إعلانات
تنامي ظاهرة العنف الجنسي ضد الأطفال في سوريا ... اغتصاب وحشي وتحرش في ظل غياب تربية الأهل والدور الحكومي .. وباحثون يحذرون من عواقب مدمرة
الاربعاء - 16 أيلول - 2009 - 7:27 بتوقيت دمشق
التفاصيل

شهد المجتمع السوري خلال الأيام القليلة الماضية عدة حالات اغتصاب وتحرش بأطفال لم يتجاوزوا الثامنة من العمر ، ونقلت وسائل الإعلام السورية والعربية عددا من الحالات التي وصفت " بالوحشية  " ابتداء بالطفلة "خولة " التي شهدت حالتها تغطية إعلامية مكثفة وانتهاء ( حتى وقت قريب ) بالطفلة "هبة " التي يبلغ عمرها ثلاث سنوات ، مروراً بغيرها من الحالات التي رصدها عكس السير ونشر تفاصيلها وقت حدوثها .

وتصدرت محافظة حلب خلال الفترة الماضية لائحة حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال بين المحافظات السورية ، حيث شهدت حلب وحدها وخلال أقل من شهرين ست حالات بينها ثلاث حالات اغتصاب مقترن بالعنف ، فيما شهدت محافظة ادلب القبض على شاب تحرش بسبع فتيات على مدار عامين " فيما تكتمت بقية المحافظات عن حالات الاعتداء الجنسي على الاطفال " وذلك بحسب عدة باحثين ، الأمر الذي استوجب البحث في أسباب ودوافع ونتائج وطرق العلاج من هذه الظاهرة التي أكد جميع الباحثون والمفكرون الذين التقى بهم عكس السير أنها " متنامية " .

وقبل البدء في البحث بالظاهرة لابد من تعريف وتحديد مفهوم  " العنف الجنسي ضد الأطفال " ، حيث يتفق جميع الباحثين في مجال حقوق الطفل حول تعريف العنف الجنسي ضد الأطفال بأنه " أي نشاط جنسي يقع ضد الطفل غير كامل الأهلية من شخص بالغ ، والذي يشمل الإعتداءات الجنسية المباشرة أو الاعتداءات اللفظية أو العاطفية التي تأخذ عدة أشكال ، ككشف أعضاء الطفل التناسلية ، أو  ملامسة ، أو ملاطفة من نوع خاص ، أو تعريض الطفل لصور وأفلام فاضحة ، أو  التلصص على الطفل, كمراقبته ساعات الاستحمام أو ساعات تبديل الملابس ،أو إجباره على أعمال مشينة غير أخلاقية كإجباره على التلفظ بكلمات نابية ، وانتهاء باغتصاب الطفل جنسيا ً بصوره المعروفة الطبيعية كانت أم الشاذة ".

أطفال ممزقين يبحثون عن العلاج ..

بعد أن تعرضت " هبة " للاغتصاب بشكل وحشي من قبل شاب في السابعة عشر من عمره نقلت إلى مشفى الأطفال الوطني بحلب ، ولازالت تقبع فيه ، وقال مدير المشفى الدكتور " أحمد الشيخ " في تصريح سابق لـ عكس السير " إن هبة تعاني من تمزق وتهتك بمنطقة العجان ومن فوق الشرج حتى المهبل " وتحتاج لعدة عمليات جراحية .

وسبقتها بذلك الطفلة " خولة " ابنة الأربع سنوات والتي أجري لها عدة عمليات جراحية قبل أن يقوم الرئيس بشار الأسد والسيدة عقيلته بزيارتها في منزلها ، فتم إرسالها لتلقي العلاج في بريطانيا ، حيث عادت قبل فترة وهي الآن تقبع في منزلها وترتاد المشفى بين الحين والآخر .

كما ضج الشارع السوي العام الماضي لما حدث مع الطفلة "ناية " البالغة من العمر 8 سنوات التي تعرضت للاغتصاب وتشويه جسدها ورميها عارية من الطابق الخامس من عمارة غير مسكونة  في حمص  .

وفي الوقت نفسه يحتار آباء في علاج أطفالهم الذين تعرضوا لصدمة نفسية ، أو فقدن بكارتهن وهن في سن العصافير في حوادث بقي معظمها طي الكتمان خشية من " الفضيحة " .

غياب للإحصاءات الرسمية .. و محاولات فردية

وأمام تنامي هذه الظاهرة يقف الباحثون والمختصون حائرين خصوصاً مع غياب الاحصاءات والبيانات الرسمية في موقف أكد جميع من التقى بهم  عكس السير أثناء إعداد التحقيق بأنه " تقصير " مناشدين الجهات الحكومية المسؤولة بضرورة اسراع البحث في هذه الظاهرة والمساعدة على حلها " حتى لو بتقديم  البيانات الاحصائية للمختصين ،الذين  ينحتون في "صخر كتمان" المجتمع بحثاً عن الحالات لدراستها وإيجاد الحلول لعلاجها ووقاية المجتمع من تكرار حدوثها ".

وفي محاولة لـ عكس السير لرصد عدد الحالات التي راجعت دائرة الطب الشرعي في حلب فوجئنا برفض رئيس الطبابة الشرعية في حلب الدكتور " عبد التواب شحرور "إعطائنا أية معلومة بحجة وجود كتاب رسمي موقع من قبل مدير صحة حلب يمنع الدائرة الإفصاح عن أي معلومة ، في تصرف يعتم و يضيق الخناق على بيانات ومعلومات الظاهرة .

وفي ظل هذه الظروف قام عدد من الباحثين بمحاولة إحصاء ودراسة بعض الحالات ، وقال الأخصائي في  الطب الشرعي ونائب رئيس الرابطة السورية للطب الشرعي الدكتور " بسام المحمد " لـ عكس السير : " قمنا بإعداد دراسة تحليلية لحالات الطفل المضطهد والتي راجعت دائرة الطب الشرعي في حمص خلال عام 2007 ففوجئنا بأرقام ليست بالقليلة مقارنة بعدد الحالات المتستر عنها ".

وتابع " فقد بلغ عدد الحالات التي استقبلنها في دائرة الطب الشرعي في حمص 27 حالة من الأطفال المضطهدين سبعة أطفال منهم تعرضوا لحالات العنف الجنسي والجسدي بنسبة تشكل 25.2% من حالات العنف التي استقبلناها والبالغ عددها 107 حالات خلال عام 2007 " .

وتفاوتت الحالات السبع التي تنوعت بين اغتصاب واغتصاب مقترن بالعنف الجسدي ، وقال الدكتور " المحمد " لـ عكس السير : "  خمس حالات ( ذكرين وثلاثة إناث ) من الحالات السبع تعرضوا لاضطهاد جنسي ، فيما تعرضت الحالتان المتبقيتان لاضطهاد جنسي وجسدي " .

وأضاف الأخصائي بالطب الشرعي في حمص " على الرغم من محاولاتنا المستمرة لجمع المعلومات ، إلا أن الأرقام التي حصلنا عليها لا تعطي تصوراً واضحاً عن عدد الحالات الفعلية التي شهدتها محافظة حمص  بسبب تستر الأهالي على تعرض أبنائهم للعنف الجنسي بحجة منع الفضيحة ، وغالباً ما تكون حالات العنف الجنسي المتستر عليها ارتكبها أحد أبناء العائلة " ، ولم يحدد الدكتور " بسام المحمد " النسبة التي تشكلها الحالات المعلن عنها من الحالات الكلية ، في الوقت الذي أكد فيه عدد من الباحثين أن النسبة لا تتجاوز الـ 10% .

وفي عام 2007 نشرت صحيفة محلية تحقيقاً حول الاستغلال الجنسي للأطفال  ، وقالت حينها أن الاستغلال الجنسي تضاعف ثلاث مرات ، وأوردت الصحيفة في تحقيقها إحصائيات دائرة الطبابة الشرعية في دمشق ، وقالت الصحيفة ان نسبة الأطفال المتعرضين الاستغلال الجنسي عام 2004 بلغ 65 حالة ارتفعت عام 2005 إلى 99  حالة بينما بلغت عام 2006 ، 189 حالة، أي بنسبة زيادة ثلاثة أضعاف عن عام 2004.

وتابع التحقيق الذي نشرته صحيفة " أبيض أسود " انه وفي الثلاث سنوات المدروسة كانت نسبة الذكور والإناث متقاربة حيث بلغت نسبة الذكور 56.6%، والإناث 43.4% عام 2006 ، بينما سجلت  " الملامسة " النسبة الأعلى وفقاً للتقارير الطبية الواردة حيث بلغت نسبتها 69.84% عام 2006 ،  إضافة لحالات ارتخاء في "المعصرة الشرجية " نتيجة تكرار الاعتداءات الجنسية والتي بلغت نسبتها16.4% عام 2006 "، و " تمزق في غشاء البكارة " بنسبة  13.76% عام 2006 .

وقالت دراسة نشرتها صحيفة " الثورة " الرسمية أنجزها عام 2002 الأخصائي في الصحة النفسية الدكتور " مطاع بركات " عن طريق توزيع استمارات البحث على 400 طالب وطالبة من جامعة دمشق، مئة منهم فقط أجابوا على الأسئلة المطروحة ،  ان 40% من المفحوصين تعرضوا "لتجربة جنسية في فترة الطفولة" ولم يخبروا بها أحداً، وأن نسبة الأطفال الذين قاموا بفعل جنسي لمن هم أصغر منهم سناً وهم بعمر لا يتجاوز الـ 12 سنة بلغت  16% ،  في حين بلغت نسبة من قاموا بهذا الفعل وهم في عمر  " فوق 12 عاماً "  15%.

وعن تعرض المفحوصين لنفس الفعل من جهة " أطفال يكبرونهم سناً  " قالت الدراسة ان نسبة من مرّوا بمثل هذه التجربة وهم تحت سنة 12 سنة بلغ 40%، فيما بلغت النسبة لمن تعرض لتجربة جنسية وهو بسن يفوق الـ 12 سنة بلغ 21% ، وتوصلت الدراسة حينها إلى أن  " 76% من المفحوصين تعرضوا لتجارب جنسية قبل سن 18 ".

كما قالت دراسة تحليلية قدمها الدكتور "محمد فوزي النجار " حول حالات العنف الأسري الجنسي التي استقبلتها مراكز الطبابة في سورية ، والتي شملت جميع المدن والمحافظات السورية عدا حلب وريف دمشق  ، ان المراكز استقبلت 467 حالة أذى جنسي من ضمنها 25 حالة فقط ضمن الأسرة الواحدة وتفاوتت أعمار الأطفال الذين تعرضوا للعنف الجنسي بين عامين و10 أعوام ، وذلك بحسب الدراسة .‏

وفي عام 2008 أعدت الهيئة السورية لشؤون الأسرة تقريراً عرف باسم التقرير الوطني حول سوء معاملة الأطفال في سورية ، والذي بين أرقام احصائية وصفها بالتقريبية حول وضع الأطفال في سوريا ، وذكر التقرير أن "19.4 % من الأطفال يتعرضون إلى عنف جنسي تبدأ بالإساءة اللفظية وتنتهي بسلوك جنسي صريح مع الطفل إلا انه لم يتم التوصل إلى نسب محددة في هذا الموضوع " ، و قال التقرير حينها ان دراسة العنف الجنسي عند الأطفال " تشكل إشكالية كبيرة بسبب العادات الاجتماعية وصعوبة الحصول على المعلومات من الأطفال وغيرها "  ، كما دعت الدراسة حينا إلى " تأسيس مراكز بحثية متخصصة بظاهرة العنف ضد الأطفال في سوريا ".

أخصائي نفسي  : معظم المعتدين تعرضوا لحالات عنف جنسي في صغرهم .. وتفكك الأسرة هو السبب

ومن جهته قال الدكتور " محمد دندن " الأخصائي في الطب النفسي لـ عكس السير  "  ترتبط معظم حالات العنف الجنسي بحالات التفكك الأسري وغياب رقابة الأهل والدليل على ذلك أن معظم حالات العنف الجنسي تقع في المجتمعات الفقيرة نوعاً ما ، وعادة يكون سلوك الشخص المعتدي على الأطفال مرتبطا بأخلاق وتصرفات سيئة ، منها الإدمان على المخدرات ، كما تكون شخصية المعتدي على الأطفال شخصية مرضية ومعظم المعتدين على الأطفال مصابين باضطراب شخصية معادية للمجتمع ، وهم ذاتهم ( ذوو الشخصية المعدية للمجتمع ) شاذون عن معايير وضوابط المجتمع لذلك نجد أن 70% تقريباً من نزلاء السجون مصابين باضطراب شخصية معادية للمجتمع ".

وتابع " وفي حالات أخرى وجدنا أن بعض الأشخاص مصابين بمرض يسمى عشق الأطفال ( Pedophilia بيدوفيليا  )  وهو ميول جنسي يصيب الشخص البالغ تجاه الأطفال و غالباً ما ينشأ نتيجة تعرض الشخص لاعتداء جنسي في صغره ، الأمر الذي يستوجب الإفصاح عن جميع الحالات التي تعرضت للعنف الجنسي في وقت مبكر بغية معالجتها وإلا فسيكون الوضع كارثي " .

ولاحظ عكس السير أثناء البحث في موضوع العنف الجنسي ضد الأطفال وجود حالات تستر الطفل ( الضحية ) عنها ولم يخبر والديه ، الأمر الذي فسره الخبير النفسي بالقول " يكون ذلك بسبب الشعور بالخوف أو الشعور بالذنب لذلك يجب على الآباء أن يراقبوا أبنائهم لتفادي الوقوع في مثل هذه الحالات ".

وعن الأعراض التي تصيب الطفل الذي تعرض للعنف الجنسي قال " يكون سلوكه ملفت للنظر حيث يصبح الطفل مزاجي ، وتتراجع دراسته ( تراجع أكاديمي ) بشكل مفاجئ ، وقد يتحول من محب للمدرسة إلى كاره وناقم عليها ويتحول إلى شخص عدواني ، وعادة ما يصاب الطفل المعنف جنسياً بنوبات بكاء غير مبرر كما يصاب بعضهم بمرض التبول اللاإرادي  ، وهذه السلوكيات تشير إلى وجود مشكلة نفسية لدى الطفل ، أنا لا أقول أن كل الأطفال الذين يصابون بهذه الأعراض معنفين جنسياً ، ولكن على الأهل عدم التساهل في مثل هذه الحالات ".

وختم الأخصائي بالطب النفسي الدكتور " محمد دندن " حديثه لـ عكس السير بالقول : "  على الأهل أن يكونوا أكثر حزماً ووعياً في معاملتهم وتربيتهم للأطفال وخصوصاً في العائلات الكبيرة ، حيث يجب على الأهل منع نوم الأطفال مع الكبار في السن تفادياً لأي حادثة تعرض جنسي تمس الأطفال ، لأن عددا كبيراً من حالات الاستغلال الجنسي للأطفال تكون من أشخاص مقربين من الطفل " .

أخصائي بعلم الاجتماع : عواقب العنف الجنسي كارثية

ومن جهة أخرى قال الأخصائي بعلم الاجتماع الدكتور " عبد الحميد سويس " لـ عكس السير  : "  إن الاعتداء الجنسي على الأطفال و الذي يعد من أشد أنواع العنف الممارس عليهم شأنه شأن كل سلوك منحرف و غير سوي له طابع تصاعدي مطرد ، حيث  تتعدد و تتفاعل أسباب و عوامل هذه الظاهرة ،و التي تظهر عند بعض الأشخاص، مع بعضها البعض من خلال عوامل فيزيولوجية (غريزة جنسية شاذة) و عوامل أسرية واجتماعية و عوامل بيئية  و عوامل اقتصادية ( تفكك أسري،علاقات أسرية مضطربة ، فقر، بطالة ، رفاق سوء ،مستوى تعليمي متدني ،توفر المعلومات الجنسية بشكلها الخاطئ عن طريق القنوات و المواقع الإباحية ..الخ ) ".

وتابع " هذا إلى جانب الأحداث الضاغطة النفسية و الاجتماعية المرتبطة بالشخص المعتدي(الكبت الجنسي ، أو قد يكون في الغالب شخصاً قد أسيء إليه جسدياً ، أو جنسياً ، أو يكون قد عانى من الإهمال وهو طفل.. الخ ). فالدعائم الجوهرية لحياة الإنسان البالغ الراشد تعتمد على طفولته المبكرة ، فعلى أساسها تتكون معظم خصائصه النفسية المهيمنة على شخصيته في المستقبل ".

وختم " بالإضافة  إلى الجانب المتعلق بأهل الضحية من حيث  ضعف الرقابة الأسرية و غياب الوعي و النصح و التوجيه و الإرشاد الإيجابي من قبل الأهل لأطفالهم  ، وبناء على ذلك علينا جميعاً البحث في أسباب هذه الظاهرة ودراستها وإيجاد الحلول لها بشكل يتناسب مع مجتمعنا وإلا ستكون العواقب كارثية "  .

ناشطة اجتماعية  : للإعلام دور مهم في معالجة هذه الظاهرة ولكن الإعلام السوري أساء في طريقته لطرح هذه القضايا

و قالت الناشطة الاجتماعية  " شاهيناز عبد الغفور " لـ عكس السير : " إن مجتمعنا يعاني منذ زمن بعيد من هذه الظاهرة وهي متنامية ولكننا لم نكن نسمع بها الأمر الذي كان يزيد من تعقيدها دون أن ندري ، ولكن بعد زيارة الرئيس بشار الأسد للطفلة خولة زادت ثقة المواطن بحكومته وعرف أن الحكومة لن تقف مكتوفة الأيدي في معالجة هذه الظاهرة الأمر الذي شجع كثيرين للبوح بحدوث مثل هذه الحوادث وهو أمر يعتبر الخطوة الأولى في اتجاه حل ومعالجة هذه الظاهرة ".

وتابعت " كما يلعب الإعلام دوراً مهماً في نشر التوعية بين الأهل الذين يتوجب عليهم العناية بالأطفال والإبلاغ عن أية حالة عنف جنسي تمارس ضدهم ، إضافة إلى التشهير وفضح الأشخاص الذين يمارسون العنف الجنسي على الأطفال الأمر الذي يشكل رادعا حقيقاً يساعد في وقاية المجتمع من وقوع مثل هذه الحوادث " .

وأضافت " ولكن الإعلام السوري وبكل أسف أساء في طريقة طرحه لمثل هذه القضايا ، فقد عمدت معظم وسائل الإعلام إلى الحصول على السبق الصحفي في نشر تفاصيل هذه الحوادث دون دراسة لطريقة عرض المعلومات الأمر الذي حقق اثر عكسي ، كما أن معظم المحطات التلفزيونية والأعمال الدرامية التي تناولت العنف عرضت الموضوع بقالب من التشويق بعيداً عن دراسة الأثر الذي تتركه هذه المشاهد في نفسية المتلقي ، فما الفائدة من عمل تلفزيوني يصور العنف في جميع حلقاته بقالب مشوق دون أن يبين أنه أمر سيء إلا في الحلقة الأخيرة ؟؟ " .

كاتبة تلفزيونية : بعض الأعمال الدرامية تحث على العنف بدلاً من معالجته

ومن جهتها قالت الكاتبة التلفزيونية " رانيا بيطار " مؤلفة مسلسل أشواك ناعمة لـ عكس السير  : " بعض الأعمال تتسبب بآثار عكسية حيث تحث على العنف بدلاً من معالجته  ويقوم الطفل وهو بحالة تكوين شخصية بتقليد أعمى لأبطال الدراما وتكون بمثابة المثل الأعلى بغياب دور الأسرة فيتصرف دون أن يعلم أنه  يقوم بأفعال خاطئة وغير أخلاقية "

وتابعت " لذلك يجب على الأعمال الدرامية أن توجه رسالة هامة عنوانها العريض " الوعي للجميع " , الوعي بوجود مشكلة خطيرة تهدد الجميع و الوعي بمعرفة و استئصال جذورها القوية لا قطع فروعها الضعيفة " .

غسان مسعود : أغلب المواد التي تتناولها الدراما سامة 

ومن جهته قال الفنان السوري " غسان مسعود " في اتصال هاتفي لـ عكس السير " مع بالغ الأسف إن الأعمال الدرامية السورية أهملت النوع بسبب سعي أصحاب شركات الانتاج للربح السريع دون دراسة الأعمال التي ينتجونها ، حيث بتنا نشاهد أعمال درامية بكثافة سيئة تبث السم من خلال عرضها على مئات الفضائيات " .

وتابع " إن للأعمال الدرامية دور خطير في المجتمع لأنها تحمل في طياتها سم قاتل على مستوى الوعي وعلى المستوى الأخلاقي وعلى مستوى عدم فهم ثقافة المجتمع الأمر الذي يؤدي إلى تشويهها ، لذلك نحن بحاجة لجهد كبير وعمل على مستوى واسع لإعادة هيكلة وصناعة وتأهيل الذوق العامل والأعمال الدرامية المنتجة ودراسة المحتوى الذي توجهه للمجتمع " .

مناهج تثقيف جنسية للأطفال

ومن جهته طالب  المهندس "هادي البحرة" وهو ناشط في مجال حقوق الأطفال بضرورة إيجاد حصة مدرسية للأطفال في المدارس يتلقون فيها دروساً ومواعظ عن طرق الوقاية من التحرش الجنسي بطرق تناسب أعمارهم وقال  " لتكن هذه الحصة بمثابة شرح للأطفال التميز بين المقبول والمرفوض بالتصرفات تجاههم ، وكيفية تفادي التحرش الجنسي ، وتشرح لهم حقوقهم بطريقة تناسب أعمارهم عن طريق تعيين أخصائيين يقومون بهذه المهمة ".

وعمدت معظم الدول الأوروبية إلى ضم كتب ومؤلفات جنسية تدرس للأطفال في المدارس وفق أسلوب يناسب أعمارهم وبمضمون يحقق ما يسمى " مناهج الثقافة الجنسية للأطفال " الأمر الذي يعتبره كثيرون حلاً لمشكلة العنف الجنسي ولمعظم المشاكل المتعلقة بالانحرافات والشذوذ الناجم عن ضعف موارد العلم الحقيقة مما يدفع الأطفال إلى اكتساب ثقافتهم الجنسية عبر وسائل وقنوات سيئة تدفعهم للشذوذ بدلاً من الاعتدال .

وكان عكس السير أثار قضية منهجة الثقافة الجنسية وتقديمها للأطفال في حصص مدرسية في وقت سابق ضمن زاوية " مع أو ضد " التفاعلية حيث تنوعت الآراء وتضاربت حول إمكانية أو عدم إمكانية تحقيق الهدف المرجو من منهجة الثقافة الجنسية ، فيما تبين عملية إحصائية سريعة أن معظم المشاركين رفضوا الفكرة واعتبروها دخيلة على مجتمعنا وتتسبب بأضرار أكبر من النفع العائد منها .

مفكر إسلامي : الإسلام لا يتحدث عن حقوق وإنما يفرض واجبات تمنح الحقوق

ومن جهته رأى المفكر والباحث الإسلامي الدكتور " علاء الدين الحموي " أن ثقافة الإسلام كديانة سماوية وكمنهج يسير عليه البشر يقضي بأنه " لا ضرر ولا ضرار " أي أن الإسلام بتعاليمه وعقيدته منع الضرر عن الإنسان ومنعه من ضرر الآخرين .

وقال الدكتور " الحموي " لـ عكس السير  : "  إن للدين دور بارز من خلال إيجاد الوازع الداخلي لأنه وببساطة لا يمكن أن يضبط أي إنسان تصرفات الإنسان الآخر دائماً وفي كل الأوقات ولكن الدين ينمي الوازع الذي يستطيع من خلاله الإنسان ضبط شره الداخلي " .

و أضاف "  لقد كرم الإسلام وحمى المرأة والطفل وهما مخلوقين ضعيفين وهذا الكلام ليس انتقاصاً لهما وإنما حماية وتكريما لهما ، فالدين يحمي أطفالنا ويحمي مجتمعاتنا عن طريق وصفة متكاملة تتضافر في جميع نواحي الحياة ".

وقسم الدكتور " الحموي " الحماية التي ينشئها الدين في المجتمع إلى أربعة محاور تعمل وفق هيكلية متتابعة ، حيث تبدأ بالـ " التربية الأسرية " التي تنمي الإنسان وفق منحيين الأول هو أن " أعرف ما هو مطلوب مني " والثاني هو " أن أعرف كيف أحمي نفسي من الآخرين " .

وبعد التربية الأسرية تأتي " الحماية المجتمعية " حيث يشعر المسلم أن كل طفل في بلده هو طفله لذلك لا يقدم على إيذائه ، ويأتي بعد ذلك إدراك المسلم لـ " قيمة الإنسان كإنسان " فالدين يحترم الإنسان " صنعة الله " ، وقال المفكر الإسلامي " إن الدين يطلب من الانسان احترام الحيوان فكيف إن كان يتعلق الأمر باحترام الإنسان  ".

واعتبر الدكتور " الحموي " أن المحور الرابع والأخير في الحماية التي ينشئها الدين في المجتمع هو " التربية الإيمانية " وقال  : "  هي الوقود الذي يدفع بعجلة المحرك ويحول المحاور الثلاثة السابقة من فلسفة إلى واقع عملي ، وبذلك يحقق الدين حصن ومناعة للمجتمع ، كل المجتمعات تتحدث عن ضرورة الحماية فيما يتحدث الدين عن ثقافة المناعة ويضعها قبل ثقافة المنع ، فالإسلام لا يتحدث عن حقوق وإنما يتحدث عن واجبات تخلق الحقوق ، لأنني عندما أقوم بواجبي يحصل صاحب الحق على حقه " .

وعن العلاج الديني لظاهرة العنف الجنسي قال الدكتور " علاء الدين الحموي " لـ عكس السير  : "  علينا أن نقسم العنف إلى قسمين الأول هو العنف ضمن الدائرة الخاصة ( الأهل ) وهنا يفترض علينا أن نبحث عن أسبابه وهو غالباً ما يرتبط بالفقر وبماض عنيف عاشه الوالدين ، وبثقافة متدنية ، وبناء على ذلك يكون العلاج " .

واستطرد "  كما أن هناك عنف ضمن الدائرة البعيدة ( المجتمع ) وهنا علينا أن نحصن الطفل عن طريق تعليمه كيفية احترام الآخرين دون الخضوع له ، ولتحقيق ذلك يجب ان تتضافر جهود المجتمع ككل من أسرة ومدرسة أو بالتحديد مدرس لأنه غالباً ما يقتدي الطفل بمعلمه ويتأثر به ، إضافة إلى  دور المعبد ".

وعن العقوبة التي يفرضها الإسلام على الشخص الذي يمارس العنف الجنسي على الأطفال قال المفكر الإسلامي "  لقد أوجد الإسلام العقوبة المناسبة ( التعزير * ) والعقوبة تكون متناسبة مع حجم الجرم الذي يرتكبه الإنسان فهي قد تبدأ بالتوبيخ والضرب وتنتهي بالقتل في بعض الحالات التي تستوجب ذلك ، لأن الإنسان الذي يمارس العنف الجنسي على الطفل يكون قد انتهك في البداية وتعرض على حرمة إنسان آخر إضافة إلى كونه قد تعدى على حرمة إنسان ضعيف " .

وعن منهجة الثقافة الجنسية وتدريسها للأطفال في المدارس ، رأى الدكتور " الحموي " ضرورة في ذلك ، ولكنه فضل إطلاق " تربية أسرية " على هذا المنهاج بدلاً من مسمى " ثقافة جنسية " لأن مجتمعنا حساس لمثل هذه القضايا حتى ولو كان بالتسمية .

الدين المسيحي شدد العقوبة أيضاً

ومن ناحية أخرى قال المفكر المسيحي " عابد آشجي " لـ عكس السير  : "  يعتبر الدين المسيحي الأطفال ملائكة الله في الأرض ، فالطفل مخلوق بريء وعلينا جميعاً أن نصون براءته وأن نحميه من الظروف الحياتية المحيطة به والتي تشوه براءته " .

وتابع " وقد شدد الدين المسيحي العقوبة تجاه من يمارس العنف الجنسي ضد الأطفال حيث يقتل المجرم ، ولهذا العقاب هدفين الأول يبين حجم الخطأ الذي ارتكبه الانسان تجاه الطفل ، والثاني رادع ".

قانوني : ازدياد حالات العنف الجنسي في سوريا أمر يستحق تشديد العقوبة إلى الإعدام

ومن جهته ، قال المحامي " علاء السيد "  لـ عكس السير  : "  إن قانون العقوبات السوري الصادر عام 1949 قد فرق بعقوبة الاعتداء على قاصر أن يكون القاصر دون الـ 12 عاماً من العمر لتصل حيث تصل عقوبة المعتدي إلى الحبس 20 عاماً ، وفي حال تجاوز عمر القاصر سن الثانية عشر تصل العقوبة حتى 12 عاماً  ،  ويعاقب المعتدي بالعقوبات التي ذكرناها إذا تجاوز عمره السن القانوني وهو 18 عاماً ، أما في حال كان عمره بين 15 و 18 عاماً يعاقب بنصف العقوبة ".

وتابع " بسبب بشاعة جريمة اغتصاب قاصر من المجدي تشديد العقوبة على البالغ السن القانوني ( 18 عاماً ) إلى الإعدام ، أما الحدث بين 15 – 18 عاماً فلا يجب تخفيض العقوبة عليه خاصة في هذه النوعية من الجرائم المقززة ومن المجدي تشديد العقوبة لتكون كعقوبة البالغ خصوصاً مع ازدياد حالات الاعتداء الجنسي " .

وختم بالقول " الرأي العام في الشارع السوري يطالب بإصدار حكم الإعدام بحق كل من يغتصب طفلاً سواء كان قاصراً أو بالغاً وأظن بأن هذه المطالب أمر يستحق تعديل القانون لأجله ".

وطالب عدد كبير من قراء عكس السير برفع عقوبة الشخص الذي يقدم على الاعتداء على الأطفال جنسياً  إلى الإعدام وذلك ضمن آرائهم في زاوية " مع أو ضد " التفاعلية ، والتي طرحت فيها فكرة رفع العقوبة إلى الإعدام .

يذكر أن سوريا صادقت على اتفاقية حقوق الطفل عام  1993، و انضمّت سوريا في عام 2002 للبروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل، والمتعلق ببيع الأطفال واستغلالهم في المواد الإباحية، وفي عام 2005 أطلقت سوريا خطة وطنية لحماية الطفل شارك في إعدادها جهات حكومية وأهلية، وكان من أهم البنود الواردة فيها" إحداث مراكز إيواء لحماية الأسرة، وإيجاد ما يسمى بالخط الساخن، يمكّن الطفل من التبليغ في حال تعرضه لأي شكل من أشكال العنف " ، إلا أن أياً من هذه البنود لم ينفذ حتى الآن .

ويتقاطع المجتمع السوري مع سائر المجتمعات العربية التي تعتبر الكشف عن حالات العنف الجنسي " محرم لا يجب الكشف عنه " لذلك لا توجد إحصاءات دقيقة يمكن من خلالها تصنيف الدول العربية  من حيث حالات العنف الجنسي ضد الأطفال ، إلا أن دراسات فردية وأبحاث عملت على جمع البيانات في بعض دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا اعتبرت أن المغرب تأتي في مقدمة الدول العربية من حيث حالات العنف الجنسي التي تتجاوز الـ 40% ، تتلوها الجزائر و الأردن ومن ثم السعودية .

وتبقى الحلول الفردية " غير مجدية " بحسب رأي جميع من التقاهم عكس السير أثناء إعداد هذا التحقيق ، حيث تقاطعت جميع الآراء حول ضرورة تحرك حكومي يعمل على جمع البيانات الحقيقة ومن ثم تحليلها لتنتهي إلى إيجاد الحلول العلاجية والوقائية لمرض اجتماعي يتزايد و يتنامى يوما بعد يوم .

