إعلانات
""مجزرة حلب ... آه على شبابنا يا عرب ...
السبت - 19 كانون الثاني - 2013 - 12:49 بتوقيت دمشق
التفاصيل

 




بعد يوم من مذبحة حلب الشهباء المنكوبة، كنت أقلب بيدٍ مرتعشة ركام الصور الدامية المدمية عبر نقرات المؤشر، وبيدٍ أُسندُ رأسي المثخن بالهمّ، وقد غمرتني حمّى الغضب وألهبت مهجتي مشاعر السّخط ضد عالم من القهر صبّ سيل دماره على شعب عريق ... شعب علّم الإنسانية الكتابة والقراءة والإحساس...



كنت عالقا في وحل الوجوم وغارقاً في صمت الهموم أمام صور لأشلاء شبابنا الحلبي الجميل، وقد تحول حسنه الرّائق في ثوانٍ معدودة إلى ركام من الأشلاء المكدسة مع الأتربة وقضبان الحديد..

ركام مكدّس في ساحة اللامبالاة الانسانية...



هي ذي الصور تنزلق من خلال نافذة حاسوبي الموصول بالشابكة، فيلتعج لحمرة الدماء فيها فؤادي، وتفور لها من حرارة القهر مهجتي، وتشيح الدمعة في عينيّ فتصير قذى يرمّد مآقي؛ مما يهوي بالشعور الإنساني في بقعة سوداء لولبية تعصر الضمير وتلفظ بقاياه في دوخة اللامعنى وسقطة العبث.



هي كل الصور تفتّق لحاف الحلم، وتخرّق دثار الصبر، وتمزّق مئزر الفضيلة، وتهتّك ورق التوت عن العورات .... ها هو قبح تلك الصور يبصق في وجهي، وينفث دخان العمى في عيني ويستنثر نخام السّخط على خلقتي .... يا ويلتى، هل أنا بقية إنسان ؟؟ أم بهيمة أنعام؟؟ أم فضلة نبات؟؟ أم جلمود جماد ؟؟



لم يجد الشباب السوري، وهو منهمك في امتحاناته، الوقت لكي يصرخ ويقول كلمة قبل تنفيذ قرار الذبح... ولذلك سأصرخ بالوكالة عنه، ولقد فقد وكّلني الضمير...



يا إلهي ... كأني بالطفل السوري والشاب السوري والأب السوري والشيخ السوري والأم السورية والأخت السورية والأخ السوري والصديق السوري والصديقة السورية يخاطبون اليد العنجهية قائلين : أيتها اليد المجنونة، حين باغتِّ فلذات أكبادنا في الجامعات وقد غلّقت الأبواب وقلت "هيت لك" ... فهمْنا أنك يد لا تنتمين للإنسان، ولا للبهائم، ولا للنبات، ولا للجماد .... إنك يد آثمة سليلة اللعنة، قد أنجبك القبح لمّا زنى بالرذيلة، وقد تمعّشت أيتها اليد اللعينة في ترعة الكفر، وتدرّبت في مواسير السّقط، وارتدت حلل الزّيف، وتعطّرت بسهك الهلاك وأطللت من خلال الطائرات الحربية والدبابات على شبابنا الأعزل إلا من الإيمان، فقطفت الجمال اليانع، وأطفأت النور اللامع، وأحوجت المكتفي القانع...



أيها القتلة الظلمة : أي قومجية عربية هذه التي تغلفون بها نصال سكاكينكم المجرمة ؟ وأي مقاومة هذه التي تسترون بها عوراتكم القبيحة العفنة؟ أما آن لكم أن تقلدوا البهائم في افتراسها، وهي التي لا تقتل إلا كفاية لشبع يومها؟ قد قتلتم ـ فيما توثّق ـ ستين ألف نفس، وهدّمتم ملايين البيوت وخرّبتم المدن والقرى، وخرّمتم أجساد أسرانا بأسنة بنادقكم، وأفرغتم في لحومهم الغضة الناعمة سمّ حقدكم الأعمى، وأضحكتم العالم على أمة كانت سيدة الدنيا فصيّرتموها من الخدم، وأدخلتم الطائفية اللعينة إلى كل بيت، وبخّرتم تحت كل سقف على جمرات الخوف نفايات كرهكم ... أما آن لكم أن ترحلوا عن أرضنا ؟؟؟ أفما آن لكم أن تتوقفوا عن تلطيخ عرضنا؟ أفما آن لكم أن تكون نافلة في فرضنا؟



