إعلانات
أوباما و نتنياهو : مصالحة نووي طهران مع قنبلة إسرائيل ؟
الجمعة - 20 شباط - 2015 - 13:33 بتوقيت دمشق
التفاصيل


لم يكن أمراً مألوفاً، بل هو تطوّر بالغ الندرة، أن تبادر الحكومة الأمريكية إلى رفع درجة السرّية عن وثيقة داخلية تخصّ البرنامج النووي الإسرائيلي؛ خاصة إذا كانت الوثيقة دراسة أمنية ـ عسكرية، أعدّها فريق متخصص في «معهد التحليلات الدفاعية»، بناء على طلب مساعد وزير الدفاع الأمريكي، وتمّ إنجازها في العام 1987. وليست مفاجأة، بالطبع، أن يكون البيت الأبيض، والرئيس الأمريكي باراك أوباما شخصياً، وراء قرار رفع السرّية عن الوثيقة؛ لكي تكون «هدية استقبال» لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حين سيعتلي منبر الكونغرس الأمريكي، الشهر القادم، بهدف أكبر هو ذمّ سياسات أوباما حول الملفّ النووي الإيراني.

هذه، على نحو ما، حرب نصوص ونصوص مضادة، ليس بين أوباما ونتنياهو، فحسب؛ بل بين البيت الأبيض والجمهوريين، الأغلبية اليوم في الكونغرس، وتحديداً في ضوء قرار رئيس الكونغرس، جون بونر، عدم تسليم البيت الأبيض نسخة من خطبة نتنياهو، مسبقاً، وكما تقتضي الأعراف. الصحافة، الأمريكية والإسرائيلية على حدّ سواء، وجدت مرتعاً خصباً في هذا الصدام غير المسبوق، فسرّبت ما توفّر (والبعض لم يتردد في اختراع الكثير) من الفقرات في خطبة نتنياهو، المكرّسة للهجوم على أوباما شخصياً. ولم يكن ينقص إلا مسارعة البيت الأبيض إلى إعداد «هدية الاستقبال» هذه، لكي تندلع من جديد جولات أخرى في حرب النصوص!

مدهش، أكثر، أنّ الوثيقة، التي رُفع عنها الحظر، تقيم مقارنة غير مباشرة بين برنامج إيران النووي (الخاضع، بدرجات عالية، لرقابة «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»)، والحكومة الإيرانية (الموقعة، رسمياً، على اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية)؛ على نقيض إسرائيل، من حيث رفض الرقابة، ورفض التوقيع، هذا عدا عن لجوء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية إلى «طعن» الحليف الأمريكي في الظهر، وتهريب الموادّ والمعدات اللازمة لتطوير البرنامج النووي، من داخل أمريكا إلى إسرائيل، واختطاف سفينة محمّلة باليورانيوم من عرض البحر، وإيصال معلومات مزورة إلى وكالة الطاقة… طريف، إلى هذا، أن يراقب المرء التبعات القانونية، داخل الكونغرس ذاته، التي ستنجم عن نشر الوثيقة: ثمة قانون، معروف باسم «تعديل سمينغتون»، لعام 1961، يحظر على واشنطن تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية إلى دول منخرطة في برنامج نووي سرّي!

المرء يعود بالذاكرة إلى مثل هذه الأيام، قبل خمس سنوات، حين كانت سارة بيلين، المرشحة الخائبة لمنصب نائب الرئيس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2008، قد ترأست الجوقة المطالبة بقصف إيران؛ ليس باستخدام القاذفات الإسرائيلية كما قد يظنّ البعض، بل عن طريق قيام الولايات المتحدة ذاتها بشنّ حرب رادعة لا تتكفل بتدمير البرنامج النووي الإيراني، فحسب؛ بل تكون كفيلة بردع كامل النفوذ الإيراني في المنطقة، وليس في العراق وحده! يومها لم تكن إيران ترسل بجنرالاتها إلى سوريا، للقتال دفاعاً عن نظام آل الأسد؛ وكان حسن نصر الله، زعيم «حزب الله»، يتمتع بصفة «سيد المقاومة»، وليس كما بلغت به الحال اليوم، على رأس ميليشيا مذهبية تحارب السوريين في حوران وحمص وحلب ودمشق. واليوم، يا للمفارقة، يبدو نتنياهو على وفاق تامّ مع آيات الله في طهران، حول ضرورة الحفاظ على نظام بشار الأسد؛ رغم كلّ الصخب والضجيج والعجيج الإسرائيلي، حول البرنامج النووي الإيراني.

