سوريا ما بعد سقوط الأسد

إن الوقائع والدلائل تشير على أن سقوط بشار الأسد ونظامه بات وشيكا وربما أسرع مما يتوقعه أكثر الناس تفاؤلا, وخاصة إذا تابعت القوى الثورية رص صفوفها كما حصل في الأسابيع القليلة الماضية.

سقوط هذا الديكتاتور ونظامه  – الذي رسم وعمل على أن يدوم إلى الأبد – سيكون مدويا وله تبعات كبيرة تتجاوز حدود الوطن ودولا إقليمية عدة. فلهذا علينا جميعا أن نكون مهيئين ومستعدين لسقوط نظام الأسد في كل لحظة وبشكل مفاجيء وأن نكون قد أعددنا العدة لمثل هذا اليوم.

إنطلاقا من هذه المسؤولية وبقناعة تامة بأن ما أطرحه هنا من أفكار وتصورات لا ينطبق عليها صفة النضوج التام أو الكمال, ولكنها مساهمة بسيطة أقدمها لكي تتلاقى وتتكامل مع مساهمات وأفكار أخرى لأناس غيورين على أهلهم ووطنهم.

نحن نعلم بأننا نواجه تحديات كبيرة ومهام جسام, وأن ما سببه نظام الطاغية من كارثة حلّت على سوريا تعتبر الأكبر من نوعها من بعد الحرب العالمية الثانية, فلهذا فإن العمل بعد سقوط نظام الأسد سيكون أصعب بكثير مما كان عليه أثناء الثورة. القضية هنا تمس وجود الوطن ووحدة ترابه, فلهذا تتطلّب منا هذه المرحلة الكثير من التنازلات والتضحيات والإبتعاد عن مطامعنا الشخصية ورؤانا الضيقة وأن نتجاوز كل الأنانيات والأحقاد والثارات وأن نتحلى بروح التسامح والتصالح وأن نضع مصلحة الوطن فوق كل الإعتبارات, بالرغم من أننا نعلم ما هو حجم الآلام وعمق الجراح والثمن الباهظ الذي دفعه الوطن والمواطن من أجل الحرية والكرامة.

إن بعض المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وكذلك الدول الصديقة للشعب السوري تستطيع أن تساهم بشكل فعّال في الوقوف إلى جانب هذا الشعب للخروج من محنته العصيبة التي يمر بها الآن. الدول الفاعلة والتي لها نفوذ في المنطقة وبالتعاون مع المنظمات الدولية تستطيع أن تقوم برعاية مؤتمر وطني سوري شامل يضم كل القوى السياسية والعسكرية في الداخل والخارج, وأن تضع كل جهودها من أجل إنجاح هذا المؤتمر وذلك في تقليص الفجوات التي نشأت بين مكونات المجتمع السوري تحت حكم هذا النظام.

بعد سقوط نظام الأسد مباشرة يجب علينا جميعا أن نعمل على إنهاء عملية القتل والإقتتال بين السوريين والبدء بخطوات زرع الثقة بين الأطراف المتصارعة وعلى سبيل المثال ولا الحصر هو إطلاق سراح كل المعتقلين والأسرى والقيام بالحملات الإعلامية من أجل بث روح التسامح والتصالح بين أفراد المجتمع, والعمل على التخلص من كل الدخلاء وكذلك المنظمات الإرهابية التي تدعم النظام السوري, ووضع وحدات حماية ومراقبة عربية ودولية في المناطق التي يوجد فيها شيء من التوتر من أجل منع حدوث أي نوع من التجاوزات أو المجازر أو التعديات من فئة على أخرى.

في هذا المؤتمر الآنف الذكر يجب ان يتم وضع خطة مُحكمة لمرحلة إنتقالية توافقية ولمدة عامين للعمل خلالها على إخراج سوريا إلى بر الأمان ووضع الأسس المتينة لمرحلة حكم سياسي ناضج يشعر في ظله كل السوريين بالأمان والإطمئنان والعدالة والمساواة. ويجب الأخذ بعين الإعتبار إستقلالية القضاء وفصل السلطات عن بعضها البعض (التشريعية والقضائية والتنفذية). في ختام هذا المؤتمر يجب ان يكون قد تم تشكيل بعض المؤسسات التي سيكون لها دورا هاما في قيادة البلاد في المرحلة الإنتقالية والتي يجب أن يكون للمرأة نصيبا فيها يناسب نشاطها ودورها في المجتمع:

1.الإتفاق على برلمان مؤقت ولمدة سنتين يمثل كل أطياف المجتمع السوري وجميع مكوناته.

