لن يغيّروا حرفاً من كتاب الأسد

يستشري، عربياً، مرض التسليم بالمواقف السياسية لهذه الدولة أو تلك لبناء استنتاجاتٍ سريعةٍ تتجاوز الجوهر الأساس للنزاع. من ذلك الضجة التي أحدثها تصريح رئيس وزراء تركيا بن علي يلدريم عن بقاء بشار الأسد في السلطة لفترة وشراكته في المرحلة الانتقالية، وهو تصريحٌ تَوّج جملة الاستدارات الترميمية التي بدأتْها تركيا قبل الانقلاب الفاشل وتابَعتْها.

والمرض العربي لا يقف عند حدٍّ واحدٍ بل يتغلغل في كل الحدود، فإذا قالتْ تركيا إن لا مكان للأسد لا في السلطة ولا في المرحلة الانتقالية يتمّ التسليم أيضاً بذلك كمادةِ استنتاجٍ، لا بل تصبح تركيا رأس حربةٍ في مشروع إسقاط الأسد ويصبح الشأن التركي الداخلي تالياً جزءاً من هموم المُواطن العربي الخائف على أيّ تغييرٍ يُضعِف صلابة الأتراك تجاه قضية عادلة.

الثورة السورية ثورة شعبٍ على نظامٍ يَعتبر الأرض ومَن عليها مزرعة خاصة له يحميها داخلياً بكل أنواع القمع والتنكيل، ويحميها خارجياً بوظيفةٍ مكشوفة ومعروفة تقتضي التمدُّد لـ “كمْش” الأوراق مع الحليف الاستراتيجي إيران ثم التفاوض على الأرباح لا على رأس المال، أما إسرائيل فكانت في صلب الاستخدام القهري للسوريين أداةً لمصادرة الحياة العامة والحريات بحجة أن لا صوت يعلو فوق صوت معركةٍ… وهمية.

قلّة قليلة في الثورة السورية قرأتْ بعينيْن واضحتيْن خطة الأسد والإيرانيين لـ “شيْطنة” الثورة وتحويلها الى “جماعاتٍ متطرفة”. قلّة من مختلف المناطق والطوائف تمّ عزْلها لاحقاً بفعل المتغيّرات على الأرض، والتخبّط الخارجي في إدارة ملفٍ بهذا الحجم، ونقْص الخبرة وغياب التجربة السياسية. خرجتْ “القاعدة” و”داعش” من رحم ثلاث مناطق تسيطر عليها أنظمةٌ تسيطر عليها إيران. سجون عراق المالكي، وسجون سورية الأسد، وسجون المكلا وعدن وصنعاء تحت سيطرة الحوثيين. عشرات آلاف الكوادر عادتْ للعمل ففرّختْ وتوسّعتْ واستقبلتْ قوافل المهاجرين من كل أنحاء العالم. بقي مَن اتخذ القرار مركزياً في إيجاد أرضٍ لدويلات “المجاهدين” ثم ترَك لهم إدارتها بلا مركزية مطلقة لاستقطاب العالم ومخاوفه… اختلطتْ الأوراق وصارتْ كل سكّينة “داعشية” تَذبح غربياً او عربياً او سورياً وكل عملية في العالم ممراً لمزيد من الانفتاح “الأمني” على الأسد.

فعلتْ ورقة المتطرّفين فعْلها. وصل الروسي من بوّابة أوكرانيا بحججٍ مختلفة مثلما فعل الإيرانيون سابقاً، ووصل الاميركي بخجلٍ من خلف الرداء الروسي وتحت سقف التدخل الدولي. بقي الأسد مشكلة في خطابات قادة العالم، لكن “داعش” مشكلة أكبر. واذا لم تكن عمليات “داعش” داخل تركيا فاعلة في تغيير موقفها، فورقة الأكراد جاهزة لليوم الأسْود، وخصوصاً بعد تحضير المسرح لهم بشكل جيّد وسماح النظام السوري بتسليحهم غربياً والتنسيق الميداني معهم. هؤلاء لا ينتحرون مجاناً أو بشكل شبه مجّاني كما يفعل أتباع “داعش”، بل يقاتلون من أجل دولةٍ إذا ما قامت في أيّ مكانٍ داخل المربّع الإيراني السوري التركي العراقي فإنها تخلخل أضلاعه.

