إعلانات
كان يوم زفافي.. بقلم يحيى حميدان
الاربعاء - 13 حزيران - 2012 - 15:47 بتوقيت دمشق
التفاصيل

وكانت الناس ترقص

وكانت الأضواء تنثر نورها مبتهجة

وكنت جالساً وكأنني جبل هامد

والفزع والأطراب كان يلازمني في ليلة زفافي

لأني كنت أعلم أن أبي كان مريضا جداً

وسرعان ما ظهر أبي من بين الناس

فوقفت مذهولاً لما رأيت

فقد كان في كامل صحته

وكان مرتدياً زياً أبيض اللون

وحملني على كتفيه ورقص فيني مسروراً

فقلت له بصوت عالي يلازمه الخوف عليه والغضب معاً

أنزلني يا أبي

فأنت مريضٌ جداً …

فقال : لا يا بني .. فقد شفيت تماماً

وتلطخت الأفكار في رأسي

وتمنيت أن أصدق ما تراه عيناي

وسرعان ما أتت عروسي

التي كانت ترتدي ثوب الزفاف الأبيض

لكن رداء وجهها كان أسوداً

فرفعته لأسألها عن السبب

فرأيتها تبكي

وكان الكحل الأسود في عينيها كثيفاً

وقلم التخطيط على شفتيها كان عريضاً

فتركتها وهرعت مسرعا لأبحث عن أبي ..

لكني لم أجده وقالو لي أنه لم يعد يرضى ان يبقى هنا

وفي ذلك الوقت صحيت من نومي على كلمة ( أجتماع ... أجتماااااع ... )

وأكتشفت أنه حلمٌ غريب

لم أميزه بين جميل وقبيح

وتجاهلت الأمر .. و لبست وخرجت لأجتماعي الصباحي في مركز التدريب العسكري

ومارست يومي كأية يوم آخر ..

لكني في ذالك اليوم

لم أضحك ضحكةً واحدة من قلبي كما في كل يوم

ولم أرى الشمس جميلة مثل كل يوم

ولو أنني رأيت الجنة

لما رأيتها مثلما هي

لا أدري لماذا

وبعد منتصف النهار

كنت جالساً في مهجعي

جائني خبراً بأنني قد حصلت على أجازة عشرة أيام

وكان ذالك غير منتظر ..!

وتعجبت من الأمر ..

لكن دارت في ذهني أفكارٌ تمنيت أن تكون خاطئة

و على الفور توجهت إلى مدينتي البعيدة من مكان وجودي

وكان الطريق طويلاً .. صمت مزعج وصفير النوافذ يدوي برأسي

وأحسست أن الطريق لن ينتهي أبدا .. وأحسست الساعات تجري والزمان يتقدم

لكني في مكاني

وبعد أن وصلت إلى مدينتي

لم أتمكن من أنتظار عربة تنقلني إلى المنزل

فهرعت راكضاً مسرعاً إلى الشارع الذي أقيم فيه

وقبل أن أصل إليه ببضعت أمتار

نظرت إلى عكس أتجاه شارع بيتي

كي لا أرى ما كنت أظنه

وشاهت في الشارع المقبل فتاة صغيرة تبكي مع أمها

اللواتي لا يملكن ثمن الطعام

وكان ردائهما ممزقاً

ووجهيهما قد ظهرت منه العظام من شدة الجوع والفقر

وكان ذالك المنظر حينها أشد رحمة من ما كنت أظنه

ووقفت …..

و برمت رأسي إلى شارعنا ..

وليتني ما فعلت …

ليتني بقيت أنظر إلى تلك الفتاة وأمها

لكان ذالك أرحم لقلبي

ولكن ما رأيته كان أشد ألماً

فقد رأيت تلك الخيمة التي يضعونها لأستقبال المعزيين ( الصوّان )

وأدركت حينها أن أبي قد رحل إلى دنيا البقاء والخلود

ولكن مع ذلك حاولت أن أقنع نفسي أنها ليست خيمة وفاة أبي

وركضت إلى المنزل

لأجد أمي و أختي وعماتي و خالاتي يبكون ..

نظرت إلى أمي بعيونٍ مليئة بالأسألة

ولم أستطيع أن أقول لها حرفاً واحداً

ولكنها هزت برأسها وضمتني بعمق وقالت :

نعم يا بني ..

لقد رحل الغالي …

توفيّ والدك ….

وهنا أحسست فجأة بان الحياة توقفت .. وكأن قذيفة تفجرت بجانبي

لا حياة ولا طعم ولا لون وأن الأشياء من حولي ترتدي ثياب الحِداد

وحاولت أن أسألها كيف أو لماذا ..

واغتالت غصة الم عميقة بقية كلماتي

وفي تلك اللحظة خانتني دموعي

ولم أستطيع البكاء

فالذي فقدته هو أغلى من البكاء

و أغلى من الألم ..

حتى أني لم أراه ولم أقبّل جبينه قبل أن يدفنوه ..

وهذا ما حرق دمعتي و أنفاسي أكثر من أيّ شيئ

جلست مع كل الناس ..

أراقبهم لثلاثة أيام ..