2.تشكيل حكومة كفاءات وطنية مؤقتة.

3.الإتفاق على دستور مؤقت للبلاد.

4.تشكيل لجنة رئاسية مؤقتة تقوم بمهام رئيس الجمهورية.

5.تشكيل جمعية تأسيسية من أجل صياغة دستور جديد للبلاد.

6.تشكيل لجنة عسكرية في وزارة الدفاع وأخرى أمنية في وزارة الداخلية تشرفان على حماية الوطن والمواطن ودمج كتائب الجيش الحر في الوزارات المعنية.

7.تشكيل محكمة خاصة لمجرمي الحرب ولمن تلطخت أياديهم بدماء الشعب السوري على غرار “محكمة نورنبرغ” الألمانية والتي كانت مختصة في محاكمة المجرمين من الحقبة النازية.

8.تشكيل هيئة مختصة لتعويض المتضررين من تبعات الحرب وكذلك من تبعات الظلم الذي حلّ بالشعب خلال الحقبة البعثية وحقبة عائلة الأسد.

9.تشكيل لجنة إعادة إعمار سوريا والتي عليها أن تبدأ عملها بأسرع ما يمكن من اجل تأمين السكن الضروري للمواطنين المهجرين الذين ينتظرون العودة إلى ديارهم بفارغ الصبر.

10.تشكيل لجنة مختصة للمسامحة والمصالحة الوطنية مؤلفة من الوجهاء والزعامات وشيوخ العشائر.

بعض هذه اللجان تتبع لها لجان مصغّرة على مستوى المحافظات وإن تطلّب الأمر حتى على مستوى البلدات الكبيرة.

بعد نهاية المرحلة الإنتقالية سيتم طرح الدستور الجديد للإستفتاء, فإن حصل على الأغلبية المطلوبة فسيتم إنتخاب البرلمان الجديد بناء على هذا الدستور. بعد ذلك سيتم تشكيل الحكومة الجديدة من طرف الأحزاب التي حصلت على الأغلبية البرلمانية في الإنتخابات ومن ثم يتم إنتخاب رئيس الجمهور من الشعب مباشرة.

في إنجاز من ذكرناه سابقا يمكننا أن نستفيد من تجارب بعض الدول التي مرت بتجربة مماثلة للتجربة السورية وعلى سبيل المثال تونس الشقيقة ونجاحها في ترتيب بيتها الداخلي في مرحلة إنتقالية بعد إنتصار ثورتها.
علينا أن نعتمد منذ البداية على نظام اللامركزية في إدارة شؤون الدولة وإعطاء صلاحيات واسعة للمحافظات وكذلك تأسيس برلمان خاص بها (برلمان المحافظات Bundesrat ) على غرار النظام الألماني والذي يتم فيه تداول كل شؤون المحافظات فيما بينها وعلاقتها بالدولة المركزية وبهذا نكون قد تجاوزنا المخاوف والنقاشات الكثيرة التي تدور حول كيف سيكون شكل الحكم في سوريا بعد سقوط النظام وهل سيكون فيدرالي أم على شكل كنتونات أم مركزي كما هو عليه الآن.

في الوزارات المختصة يجب أن توضع أنظمة جديدة وخطط مستقبلية تتناسب وروح العصر وتطلعات الثورة وما وصل إليه العلم من مراحل متطورة في كل المجالات وخاصة في التعليم والصحة والإقتصاد وكذلك التخلص من بقايا الأفكار والآليات القديمة التي كان يعمل عليها النظام البائد.

نحن كسوريين علينا أن نعلم بأن مصير وطننا هو بين أيدينا ومطلوب منا جميعا أن نضحي مرة أخرى, وربما أكثر مما ضحينا به سابقا, لكي نستطيع أن ننقذ وطننا من محنته هذه, وعلينا ان نعلم بأن مقياس “سوريتنا” هو مقدار رؤيتنا وتقييمنا للسوري الآخر بأنه سوري في الدرجة الأولى وبعد ذلك وبمسافة طويلة تأتي الإعتبارات الأخرى مثل الدين والمذهب والقومية. وكم ستفرح سوريا الوطن عندما تسمع منا ونحن نخاطب بعضنا البعض ونقول: أنت سوري؟ … إذا أنت أخي وشريكي في الوطن!

