لا تجرحوا الديكتاتور !

«نحن لدينا رئيس. ونعرف أنه ديكتاتور. وأنه يخطط لتوريث ابنه. وأنه وضعه على رأس الحرس الجمهوري والقوات الخاصة. ونعرف أنه محاط بمستشارين متملقين. وأن حاشيته تعجّ بالفاسدين. وأن عائلته تعوم على الدولارات. وأن ضباطه نهبوا المناجم في دولة مجاورة حين أرسلوا بذريعة إنقاذها. وعلى رغم كل ذلك نأمل بألا نغامر ببلدنا كما غامرتم أنتم ببلدانكم».

لم أكن أتوقع أن يعرضني نزولي إلى قاعة الرياضة في الفندق في برلين إلى درس يتعلق بالشعوب وحكامها. يبدو أن جاري الإفريقي ضجر قليلاً فسألني من أين أنا. وحين اعترفت اقترح أن نتناول القهوة بعد انتهاء التمرينات وهذا ما حصل.

قال إنه يتألم حين يرى على الشاشات المشاهد الوافدة من العراق وسورية وليبيا واليمن. لاحظ أن إعادة إعمار كل هذه البلدان لن تكون سهلة على الإطلاق. وتخّوف من أن تؤدّي الأهوال الشائعة إلى التأسيس لأمواج مقبلة من الإرهاب حتى ولو تمّ دحر الإرهابيين الحاليين.

قرّر رجل الأعمال الأوغندي استكمال الدرس الذي كان بدأه بالحديث عن بلاده قال: «نتوهّم أحياناً أن بلداننا جاهزة للديموقراطية ولا ندرك الفارق بينها وبين السويد أو بريطانيا أو النمسا. نتجاهل ذلك التراكم من التطورات السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية التي أتاحت لأوروبا أن تعيش في ظل الديموقراطية وتداول السلطة واحترام حقوق الإنسان. هذه بلدان تقطف ثمار ما عاشته يوم كنا نغطّ في نوم عميق».

وأضاف: «أعرف أننا نعيش في عالم صنعه الآخرون. نحن لم نصنع طائرة أو ثلاجة أو حبة دواء. وليست لدينا مدرسة عصرية أو جامعة محترمة. لا قداسة لدينا للدستور. ولا نحبّ العيش في ظلّ حكم القانون. نحن أبناء قبيلتنا ومنطقتنا وطائفتنا ولا علاقة فعلية تربطنا بمفهوم المواطنة. لسنا جاهزين للانتخابات الحرة. المواطن لدينا يبيع صوته يوم الاقتراع بكيس طحين أو مسدس أو حفنة من الدولارات. ما نحتاجه ليس الانتخابات».

وزاد: «منذ 1986 لدينا زعيم واحد اسمه يووري موسيفيني تحوّل مع الوقت رئيساً منتخباً وديكتاتوراً كاملاً. أخذ من البلد أشياء كثيرة لكنه أعطانا الاستقرار. أظنّك تعرف ما عشناه في أيام عيدي أمين ومن بعده ميلتون أوبوتي. الديكتاتور وظيفة تدوم إلى الأبد. لن يغادر القصر إلاّ إلى القبر. وغالباً ما يعتقد بأن لا أحد يستحقّ أن يؤتمن على البلاد بعده إلاّ نجله. الديكتاتور ليس موظفاً لتقول له إن ولايته انتهت وإن عليه أن يذهب للعيش في النسيان مع التجاعيد المتسارعة والسعال المتكرّر والمرارات. الديكتاتور لا يذهب وحده. إذا أرغمته على المغادرة يأخذ البلد معه إلى الجحيم».

وقال: «الديكتاتور يعتبر البلاد وشعبها من أملاكه الشخصية. إذا طالبته بمغادرة الحكم يعتبر أنك تعتدي على أملاكه. يحيلها رماداً ولا يتنازل عنها. لو طالبنا موسيفيني بالرحيل اليوم لجرحنا هالته وكرامته وصورته أمام أنصاره والتاريخ. سينزل بنا عقاباً فظيعاً. سيقتلع أعمدة البلاد. أنا أفضّل أن لا نهدّد وجوده. وأن نستخدم ثورة الاتصالات لمطالبته بمدارس أفضل وجامعات أفضل وفرص عمل ومياه صالحة للشرب وشيء من خفض منسوب الفساد. الاستقرار هو الأساس وحين تخسره تخسر كل شيء. بفضل الاستقرار نتمتع حالياً بقدر من الازدهار. الاستقرار هو المفتاح. ومع الوقت ينشأ جيل جديد ويهرم الديكتاتور وتهرم حاشيته وتسقط الثمرة من فرط تهرّؤها».