أيها القتلة الظلمة، إنما أنتم عصابة تخشون الأغلبية التي تحكمونها، وقد ساعدكم على ظلمكم أنكم كنتم للأعداء أمناً وسلاماً، وقد ادعيتم دهراً أنكم في خندق المقاومة، وإنما زاد بغيكم بإسناد أنظمة طائفية لا ترى في غير طائفتها إنسانية، أعمتها التقية وغلّفت بالنفاق أفاعيلها ولطمت مصير السبط وهي قد تواطأت مع أفاعيل أصحاب السبت. وإنما زاد جوركم لا شجاعة منكم بل أملى لكم زهوكم بإسناد الروس والصين –والعالم المتآمر كله - لكم، وهم لا يرون فيكم غير أذناب تهشّ الذبان أن يتهافت على مصالحم في أرضنا... ومدّ في عمر غيّكم نفاق أكابر البلدان وادعائها العجز والفشل وهي إنما أطالت أمدكم حتى يضمنوا لوكيل مصالحهم أماناً، ولكي تنهوا عمل الدمار بأرض الحضارة الأولى، حتى تنقشع غمّتكم وتكونون قد أمّنتم أسيادكم أنه لم يبق بأرض الشام للثقافة أثر ولا للفكر بئر ولا للقيم ستر، وقد انكشف النفاق وسقط القناع لما تداعت الدول والجيوش للتدخل في بلاد "مالي"، ولم يكن الأمر يحتاج سوى ساعات معدودات ليتحركوا، وهم لم يفعلوا يوما إلا لأجل مصلحة فحسب.



ثم طفقتم تصفون الشعب بالعصابات الإرهابية المدسوسة، مستغلين الأخطاء والسقطات للثوار، مشوهين الحقائق، وإنما أخطاء الثائرين مهما بلغت فأنتم جلبتموها بغيكم، وشجعتموها بعماكم، وأنتم أساتذة لكل قهر وعمداء لمدارس الشرّ. فمنكم يتعلم أغبياء الثائرين...



أيها القتلة الفجرة، إنما أنتم دمّلة لا تعتاش إلا من صديد فرقة العرب. وإنما طال ليلكم على ظهر نهارنا لما استلذذتم صمت عرب من "نواق الشط" وقد غوّر أهلها رؤوسهم في رمال صحاريهم، وساندكم في مقتكم ذهول عرب في "الرباط" وقد نكّس أهلها رؤوسهم كي لا يروا ما يستحي منه الفجور، وأملى لكم جنونكم حين رأيتم تجاهل عرب في " الجزائر" لمحنتنا وهم أخبر الناس بويلات المحن، وأفرحكم بارتكاب جرائمكم تغافل عرب في "تونس" بلد الثورة الأولى وقد انشغلوا بالتلاعن، وأمدّ لكم في غيّكم تناسي عرب في "طرابلس" لشأننا وانصرافهم للاحتراب القبلي وتقسيم التركات، وزادكم في الهرب وراء سراب أحلامكم غرق عرب من "القاهرة المعزية" في النقاش والتشاغل بالحواشي، وراق عقولكم المريضة رؤية عرب من "الخرطوم" وقد انشطر سودانهم انشطار قنابلكم في أجسادنا، وساعدكم على المضي قدما في العدمية رؤيتكم تشاغل عرب من "الرياض" بمحاصرة أذرع الطائفية التي تساندكم، وأفرحكم هشاشة الوضع عند عرب "صنعاء" والتهاءهم بتضميد جراح نظام شق الصفوف وفرق المجتمع وباع روح الوطن للأبالسة، وأنتم لأشد فرحا بسقوط عرب في صمت "مسقط"، فأمنتم مجرد الكلام، وأفرحكم وقوع عرب في "أبو ظبي" في أسر الرّفاه وحصار ما يسمّى التوازن الدولي، وأغبطكم تسارع خطوات عرب من "الدوحة" من أجل إنهاء وجودكم فادعيتم الوطنية ورميتم غيركم بالخيانة وأنتم من ثدي الخيانة ترضعون، وزاد بهجتكم برؤية ديمقراطية عرب من "الكويت" تترنح سكرانة بالنقاشات التي لا تنته إلا لكي تبدأ، وزاد في أمنكم من خوف الرحيل ما آل إليه أمر عرب في "بغداد"، وقد خرجوا مثخنين بجراح السطو الأمريكي، ليقعوا في شرنقة الطائفية المتعفنة المدعومة من طرف أولياء نعمكم، تلك الطائفية التي لن تنفعها أنظمة المحاصصة الي تتغذون من صديدها وتصبون فضلاتها قهرا على رؤوسنا، ولا يخيفكم كثيرا ما يجري عند عرب في "مقديشيو" وقد سحقهم التدخل الأجنبي مقترنا بالتقاتل الداخلي، ولا تخشون الكثير من عرب "عمان" وهم على كفّ عفريت، ولا همّ لكم من عرب من "بيروت"، وقد حوّلت الطائفية -التي تمارسونها منذ عقود- بلدهم إلى ما يشبه جلد فهد إذا اختلطت ألوانه لا يخرج منها سوى أحمر الدماء، ولا تتآلف أزهاره إلا لكي تصنع باقات من الشوك.