والحال أنّ بيلين كانت تقتفي أثر، أو تقتبس (كما أشارت صراحة) فكرة باتريك بوكانان، المعلّق الجمهوري المحافظ المعروف، الذي كتب عموداً في مجلة The Conservative Observer أوضح فيه أنّ على الجمهوريين، في كلّ مواجهة مع البيت الأبيض، صغيرة أم كبيرة، سياسية أم اقتصادية أم أمنية ـ عسكرية أم تشريعية صرفة، عدم نسيان ورقة الحرب ضدّ إيران. وكتب بوكانان: «الجمهوريون الذين يحصون عدد ما سيفوزون به من مقاعد، يجب أن يتنبهوا إلى أنّ أوباما لديه ورقة كبيرة يستطيع أن يلعبها»؛ فإذا سار في خطّ فرض عقوبات قاسية تشلّ إيران، وبالتالي وضع الولايات المتحدة «على سلّم مواجهة يقود مباشرة إلى الحرب»؛ ثمّ إذا وقعت تلك الحرب، فإنها «سوف تعني نهاية أحلام الحزب الجمهوري في إضافة حفنة من المقاعد إلى مجلس النوّاب ومجلس الشيوخ»! والآن إذْ يرفل الجمهوريون بأثواب الأغلبية، لا مناص أيضاً من استخدام الورقة الإيرانية، معكوسة في الواقع، لأنّ أوباما ليس بصدد قصف البرنامج النويي الإيراني، بل التوصل إلى تسوية مع طهران حول تطويق البرنامج.

قبل بيلين وبوكانان، كان أفيغدور ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل، قد ألقى على العالم درساً في أصول تقدير المخاطر الحقيقية للبرنامج النووي الإيراني، وأنّ إيران هي المشكلة الكبرى والأولى؛ قبل أي حديث عن التفاوض مع الفلسطينيين، ومبدأ الأرض مقابل السلام، أو حلّ الدولتين، أو تفكيك المستوطنات… وفي حوار مع Kleine Zeitung النمساوية، قال ليبرمان: «نحن لا نتحدث عن هجوم عسكري. لا تستطيع إسرائيل حلّ جميع مشاكل العالم عسكرياً.

أنا أقترح أن تتولى الولايات المتحدة، بوصفها القوّة الأعظم في العالم، زمام المسؤولية في حلّ القضية الإيرانية». وكما سيفعل دانييل بايبس، المعلّق الأمريكي ـ اليهودي الشهير، والليكودي العتيق؛ استشهد ليبرمان باستطلاعات الرأي التي تشير إلى أنّ غالبية من الأمريكيين، تزيد عن الـ 50/ دائماً، تؤيد قصف إيران.

وقبل ليبرمان وبايبس، كان الكاتب الأمريكي اليهودي نورمان بودهوريتز قد ناشد جورج بوش الابن قصف إيران للحيلولة دون وقوع «هولوكوست نووي»؛ وكان مايكل ليدن، المعلّق في Wall Street Journal والأخصائي في الشؤون الإيرانية، قد اعتبر أنّ الثورة الخمينية هي المسؤولة عن تسعة أعشار ما ينتشر من موجات عداء للسامية، في الشرق والعالم المسلم وأوروبا وعلى امتداد العالم بأسره. وفي غمرة تلك الهستيريا تعمّد أفراد جوقة القصف نسيان أبسط الحقائق في تاريخ البرنامج النووي الإيراني، وأنه لم ينطلق في عهد الثورة الإسلامية الإيرانية (1979)، بل قبل اندلاعها بما يقارب ربع قرن، في أيام الشاه رضا بهلوي؛ وأنها كانت جزءاً من ألعاب الشدّ والجذب بين واشنطن وموسكو، خلال عقود الحرب الباردة. ولهذا فإنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت الجهة التي رعت، وأشرفت على، تنفيذ البرنامج؛ وهي التي زوّدت إيران بمفاعل نووي طاقته 5 ميغاواط، وزوّدت المفاعل بالوقود اللازم، أي اليورانيوم المخصّب (نعم: اليورانيوم المخصّب ذاته الذي يقيم الدنيا ولا يقعدها اليوم!)، كما قبلت إقامة منشآت لتخصيب اليورانيوم في إيران.