وتابع: «إذا خلعت الديكتاتور قبل نضوج المجتمع يأتيك ديكتاتور آخر وحاشية جديدة شرهة تريد التهام ما تبقّى من البلاد. لهذا أقول للمتحمسين من أبنائنا: لا تزعجوا الديكتاتور ولا تجرحوه. ما فائدة الفرار من ظالم إذا كان الظلام خليفته الوحيد؟ مجتمعاتنا ليست ناضجة بعد لا للثورات ولا للديموقراطية».

تجرّعت الحكمة الإفريقية مع فنجان القهوة. وقلت لن أشربَ السمّ وحدي ومن يدري فقد يستسيغه القارئ.

غسان شربل – الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫17 تعليقات

  1. لا حبيبي غلطان….هاي حكمة “تاجر” افريقي
    الديمقراطية يللي يتغنى فيها الغرب جائت بعد حروب وثورات وصبر…وماجائت بتقبيل الأيادي….
    كلما تركت الديكتاتور كلما اذداد العمق وغلا الثمن…
    واذا تستخدم التواصل الاجتماعي لتحسين المدارس اليوم…ستستخدمها غدا لطلب الخبز من ابنه

  2. بس بدك مين يفهم من هالشعوب العربية..السوريين تحديداً..عرفوا على مين يعملوا ثورة..على نظام خلا البلد تستقر أكتر من 40 سنة..وكان معيشعم عيشة ما بيحلم فيها مواطن بأي دولة عربية تانية يمكن عدا بعض دول الخليج..كلشي رخيص..كل الدول بتجي لتشتري البضائع من عنا..السياحة مزدهرة..الصناعات على مستوى ووصلت للسيارات والأدوية والمكيفات وكلشي..وتحسن دخل المواطن..وكان الكل يحترمه بكل دول العالم..أجو هالأغبياء الحاقدين على بلدنا وتعاونوا مع أغبياء شعبنا والطامعين بالمصاري وباعوا بلدهم بشوية مصاري ونزلوا فيها لحتى صارت كومة رماد ودم وجثث..ولسا عم يحاولوا يدمروا يلي ما تدمر..الله يجعر تدميرهم في تدبيرهم وينتقم منهم شر انتقام يا عزيز يا جبار

    1. ههههههههههههههه لا معارض خاين لبلدو طاهر..ولا دعاؤه مستجاب..ادعوا لتشبعوا..ونحنا كمان رح ندعي..ألله ياخد كل واحد باع بلدو وخان وطنو يا خونة

  3. الكلام فيه شيء من المنطقية مع فارق بسيط أن للحرية ثمن دفعتوا أوروبا قبلنا ورح ندفعوا نحن.. يعني مافي شي اسمو تأسس جيل بعدين تقترح عليهن الديمقراطية لأ.. بالأول بتصير حروب أهلية بين ناس محسبين حالن فهمانين الحرية على انها في مجتمع محافظ مارس الجنس مع أي بنت وكون انت القانون وشيل سلاح واطلق النار بحرية على اي شخص كان واسرق اي سيارة حكومية وحط عليه رشاشات مشان تجيب الحرية وبالاخير اهرب على اوروبا وخلي الي سبقك على اوروبا هروب من الحرب يرجع بعد ما اخد ثقافة ويرجع يعيد بناء هالوطن وانت يلي مارست حريتك الي مانك فهمانا روح على اوروبا مارس الدعارة وتجارة المخدرات وخليك بالسجن. هيك بتوقع تصير الديمقراطية، ولا حدا يجي يزاود ويقول طيب والأسد وشو عمل،، ما زال أنت بدك تصير أحسن من الأسد ومخابراتو ليش عم تتصرف متلو،،

  4. هذا الكلام صحيح و لكن في الحالة السورية الأمر يتعدى الدكتاتورية . إنها الطائفية التي تجعل السكوت جريمة بحق الأجيال القادمة . إيرن بدأت قبل الثورة السورية بمحاولات تشييع المجتمع و شراء الأراضي و تجنيس الإيرانيين و العراقيين من غجل إحداث تغيير ديمغرافي على المدى البعيد… الثورة السورية ليست مجرد تطلع للحرية السياسية… و الدليل أن الجميع وقف مع النظام او اضعف الإيمان على الحياد ما عدا العرب السنة.