من أجل ذلك يا قتلة الأحلام، وسراق الآمال، وبغاة الأزمان، نعلمكم، نحن الذين قتلتموهم وعذبتموهم وفرمتم لحومهم مع الإسمنت والحديد والفوسفور في حلب وحمص وحماه ودرعا والرستن وإدلب واللاذقية ودير الزور ودمشق والمعرة وفي كل الأرياف والقرى، وسجون الليل وغياهب الردى :



لستم والله سوى خشكار التاريخ، وحسك الأخبار، ونخالة الاحتقار، ونخامة الدهر. أين ستهربون؟؟؟ إلى أين المفرّ؟؟ لتلاحقنّكم ـ انتظروا ـ لعنة الأمهات الحلبيات، ولتحشرنّكم أدعية البنات السوريات، ولتشنقنّكم رموش الماجدات الدمشقيات، ولتفقأن عيونكم أظافر المتألمات النادبات، ولتسقطن حصونكم الفتيات السوريات ... ولتكشفن فيكم الخور نساء دير الزور ... وإن غدًا لناظره قريب...

الآن أبسمل ثم أدخل بإجلال إلى حجرتيْ الشهيد والشهيدة، الآن أنظر في أنحاء المخدع وأرتب الغرفة وألثم الأشياء وأشم الثياب وأقلب الصور، الآن أسكر بخمر الذكريات، وأتيه في طيف الأمنيات، وأرقّص قلبي على أنغام الدعوات ... الآن أنساب تحت غطاء حجرة الشهيد/ة وأغّمض عيني وأنتشي بلذة الاتحاد بروح الذين دفعوا الدماء رخيصة من أجل حياة الآخرين ...



سأنام بعض الوقت اتقاء لقيظ جحيمكم أيها القتلة، لكنني حين أستيقظ سأنفث غضبي، وأثأر لعرضي، سآكل لحم مغتصبي، وأدمّر الظلم من بلدي، لن تعودوا لأرضنا أيها القتلة، سأكنس ساحتي من ذكركم، وأغسل جسدي من عاركم...



مع تباشير الفجر، سيتعانق العشاق في بلاد الشام في مخاجعهم، وستحمل نساء الشام من رجال الشام حملا خفيفا، سيغتسل الرجال والنساء من جنابة الظلم، ثم يصليان حاضرا في المساجد والمعابد، ثم ينتشران في الحقول والمزارع والمصانع، سيحرثان، وسيغرسان غرسا جديدا ... سيصنعان ويبدعان ويبتكران...



غدًا، يأتي الرّبيع وتغني البلابل وتمتلئ بالماء الجداول، غدًا... سيخلد الحقّ في بلاد الشامي، ويتضوّع العدل على فلسطين ... غدا سيعرف العالم أي شعب نحن، وأي ثورات العرب والعجم ثورتنا ...

قد تقتلون مائة ألف أو يزيدون، لكنكم ـ يا قتلة الشباب السوري ـ لا محالة منتهون.



والله غالب على أمره ... ولكن أكثر الناس لا يعلمون.



