إعلانات
لماذا خفف نصرالله لهجته ؟
الخميس - 19 شباط - 2015 - 2:24 بتوقيت دمشق
التفاصيل


منذ تدخله في الحرب السورية الى جانب نظام بشار الاسد، اعتمد «حزب الله» لغة تحدّ لكل الذين عارضوا تورطه في النزاع وتوريطه لبنان، واعتمد أمينه العام في خطاباته لهجة تحريضية عالية لتأجيج المشاعر في بيئته الحاضنة (طائفته) وبعض لفيفها، اولاً لإزالة أي لبس حول التزامه القرار الايراني بالتدخل دفاعاً عن الحليف السوري، وثانياً لإقناع المترددين من حوله بصواب ما يقوم به، وثالثاً لإسكات تساؤلات أهالي القتلى والجرحى عن جدوى خسائرهم.

لكن خطاب نصرالله الاخير، انتقل من لغة التحدي الى ما يشبه المسايرة، وبدلاً من شعارات التجييش الحماسية، حاول بهدوء اقناع معارضيه بـ «عقلانية» ذهابه الى الحرب في سورية، معللاً ذلك باستحالة فصل لبنان عن التأثر بما يجري في محيطه. وبعدما كان دعا في السابق اللبنانيين المعترضين على سياساته الى ملاقاته في سورية ومقاتلته هناك، قال لهم في خطابه الاخير: تعالوا نواجه معاً خطر «الارهاب» ونقاتل معاً «التكفيريين» على الاراضي السورية والعراقية وغيرها. حتى انه استحضر البعد العربي لهؤلاء عندما قال ان هدف داعش «مكة والمدينة وليس القدس»، كأنه يدعو دول الخليج الى شراكة في الحرب على «داعش» بعدما كان يحمل عليها بعنف ويتهمها بتغطية جماعات التطرف بالمال والسلاح.

فهل هذا مجرد تغيير في اللهجة أم تبدل في المعطيات الميدانية؟ وهل الكلام الهادئ يعني تعديلاً في الحسابات ام انه مجرد مناورة سياسية؟ ولماذا قد ترغب ايران التي يفترض انها تقترب من انجاز «صفقة تاريخية» مع الولايات المتحدة في التهدئة؟ وهل حققت طهران انتصارات في «الساحات» المتعددة المفتوحة التي تغوص فيها أم ان الواقع مختلف عما تحاول الإيحاء به؟

ففي سورية، وعلى رغم الهجوم الواسع الذي يقوده الحزب و»الحرس الثوري» الايراني بمشاركة جيش النظام السوري وطيرانه على جبهة القنيطرة – درعا، إلا ان الانباء عن سير المعارك هناك لا تفيد بأن المهاجمين يحققون تقدماً ذا شأن وبأن المعارضة تتراجع، بل ان حجم الخسائر التي مني بها «التحالف الايراني» (مصادر «الجيش السوري الحر» تتحدث عن مئات القتلى) يؤكد ان المعركة مكلفة جداً وانها ستطول ولن تنتهي على الارجح بما يأمل المخططون لها.

ثم ان هذه المواجهة تندرج في اطار ابرام اتفاق مع الاميركيين حول دور ايران والحزب في ضمان أمن حدود اسرائيل، بدلاً من النظام السوري، ولهذا يبذل الطرفان كل قدرتهما للسيطرة على جبهة الجولان الى جانب جبهة الجنوب اللبناني، اي ان افق المعركة إيراني – أميركي وليس سورياً.

وينسحب ذلك على لبنان، حيث يواجه «حزب الله» على رغم قوته العسكرية وتغلغله في المؤسسات العسكرية والامنية وسيطرته على القرار الحكومي، صعوبة في «ابتلاع» البلد كله، سببها التنوع السياسي الذي يجعل الإجماع مستحيلاً داخل كل طائفة وعلى المستوى الوطني، اضافة الى احتمال اقدام اسرائيل على عمل عسكري بهدف اضعاف الحزب قبل اي اتفاق اميركي - ايراني على دوره.

وفي العراق، حيث يوجه التحالف الدولي ضربات مؤلمة الى متطرفي «داعش»، لم يستطع الجيش العراقي الذي يعاد بناؤه وتسانده ميليشيات شيعية، اثبات قدرته على الارض، إذ مني بهزيمة جديدة امام التنظيم الذي احتل منطقة البغدادي القريبة من اكبر قاعدة عسكرية عراقية ينتشر فيها مدربون اميركيون.

اما في اليمن، البلد الذي يطلق العالم كله تحذيرات من وصوله الى شفير الحرب الاهلية، فالواقع اخطر من ذلك بكثير، لأن هناك عملياً أربع حروب تدور على ارضه، اولها بين «الحوثيين» (الشيعة) التابعين لإيران و»الاخوان المسلمين» (السنّة)، وثانيها بين الشمال والجنوب الذي يتحفز للانفصال، وثالثها بين تنظيم «القاعدة» من جهة والجيشين اليمني والاميركي (غارات الطائرات المسيّرة) من جهة ثانية، والحرب الاخيرة تنخرط فيها القبائل واحزابها ضد فكرة الدولة تجسيداً لعداء تاريخي بينها.

ولعل عجز ايران عن ضبط «الساحات» وفرض الاستقرار فيها، والكلفة المالية العالية التي يتطلبها دعم التابعين والحلفاء وحروبهم، يدفع طهران، وبالتالي «حزب الله»، الى اعادة النظر في التكتيكات واعتماد المناورة والالتفاف وتهدئة الخطاب، لكن من دون تغيير الاهداف، بانتظار تبلور مستقبل العلاقة مع الاميركيين في غضون أسابيع أو أشهر.

حسان حيدر - الحياة


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...