جمال قارصلي – نائب ألماني سابق من أصل سوري

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫12 تعليقات

  1. معقول هل الكلام يا معارضةً الفنادق والفضائيات و الواتس اب. كيف سوف تعمل المصالحات مع المجرمين من النصيريه و الموالين. اذا النصيريين شرد قتل اغتصب بنتك او امك ماذا ستفعل؟ هل مثلا تتصالحوا و تشرب المتعه و العرق معهم من اجل ان يقول عنك الغرب ان تراعي الأقليات. تعمل مصالحةً مع كائنات من أسفل و احقر المخلوقات و الذي ليس لهم اي شرع او دين.او إخلاق. طلاع من هل البواب و خليك علىً جنب وًسمعنا نصتك.

  2. نعم ……ربما يرضى الشعب السوري بوجود العلوي في قراه على الجبال ، بشرط تعليق مشانق 200 ألف علوي على الأقل لأن الطائفة كلها مشتركة في الدم السوري ………

  3. محاسبة المجرمين والعدالة والقصاص منهم تأتي أولاً وثانياً وثالثاً قبل أي حديث آخر ثم هناك سؤال بسيط من سيتحمل كلفة إعادة الإعمار والتعويض للشهداء والمتضررين ؟ هل سنتحملها نحن ايضاً ؟ يعني كلفة دمار سوريا دفعناه نحن من جيوبنا عير اقتطاع الجزء الأكبر من الميزانية لصالح وزارة الدفاع وللجيش العلوي الخائن طوال 50 سنة والآن المطلوب منا ومن أولادنا واحفادنا دفع فاتورة إعادة إعمار ما دمره العلويون بينما مناطقهم لم يمسسها أي ضرر فهل هذا عدلاً ؟ هل يوجد عنصر أمن واحد أو ضابط واحد في الجيش العلوي لم يقتل عدة سوريين بيديه سواء تحت التعذيب أو برصاصه وقنابله وصواريخه ؟ هل توجد إمرأة علوية واحدة لم تحرض أولادها وزوجها على ذبح السنة ؟ إن كان هناك مجال للعفو والتسامح فهو فقط مع الفئة التي لم تنخرط في القتال أو التحرض ضد الأكثرية هذا إن وجدت هذه الفئة بينهم أصلاً .

  4. حبيبي ابو مصالحة و ايقاف الاقتتال, لازم كل واحد شارك برمي أو بصنع او نقل او حتى توقيع معاملات الها علاقة ببراميل المتفجرات اللي عم يستخدمها الطاغية بالحرب يخلوه يطلع بطيارة الهليكوبتر و يزتوه فوق القرداحة من على علو 4 كيلو متر لفوق قبر حافظ و مشان ما يكون في ظلم لازم تكون ايديه مو مربطة و يكون ملتحف بالعلم السوري الاسدي بركي بيقدر يطير شوي قبل ما يموت ….وسدقني هيك رح يصير والله رح تشوفوا قتل و ذبح بهل النصيرية ما صار من ايام التتار . لك انا بعرف عالم رح تجي من كل دول العالم بس مشان تنتقم .

  5. ذكرت أن أخي قد أصيب إصابة بليغة لكي لا يزاود أحد علي
    ولكن المقال ذكر محاكمة مجرمي الحرب
    أما معاقبة طائفة أو عرق فهذا لا يجوز أمام الله
    وحتى المسامحة وأن نقول لمن ظلمنا أذهبوا فأنتم الطلقاء فهو ليس غريب عن إسلامنا
    وما حدث في جنوب أفريقيا خير مثال لنتبعه ونرقى فوق آلامنا وجروحنا
    هدفنا مرضاة الله وليس الإنتقام. ووطننا يحتاج الجميع ليتعافى.
    أوافق كاتب المقال والله الموفق.

  6. لا شك بأن إعادة مفهوم المواطنة للشعب السوري ستكون مهمة شاقة و لكن بدون ذلك لا أمل لسورية الحبيبة بأن تستعيد عافيتها. محاسبة المجرمين أمر واجب لكن إعادة اللحمة بين أطياف الشعب السوري أمر ضروري للمضي قدماًز
    البند الذي غفل عنه المقال هو ضرورة إيجاد ألية لإستعادة أموال الشعب السوري التي سرقها الأسد و طغمته المجرمة.

  7. بعد سقوط الاسد يجب قتل 200 الف علوي وتشريد 4 مليون منهم حتى تصبح المعادله صحيحه وبعدين بنصير سواسيه في هدا الوطن