إهداء لأرواح شباب جامعة حلب الشهباء خاصة، ولأرواح شهداء سورية عامة






بقلم |بشير العبيدي|باريس| ربيع الأنور 1434 هـ|


اضغط هنا للوصول إلى صفحة عكس السير على "فيس بوك"





أضف تعليقك :
الاسم : *
التعليق : *
Keyboard لوحة مفاتيح عربية
ضع الكود الموجود بالصورة : *

أخبار أخرى من " مساهمات القراء "

5-8-2013
مسرحية خان العسل .. بقلم ريبال الزين
أسدلت الستار مؤخراً عن مسرحية خان العسل ببيان تنديد من الائتلاف الوطني "المعارض" "للمجزرة" التي قام بها مقاتلون ...


6-6-2013
القصير .. معركة الدفاع عن وحدة سوريا
القصير لكل من لايعرف أو يدرك أنها المعركة الحقيقية لإسقاط النظام لابد له من معرفة أن النظام لم ...


2-2-2013
سيدي الخطيب: قل لي إلى أين نحن ذاهبون؟
  لا ينكرٌ أحدٌ التفاف الغالبية الكاسحة من المعارضة والثوار على الأرض حول السيد معاذ الخطيب حين اختيرَ لقيادة ...

31-1-2013
غارة كشف القناع
  لعلّ النظام السوري أخطأ مرةً أخرى فلم يقتنص فرصة اختراق الطيران الإسرائيلي لأجوائه و يرد و لو بطلقة ...

28-1-2013
شاهد على مجزرة....
  السبت 26/1/2013 أصعب يومٍ مر علي في مسيرة حياتي, كنت أصلي الظهر و في الركعة الثانية سمعت صوت ...


19-1-2013
العرب...أقلية في ســــوريا !!
  منذ بداية الثورة السورية، ومع كسر حاجز الخوف لدى السوريين، كل القوميات والديانات في سباق لإثبات وجودهم من ...


7-1-2013
أديش طالب بسيارتك؟.. بقلم آرا سوفاليان
  كانت جدتي ماري تأخذني معها الى الفرن او الى السوق او الى محل ابو ابراهيم اللحام في القصاع ...

30-12-2012
بعد كل مخاض ... ولادة
كتب بواسطة rest [email protected] قبل ولادة كل طفل ... أو مولود جديد على هذه ...

30-12-2012
ياوزير العدل
كتب بواسطة أحمد صوان [email protected] وزير العدل ( كائن منفصل عن الواقع ) في الوقت ...

30-12-2012
التناغم بين الاعلام السوري ورد الفعل الامريكي
كتب بواسطة osama [email protected] كلنا نتابع ما يحدث من تطورات متسارعة في دمشق وريفها ...


20-12-2012
محامو حلب الاحرار جنود الحق و العدالة و حماة للثورة.. بقلم المحامي مثنى ناصر
  ماحدث في درعا هز الوجدان والضمير العالمي واشتعلت الثورة بقدرة قادر وخرج الشعب يطالب بإسقاط النظام بعد أن ...

20-10-2012
قصة جمل الممانعة!.. بقلم: محمد كناص
  رسب خلف الطميشان في مادة التعبير! فضجت العشيرة على هذا النبأ وذهبت برجالها ونسائها تستفسر من المدرس عن ...

20-10-2012
رأي .. بقلم طالب العلم الكسندر
  كنت أشاهد حواراً سياسياً راقياً على محطة الميادين الفضائية بين عدة شخصيات معروفة من المعارضة السورية تمثل تيارات ...

20-10-2012
ديناصورات الألفية الثالثة .. بقلم: ماجد جاغوب
يقال دخل اللص الى المنزل وسرق ما خف حمله وغلا ثمنه في غفلة من اهل البيت وحالة الغفلة ...

20-10-2012
تحليل علاقة المعارضة والدور الخليجي في شؤون الثورة السورية.. بقلم: ملهم الكواكبي
  مقدمة : - القوى الخليجية النافذة, خصوصاً حكومتا قطر والسعودية, تنخرط بكل قوتها لتوجيه الثورة السورية في سياق, نرى ...

12-10-2012
إذا غضب الله.. بقلم د. محمد عمر بلط
  والله سبحانه وتعالى لا يغضب إلا إذا استُبيحت حرماته جهارا وتحديا وإصرارا ، ولأنه إذا غضب فلن تكون ...