  5. حكمة الأوغندي مغلوطة تماماً فلو سكتنا على الأهبلوف 40 سنة أخرى فهل كنا سنصبح سويسرا في السنة 41 ولو سكت العراقيون على المالكي 40سنة أيضاً فهل كان سيحل الرخاء والبحبوحة عليهم في السنة 41؟ المالكي والنظام الطائفي سرق ترليون دولار أي ألف مليار دولار في غضون 13 سنة فهل كانوا سيتوقفون عن السرقة بعد أن تنتهي 40سنة ؟ الأهبلوف وأبيه المقبور عدا عما سرقاه من مال فقد فشلا في تأمين أبسط الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء مثلاً طيلة 50 عاما فهل كان سيتحقق ذلك في عهد الأهبلوف في العام 51 ؟ لقد أخذ الطغاة أكثر من فرصتهم وبقوا في الحكم أكثر مما يجب بحيث أصبح رحيلهم مكلفاً جداً بسبب شبكات الفساد المتشعبة الحامية لهم والمحيطة بكراسيهم والخطأ الأكبر هو الانتظار على الطاغية خوفا من دمار البلاد لأن الدمار هو القاسم المشترك للطغاة سواء ببقائهم عبر نهبهم وإفسادهم أو برحيلهم إذاً فالأفضل الإسراع برحيلهم مهما كلف الثمن عسى الأجيال القادمة تستطيع إعادة الإعمار ولايقول لي أحد بأننا سنستبدل طاغية بطاغية آخر في سوريا فأقول لا لن يحصل ذلك أبداً لأننا دفعنا كشعب ولأول مرة في تاريخنا منذ أيام الفينيقيين والآراميين مروراً بكل من مر على سوريا وحكمها ثمن انعتاقنا من عبوديتنا لحكامنا غالياً جداً من دمائنا ولن نقبل لأي آفاق جديد بأن يلبسنا طوق عبودية آخر تحت أي شعار أو مسمى كاذب مهما كان شعاره براقاً ولن نقبل بغير الحرية الكاملة التي تليق ببني البشر.

    1. لو بس حدا يسأل اش منقبل واش لأ كان كتير امور مختلفة يا روحي. بس منطق الحياة هيك مصالح وتحالفات حتى لو انتخاباتنا متل امريكا التحالفات والمصالح والرشاوي هي اللي بتحصل الترشيح وبتحصل الاصوات مثال ذلك هو هيلاري كلينتون. وبكل الاحوال السياسة نفسا نفسا ما رح تتغير ومطبوخة سلف

  6. في سورية جربنا الامر مع تلابن قام ورث الابن و لم تسقط الثمرة

  7. لا يوجد شيء اسمه ديمقراطية . اصل الديمقراطية من اليونان وفي اليونان الديمقراطية كانت تعني انو فقط الرجال من اصل مدني وفوق 18 سنة بيتناقشو بأمور الدولة ولا يحق للنساء ولا للعبيد اللي بيشكلو نصف اكتر من نصف المجتمع انو يشاركو بأي عملية. واليوم الديمقراطية رفاهية بيقدرو امريكا وبعض الدول الاوربية الحصول عليها بسبب انو مستحوزين عالنفط وفي دخل عالي للفرد بس سياسة الدولة بتطلع من مكاتب صغيرة والمواطن يادوبه يلحق شغله ومهمته يروح يمثل مسرحية الانتخابات كل فترة. باقي الدول الاوربية اللي ما بتقدر توفر دخل عالي متل اسبانيا واليونان بيشحدو وبيضبو تمن وبيسكتو واش بيقول الاتحاد الاوربي بيعملو. بقا لا حدا يقول ديمقراطية. نحنا ما بتظبط معنا . نحنا بيظبط معنا مجلس شورى لكبارية البلد هيك احسن شي. بس بكل الاحوال رح تحكمه المصالح والتحالفات متل كل العالم

  8. أحيل هذا الافريقي الى كوريا الشمالية.. ليعرف الجواب ، اما ببلدو كانوا ع الغلو مولو وحفاة وعايشين مع الحيوانات وصار عندهم شوية مدنية وتطور طار عئلهن ، سوريا في الخمسينيات من القرن الماضي وقبل ان يأتي الهمج النصيرية للحكم ، زار دمشق الرئيس مهاتير محمد وشاهد العمران والنظافة والتنظيم وأعجب بها لدرجة انه قال سأجعل سنغفورا متل دمشق ، فرق كبير بين ان يأتي ديكتاتور ويخرج شعبه من المغاور ، ويأتي ديكتاتور كا لنصيري الفاطس ويعود بالبلاد عشرات السنين بالفساد والقمع والسجون والطائفية والتخلف بكافة المستويات وتوريث الحكم وصولا لتدميره وقتل شعبه ، هذا هو السكوت على الديكتاتور الجحش هيك النتيجة بتكون..

    1. احييك اخي ضياء هاد الحكي الصح و بحب اقول لكل واحد شايف انو نحن ما بتلبقلنا الحرية شوف اش كنا قبل ما يجينا هالابن الحرام و بعدين احكي