وبين قنبلة إسرائيل الذرية، الجاهزة حسب الوثيقة الأمريكية؛ وبرنامج إيران النووي، الذي يتقدم خطوة ويتعطل خطوات؛ ثمة ذلك المنطق الجيو ـ سياسي البارد الذي يحكم سياسات أوباما في الملفّ: أنّ طهران ـ محقة، بالطبع، وعلى غرار مساومات الـ»بازار» الشهيرة ـ حين لا تفاوض على برنامجها النووي وحده، بل على سلّة إقليمية متكاملة، تقطع الشرق الأوسط طولاً وعرضاً، من اليمن إلى البحرين والسعودية والكويت وجزر الإمارات، ومن العراق إلى سوريا ولبنان وفلسطين… ولأنّ أوباما ليس أقلّ حرصاً على أمن إسرائيل من رئيس وزرائها نفسه، فإنه ليس أدنى إدراكاً لقيمة توافق الخصمين، طهران وتل أبيب، على أنّ بقاء بشار الأسد، في المدى المنظور، يخدم الجميع.

لا نزاع هنا، إذاً، ولا شقاق؛ بل وفاق وتواطؤ واتفاق!

صبحي حديدي - القدس العربي



 


أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مقالات وآراء "

11-3-2015
الأسد بمساعدة حلفائه .. يبدو أنه باق !
يبدو ان فرص نجاة بشار الاسد من الازمة السياسية سالما باتت أكبر من أي وقت مضى منذ بدئها ...


11-3-2015
سوريا .. لا حل إلا هذا الحل !
  يتحاشى الذين يروِّجون لضرورة الانفتاح على بشار الأسد ونظامه، وعددهم قليل على أيِّ حال، تذكُّر أن قرار دمشق ...


10-3-2015
هل علينا التصالح مع الأسد ؟ !
مع ارتفاع وتيرة قتال الإيرانيين وحلفائهم إلى جانب قوات نظام الأسد، وتولي الإيرانيين أيضا قيادة حروب القوات العراقية ...


8-3-2015
أضعف الإيمان .. إسقاط الدولة السورية !
تصريحات الغربيين في الخلاص من النظام السوري تبدلت. الارهاب في سورية عاود صوغ المشهد. بعض الدول الاقليمية بات ...


7-3-2015
سياسة شرق أوسطية جديدة من دون الإخوان
لم أطلع على محضر اجتماعات العاهل السعودي بالرئيسين التركي والمصري، ولكني مستعدّ لأن أجزم بأن «الإخوان المسلمين» لم ...


7-3-2015
أميركا و الخليج .. من طمأن الآخر ؟
قراءة التصريحات السعودية، على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، وتصريحات نظيره الأميركي جون كيري، حول إيران، تقول ...


7-3-2015
هل الاحتلال الداعشي حرام و الاحتلال الإيراني حلال ؟
كي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العكر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا كما تشاؤون ...


6-3-2015
هل تدعم الإمارات بقاء نظام " الأسد " في حكم سوريا ؟
ربما تكون القضية الأقل خلافا بين دول المنطقة وفي مقدمتها تركيا وقطر من جهة والسعودية والإمارات وبقية دول ...


6-3-2015
من يخشى من تغير السياسة السعودية ؟
أصبحت مسألة تغيّر السياسات السعودية حيال المشاكل التي تعاني منها منطقة الشّرق الأوسط، من أهم المسائل التي تتداولها ...


4-3-2015
مخاوف من صفقة " أميركية - إيرانية " !
أي اتفاق بين الدول الست وإيران حول ملفها النووي إذا تم رغم الصعوبات التي ما زالت موجودة بالنسبة ...


3-3-2015
سورية ولاية إيرانية ؟
بدأ نظام الملالي في إيران مدّ جذوره الطائفية نحو سورية، إذ استطاع أن يتحكّم بمفاصل حياة السوريين اليومية، ...


3-3-2015
الأزمة السورية إلى حل سياسي
رفض الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وصف موقف مصر من الأزمة السورية بالحياد. وهو قال في حواره مع «الشرق ...


3-3-2015
آخر مسيحي في الشرق الأوسط
يبدو السؤال مشروعا ومنطقيا وواقعيا حين يطرح: هل نحن نعيش حقبة تفريغ الشرق الأوسط من سكانه وأهله وشعبه ...


3-3-2015
خياران كلاهما سهل
في الأسابيع الماضية استقبلت الرياض عددا قياسيا من زعماء العرب والعالم. سواء كانت الغاية للتعزية أو للتهنئة، لم ...


1-3-2015
فشل دي ميستورا
المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا نجح في شيء واحد فقط، زيادة غضب أغلبية الشعب السوري. بدأ ...


1-3-2015
الحل في سوريا أكبر من الأسد و خصومه
عندما أعلن المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أخيراً، أن بشار الأسد «جزء من الحل» في سوريا، ...