأنّ الولايات المتحدة «تنخرط إلى جانب الصفّ الشيعي»، وهذا هو التفسير الضحل الذي لا ينمّ عن الجهالة وحدها، بل التجهيل أيضاً. فضيلة السؤال تقود بيكر، مع ذلك، إلى إقرار لعلّه الأوّل من طرازه، خاصة إذْ يصدر عن وزير خارجية أمريكا خلال الحقبة المعنية: اشتراك نظام الأسد في تحالف «عاصفة الصحراء»، بل مشاركة قوّاته الفعلية في بعض العمليات العسكرية كما يسجّل بيكر نفسه، كان ثمناً لإطلاق يد النظام السوري في لبنان على امتداد 15 سنة لاحقة.

في الحوار ذاته، مع NBC، ذكّرنا كيسنجر بما لا نجهل: أنّ «إيران الدولة حليف طبيعي للولايات المتحدة»، ولا يقوم العداء بين البلدين إلا على مستويات دينية وإيديولوجية؛ وبالتالي، ليس عجيباً، ولا طارئاً، أن تتعاون طهران مع التحالف الدولي، سواء ضُمّت إليه علانية، أم انخرطت فيه سرّاً. ولن يكون هذا التصريح عجيباً، ولا طارئاً، إذا استعاد المرء حقيقة كبرى في تاريخ العلاقات الأمريكية ـ الإيرانية: في عام 1975 وقّع وزير الخارجية آنذاك، كيسنجر نفسه، ما يُعرف باسم «مذكرة القرار الأمني 292»، التي أرست دعائم التعاون النووي الأمريكي ـ الإيراني، بقيمة استثمارية صافية تبلغ ستة مليارات. وبعد سنة فقط، وقّع الرئيس الأمريكي جيرالد فورد أمراً إدارياً بتمكين إيران من شراء وتشغيل منشأة تتيح فصل البلوتونيوم، أي المرحلة الأعلى في تصنيع القنبلة النووية!.

كذلك فإنّ البرنامج النووي الإيراني لم ينطلق في عهد الثورة الإسلامية الإيرانية (1979)، بل قبل اندلاعها بما يقارب ربع قرن، في أيام الشاه رضا بهلوي؛ وكان البرنامج جزءاً من ألعاب الشدّ والجذب بين واشنطن وموسكو، خلال عقود الحرب الباردة؛ ولهذا فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي الجهة التي رعت وأشرفت على تنفيذ البرنامج. كذلك كانت واشنطن هي التي زوّدت طهران بمفاعل نووي طاقته 5 ميغاواط، وأمّدت المفاعل بالوقود اللازم، أي اليورانيوم المخصّب (نعم: اليورانيوم المخصّب ذاته الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها اليوم!)، كما قبلت إقامة منشآت لتخصيب اليورانيوم في إيران.

صحيح أنّ إيران الشاهنشاهية ليست إيران الخمينية أو الخامنئية، ولكن على مستوى مقتضيات الدولة، تماماً كما يشير كيسنجر وتبرهن تصريحات عبد اللهيان، هل تغيّرت شبكات المصالح كثيراً، حقاً؟ وهل وقعت فضيحة «إيران ـ غيت» أيام الشاه، أم في حياة آية الله الخميني ورونالد ريغان، بمباركة إسرائيل؟ كلا، بالطبع، ولحمقى «الممانعة» أن يعمهوا في الحمق، الغريزي أو المصطنع، حين تواصل حشودهم هتاف «الموت لأمريكا»؛ وفي الآن ذاته تواصل طهران، راعية «الممانعين»، خدمة أمريكا وإسرائيل، في العراق وسوريا ولبنان واليمن…

وتبقى استعادة أخيرة، في مناسبة حديث كيسنجر اليوم عن الخلافات الإيديولوجية والدينية باعتبارها أدنى قيمة في علاقات الدول، من المصالح. ففي سنة 2006، كتب كيسنجر ما يلي عن العراق: «من المؤكد أنّ التاريخ لا يكرّر نفسه بدقّة. فييتنام كانت معركة تخصّ الحرب الباردة؛ وأمّا العراق فهو أحدوثة في الصراع ضدّ الإسلام الجذري. لقد فُهم أنّ تحدّي الحرب الباردة هو البقاء السياسي للأمم ـ الدول المستقلة المتحالفة مع الولايات المتحدة والمحيطة بالاتحاد السوفييتي. لكنّ الحرب في العراق لا تدور حول الشأن الجيو ـ سياسي بقدر ما تدور حول صدام الإيديولوجيات والثقافات والعقائد الدينية. ولأنّ التحدّي الإسلامي بعيد النطاق، فإنّ الحصيلة في العراق سيكون لها من المغزى العميق أكثر ممّا كان لفييتنام».

أين ذهب ذلك المغزى، اليوم؟ أهو في باطن كيسنجر، أم في ظاهر «الخليفة» البغدادي؟ 



صبحي حديدي - القدس العربي


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...