كلٌ منهم أتى إلى العزاء لأن ذلك واجبٌ عليه

ولا أحد يعلم ما يدور في رأسي

كان كل ما رأيت أحداً من أصدقائي أتى ليعزيني

يزداد ألمي و غـصـتي

لا أعلم لماذا ..

ولم تفلح الناس المواسية في إزاحة جبال الهموم

التي تراكمت على رأسي ..

حتى حنان أمي عليّ لم يغير شيئاً من نظرتي القاتمة تجاه ما فقدته ..

و كان كلما نظرت إلى أخي الصغير ( عبد )

الذي لم يتجاوز من العمر ثمانية أعوام ..

يتملكني شعور بالحزن والأسى والمسؤليه عليه ..

و أراه يركض بين الناس ويلعب تارة ويصرخ باكيا تارة أخرى

وهولا يدرك تماماٌ ماذا حصل لوالده .. و أنه لن يراه ثانيةُ ..

يا ليتني كنت بعمره ..

كي لا أشعر بالفراق و الأشتياق لوالدي ..

و فجأة تذكرت الطفلة التي كانت تبكي مع أمها

لأنهم لا يملكون ثمن الطعام ..

ونظرت إلى أخي الصغير ( عبد )

و أنتابني شعور بالأمل اتجاهه

إذ أنه لو كان جائعاً لبكى ..

لوكان مريضً لبكى …

لو كان متألماً .. لبكى ….

ولكن الحمد لله أنه لا ينقصه شيئٌ من هذا ..

وعاهدت ربي أن لا أحرمه شيئً ما دمت حياً …

ودعيت ربي أن أستطيع وأن يعونني على ذلك ..

ونظرت بيني وبين نفسي إلى هموم العالم ..

ومآسي الحروب ..

وتذكرت أنه لطالما سمعت عن اناسً

فقدو الأم والأب والأخ والأخت في يوم واحد

ومازالوا أحياءً ..

وضحكتهم تملئ قلوب أعدائهم بالخوف

برغم كل الظرف الصعبة ..

و أنا مازلت أملك أمي و أخي و أختي و أملي ..

الذي أستمده من كل أصدقائي الذين يحاولون أضحاكي بعبثهم بشيئ ما …

أدركت بعد رحيل العمر

أن قافلة الحنين التي أنتظرها

يهاجمها الخوف ويفترسها

فلملمت جروحي

وكتمت دمعتي في روحي

وحزمت حقائبي بكل أشلائي

وجرجرت أذيال الخيبة ورائي

وعدت إلى وطني

حيث أمي و أقربائي

أخبروني أن أبي قد رحل إلى البقاء

ها أنا أناديك يا أبي

متى سأكون من الأحياء

أحتاج ذراعيك لتضمني أن سمعت

لكني حجار قبرك هو كل ما رأيت

آهً يا أمي ..

ليتني ما عرفت شظايا الزمن

ولا قسوة الأيام

لما بكت عيوني

وتجمدت جفوني

ولما مددت يداي للسراب والأوهام

مدي يديكي يا أمي إلى صدري

يأكلني حنيني حين تقرإين جرحي

إي سنينً تخفيها الحناء في يديكي

إي دموع تأسرين خلف جفنيكي

دموع الفرع لعودتي

أم دموع العتاب لغربتي

أم أنكي سترحلين

أماه ..

لا تتركيني

لا تبتعدي عني

لا تدعيني

ومدي إليّ يديكي و أسحبيني

كي لا أعيش مع دموعي

وأوراقي و أنيني

وبعض الكلمات التائهة في صحراء العذاب

عذاب حنيني

أماه حين أكون بين يديكي

أحلق عالياً عالياً

أداعب الغيوم بأصابعي

أبحث عن كلمة أنطقها بأسمكِ

أخترق المجرات رغبة بالكلام عنكِ

يا أمي عانقت كل شيئ

لأنسج صورة تشبهكِ

قتلت آلاف الكلمات لأكتب شيئً يحكي عنكِ

و فداكِ سأموت شهيداً

وستبكي زوجتي

وستبكي أختي

و أبنة عمي

و أبنة خالي

وستبكي كل جيراني

ويقولون مات شهيداً

أو قدراً قد مات

إلاك أنتي لا أدري

ما ستقولين مولاتي …



يحيى حميدان

[email protected]


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مساهمات القراء "

5-8-2013
مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين
أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ...


6-6-2013
القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا
القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ...


2-2-2013
سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟
  لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ...

31-1-2013
غارة كشف القناع
  لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ...

28-1-2013
شاهد على مجزرة....
  السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ...


19-1-2013
""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ...
  بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، ...


19-1-2013
العرب...أقلية في ســــوريا !!
  منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ...


7-1-2013
أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان
  كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ...

30-12-2012
بعد كل مخاض ... ولادة
كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ...

30-12-2012
ياوزير العدل
كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ...

30-12-2012
التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي
كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ...


20-12-2012
محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر
  ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ...

20-10-2012
قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص
  رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ...

20-10-2012
رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر
  كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ...

20-10-2012
ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب
يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ...

20-10-2012
تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي
  مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ...