يتولى قادة متشددون وشيوخ عراقيون وعرب في تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الإدارة الكاملة لمدينة الرقة في شمال شرقي سورية، معقل التنظيم و «عاصمة» دولته التي يسعى لإقامتها في سورية والعراق.
ويحكم التنظيم الجهادي الذي سيطر على مناطق واسعة في شمال العراق خلال الأيام الماضية، الرقة بيد من حديد، ويفرض فيها قوانينه المتشددة وتطبيقه الصارم للشريعة الإسلامية، وغالباً ما ينفذ عمليات خطف وإعدامات واعتقالات واسعة.
والرقة هي مركز المحافظة الوحيد خارج سيطرة نظام الأسد. وبعدما سيطر مقاتلون معارضون عليها في آذار (مارس) 2013، تمدد تنظيم «داعش» فيها تدريجياً، وطرد كل مقاتلي التشكيلات الأخرى، ولجأ إلى الإعدامات والاعتقالات في حق كل من يخالف أوامره.
وعلى رأس التنظيم في الرقة، يتولى المسؤولية قادة وشيوخ من أصول عراقية وتونسية وعربية، في حين يتولى عناصر مصريون وأوروبيون وشيشانيون وسوريون المراتب الأدنى.
ويقول عمر الهويدي، وهو باحث سوري من الرقة، لوكالة «فرانس برس»، إن التنظيم «أقام في الرقة مكاتب متخصصة بكل شيء: الصحة، التعليم، الأمن، الإغاثة الإسلامية، إدارة العلاقات العشائرية، وحتى «سفارة» لولاية حلب» شمال البلاد.
ويضيف هذا الخبير الذي غادر إلى تركيا بفعل ممارسات التنظيم: «حينما وصل الجهاديون في بادئ الأمر إلى محافظة الرقة في العام 2012، لم يتجاوز عددهم العشرة أو الخمسة عشر شخصاً. حالياً تسيطر «الدولة الإسلامية» على كل أوجه الحياة في الرقة».
ويستمد «داعش» جذوره من «دولة العراق الإسلامية» بزعامة أبو بكر البغدادي، الذي أعلن في العام 2013 إنشاء «الدولة الإسلامية في العراق والشام» عبر دمج تنظيمه مع «جبهة النصرة» التي كانت تقاتل ضد النظام السوري. إلا أن «النصرة» تبرأت من الدمج وبايعت زعيم تنظيم «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي دعا بدوره كلاً من التنظيمين إلى القتال في ميدانه، مؤكداً أن «النصرة» هي الفرع السوري لـ «القاعدة».
ويقول الهويدي إن الفارق بين التنظيمين «هو أن النصرة ترجئ تطبيق الحدود الشرعية (القوانين) الى ما بعد سقوط النظام السوري، في حين أن «داعش» شرع في ذلك»، في إشارة إلى تنفيذ أحكام بقطع يد السارقين أو إعدام المتهمين بارتكاب جرائم قتل. ويرى أن السيطرة الميدانية تعد أساسية بالنسبة إلى «داعش» التي يرفع مؤيدوها شعار «الدولة الإسلامية باقية وتتمدد».
وفي حين يحافظ التنظيم على سرية هيكليته، بات الناشطون على دراية بطريقة عمله. ويتولى قيادة «الدولة الإسلامية» في الرقة «أمير» كنيته «أبو لقمان»، ويوصف بانه شخص شديد الذكاء وبلا رحمة، وتحيط به مجموعة من غير السوريين، غالبيتهم عراقيون وعرب. ويقول ناشطون إن هذه المجموعة هي صاحبة الكلمة الفصل في اتخاذ القرارات.
ويوضح ناشط يقدم نفسه باسم «أبو إبراهيم»، إن كبار شيوخ «داعش» في الرقة هم عراقيون وعرب وتونسيون. ويضيف: «يتبنون أيديولوجية تنظيم القاعدة ويروجون لها، ويؤمون صلاة الجمعة ويلقون خطباً تتطرق إلى قضايا دينية عامة، وراهناً عن سيطرة «داعش» على الموصل» ثاني كبرى مدن العراق. في المقابل، يتولى عناصر التنظيم إدارة «الشؤون اليومية» في المدينة.
ويشير ناشط يقدم نفسه باسم مستعار هو هادي سلامة، إلى أن من بين قيادات التنظيم في الرقة عناصر من الجيش العراقي الذي حلته الولايات المتحدة اثر اجتياحها العراق في العام 2003. ويضيف: «تعتمد طريقة اختيار القيادات على عوامل عدة، منها إذا ما أمضوا وقتاً في سجون النظام السوري أو أنظمة عربية أخرى، أو الولايات المتحدة، أو في العراق أو معتقل غوانتانامو». ويعتقد أن زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي، درس الشريعة الإسلامية في مسقطه العراق، وأمضى أربعة أعوام في مركز احتجاز أميركي.
ويقول أيمن جواد التميمي، وهو أستاذ جامعي وباحث في شؤون الحركات الإسلامية، إن ما يعرف عن البغدادي قليل، وإن «شح هذه المعلومات عنه عزز هالته الشخصية».
وتنتشر على موقع «يوتيوب» الأشرطة المصورة الدعائية للتنظيم، إضافة إلى أناشيد تتوجه إلى «المجاهدين» تدعوهم إلى «مبايعة» البغدادي.وانضم آلاف السوريين، غالبيتهم من غير المتعلمين، إلى صفوف «داعش» الذي يرون فيه تنظيماً شديد التنظيم، في مقابل «الجيش السوري الحر» الذي يعاني تضعضعاً في صفوفه.
ويشكل التمويل والتسليح اللذان يحظى بهما «داعش»، عوامل جذب للمقاتلين. وفي المعارك النادرة التي قاتلت فيها «الدولة الإسلامية» إلى جانب مقاتلي المعارضة السورية، غنم مقاتلو التنظيم الجهادي كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة من القوات النظامية. كما استولى هؤلاء المقاتلون في الأيام الماضية على أسلحة متنوعة من المقرات التي أخلاها الجنود العراقيون، ومنها عربات نقل أميركية الصنع، قاموا بنقلها عبر الحدود العراقية- السورية إلى الرقة.
وتسيطر «الدولة الإسلامية» كذلك على حقول استراتيجية للنفط والغاز في محافظة دير الزور في شرق سورية، وتفرض نظام «الجزية» في المناطق التي تسيطر عليها. ويقول سلامة إن التنظيم «يسدد رواتب مقاتليه بالدولار الأميركي». ويصف الناشطون الحياة في الرقة في ظل حكم «الدولة الإسلامية»، بأنها «صعبة جداً»، لا سيما في ظل القوانين الصارمة التي تمنع الموسيقى والتدخين وغيرها من «الممارسات».
ويوضح سلامة أن «المقاتلين الأجانب الذين يصابون في المعارك، يحظون بأولوية العلاج في المستشفيات. أما السوريون، وحتى الأطفال منهم، فيحظون بمعاملة من الدرجة الثانية». ولا يملك سكان الرقة في الوقت الراهن سوى التأقلم مع سطوة «داعش».
ويقول الهويدي المقيم حاليا في تركيا: «بايعت غالبية رموز العشائر وأفرادها «الدولة الإسلامية» بدافع الخوف أكثر من الاقتناع». ويضيف سلامة: «أكره داعش، لكن علي أن أقر بأنهم منظمون في شكل مخيف، وأحترم هذا الأمر لديهم». يتابع: «عليك أن تحترم عدوك لتعرف كيف تحاربه».
عكس السير