أعادت تركيا تموْضعها سياسياً داخل المثلث الذي يجمعها بإيران وروسيا، وبدأتْ تحت ستار البراغماتية تطلق إشاراتٍ الى أعداء الأمس الذين التقطوها وردّوا التحية بمثلها في الحسكة. عاد الجميع الى “الحلّ السياسي”، وهو عنوانٌ مطّاط مضمونه الفعلي ترْك السوريين للمذبحة. إعجاب أنصار الأسد وحتى بعض أعدائه بقدرته على استخدام الأوراق لتحويل الثورة الى ما صارتْ عليه اليوم ولتغيير مواقف دولٍ إقليمية وعالمية، هو إعجابٌ حقير أقرب الى الشراكة منه الى إبداء رأي. إعجابٌ بقاتلٍ تَباهى أمام وسائل الإعلام بجرائمه ومجازره وبراميله وترَك للعالم “فخر” المحاولة لإخفاء ما أمكن من أدلّة… بما فيها الكيماوية.

استدارة الأتراك سواء بقيتْ “هلالاً” او اكتمل قمرها، وخُبْث الكرملين، وهيْمنة إيران، وتواطؤ البيت الأبيض، والتجاهل العربي، ومعارك حزب الله، وعصائب أهل الحق، والحشد الشعبي، وشراذم الأفغان، وشبيحة النظام السوري، وظلم ذوي القربى… لا تُغيِّر، ولن تُغيِّر، من كتاب الأسد الإجرامي حرفاً، ودماء شهداء سورية ستنتصر حتماً على سيْفه.

علي الرز – الرأي الكويتية

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫9 تعليقات

  1. ما بيننا و بين عشيرة الأسد أكبر من الرؤساء و تصريحاتهم الدبلوماسية، بينا و بينهم دماء اطفالنا و بقايا تراب بيوتنا و هذه ستقلع من اجلها عيونهم.

  2. استطيع ان اقول انك اجدت وتكلمت باسمنا كما لو ان كل سوري كتب هذا المقال

  3. اتمنى من صميم قلبي تصديق اخر سطر في هذة المقالة…
    و لكن الحقيقة طالما كانت بعيدة عن الاحلام الوردية!

  4. بشار اسد ساقط شعبيا وليس بحاجة الدول الخارجية للتعبير عن ان بشار اسد سيسقط سياسيا او عسكريا…

  5. سننتصر بإذن الله على ذيل الكلب وداعميه في النهاية ولكن ألا يجدر بالأخوة العرب مساعدتنا بحق سواء دبلوماسيا أو عسكريا أو ماليا أو إنسانيا أو طبيا أو إعلاميا …..الخ كي ننتصر بأقصر وقت وأقل تكلفة؟ وعندما نطلب المساعدة فنحن لانطلب أكثر مما قدمته إيران للأهبلوف أو ليس هذا عدلا؟ لقد قلنا لكم ستؤكلون يوم أؤكل الثور الأبيض والعرب انبسطوا لأن الثور الأبيض كان لحمه علقما مرا فتركوه لوحده يصارع وحوش العصر وهم مطمئنون فهل هذه هي شهامة ومروؤة العرب؟ ولكن يبدو أنكم كما قال الشاعر فيكم :
    رب وامعتصماه انطــلقت……. ملْ أفواه الصـــــبايا اليتم
    لامست أسماعهم لكنهــا…….. لم تلامس نخوة المعتصم

  6. سنعلق آل الأسد على المشانق و نعذب بشار عذاباً لم يره أحد قبل نحره عندها سيستيقظ العالم الظالم على انتقامنا

  7. لتسأل حالك أيها السوري هل أنت طائفي !! هل العرب طائفيون وحثالة ؟؟ السؤال هو هل أنت مع ثورة الشعب السوري لنيل حريته ضد طاغية سورياولكنك ضد ثورة شعب البحرين على طاغية البحرين ؟؟ لاتختبئ خلف إصبعك جوابك سيخبرك إذ كنت حرّ أو طائفي حثالة !!.. حرية الشعوب أبدية .. الحرية لسوريا والبحرين وكل الشعوب المقهورة .