علاء حلبي –  محمد حماد - عكس السير


*  التعزير :  هو العقوبة المشروعة بغرض التأديب على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة، أو فيها حد، لكن لم تتوفر شروط تنفيذه، كالقذف بغير الزنا، وكالمباشرة في غير الفرج، وغير ذلك، فلا يقوم بتعزير المذنب إلا الحاكم أو السيد الذي يعزر رقيقه، أو الزوج الذي يعزر زوجته، والمعلم في تأديب الصبيان، والأب في تأديب ولده الصغير. والتعزير حق لولى الأمر أو نائبه.


التعليقات :
صبحي الرفاعي
(0)   (0)
أول شي مرحبا على الكل بس بحب أقول لتالا والحلبية مو بس البنات كمان الأطفال الذكور كمان بخطر بس مو هون المشكلة المشكلة هي منا وفينا ومن الأسرة بشكل كبير ويا ريت نخصص وقت لأخوتنا كوننا أكبر أو اذا كنا متزوجين لأبنائنا بس وين الفضا مو هيك نحنا من أووووول
lolo
(0)   (0)
طيب مو شاطرين غير باللعي يلا شو ناطرين بلشو حطو قرارات وقوانين تردع أي حدا ممكن يفكر يشتغل هالشغل القذر ..........عنجد حاج حكي وبلشو حطو قوانين ونفذوها لأني متل مو شايفة انو ما حدا عم يردون لهلمجرمين وكل مالون عزيادة والعقوبات مو كافية لحتا تمنعون من هالشي اللي عم يعملو
fofo
(0)   (0)
انا ارى انها مشكله خطيره وتحتاج الى دعم حقيقي وانا ارى انها لم تلقى بعد الدعم الذي تستحقه والان بدات تزداد وانا في نظري انا السبب هو ضعف الوازع الديني وايضا تساهل الدول والحكومه بشكل خاص في انزال العقوبات في المجتمعات الاسلاميه بالاخص 0
انا
(0)   (0)
العبرة ان المجتمع العربي يغض البصر عن المهم الا وهو الانسان المقهور المكبوت الهارب من وطنه الى حرائق المنفى الداخلي والخارجي اعدام اخصاء خازوق للاسف نتكلم لغة المجرمين ذاتها
أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

مقالات أخرى من " ماشيين غلط "

11-3-2015
مستشار القائد العام للحرس الثوري : قادتنا العسكريون حرروا 85 % من الأراضي السورية
قال مستشار القائد العام للحرس الثوري الإيراني، اللواء حسين همداني، إن "القادة العسكريين الإيرانيين قد حرروا 85% من ...


11-3-2015
السلطات قامت بتصفية مجموعات عائدة إلى البلاد .. الحزب الشيوعي يكشف عن صينيين يقاتلون في صفوف " داعش "
أفاد أمين عام "الحزب الشيوعي الصيني" في منطقة شينغيانغ غرب الصين بأن متطرفين صينيين انضموا إلى تنظيم "داعش"، ...


11-3-2015
تهريب أسلحة و كوكايين .. السجن 16 عاماً في نيويورك لنجل رئيس " سورينام " بتهمة مساعدة حزب الله
حكمت محكمة في نيويورك الثلاثاء على نجل رئيس سورينام بالسجن لأكثر من 16 عاما بتهمة محاولة تقديم الدعم ...


10-3-2015
محكمة فرنسية تحكم بالسجن 3 سنوات على رجل ساعد فتاة أرادت الذهاب إلى سوريا للانضمام إلى " داعش "
 اصدرت محكمة باريسية الثلاثاء حكما على رجل بالسجن ثلاث سنوات لانه ساعد فتاة في الرابعة عشرة من عمرها ...


10-3-2015
مع تدهور الأوضاع الأمنية في الداخل اللبناني .. الشرق الأوسط : " حزب الله " بين المعركة و الحل السياسي في سوريا
لا يبدو «حزب الله» المنهمك حاليا بمعارك سوريا وخصوصا تلك المحتدمة على الجبهة الجنوبية وبالتحديد في مثلث القنيطرة ...


10-3-2015
الشبكة السورية لحقوق الإنسان : طائرات التحالف تسببت بمقتل أكثر من 100 مدني في سوريا
  أفادت الشبكة السورية لحقوق الإنسان، أن قصف قوات التحالف الدولي على تنظيم داعش، ضد مواقع التنظيم ومواقع أخرى ...


9-3-2015
مستشار الرئيس الإيراني : عدنا " إمبراطورية " كما كنا .. و عاصمتنا الآن هي بغداد
قال علي يونسي، مستشار الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إن "إيران اليوم أصبحت امبراطورية كما كانت عبر التاريخ وعاصمتها ...


9-3-2015
صحيفة : دمشق القديمة تتحول لـ " مربع أمني " لحزب الله
  بعد تفجير حافلة تقل شيعة لبنانيين بالكلاسة بالقرب من سوق الحميدية وسط دمشق مطلع شهر شباط الماضي، بات ...