عندما يتحدث السوريون مع أنفسهم عبر ” أفاز ” بلا فائدة .. دعوة للتوقف عن إهدار الوقت و المجهود و المشاعر على ” لا شيء “

على مدار سنوات (بعد اندلاع الثورة)، شاهدنا الانتشار الكبير الذي حظي بع موقع منظمة “أفاز” وما رافق ذلك من استخدامه بشكل يومي للتعبير من خلاله عن أي قضية / مشكلة تواجهنا، صغيرة كانت أو كبيرة.

منذ رحيل عبد الباسط ساروت قبل أيام، وما حدث تالياً من حذف للمنشورات المرتبطة به من قبل فيسوك، شاهدنا العشرات من الروابط والعرائض والحملات التي يتم إطلاقها عبر “أفاز” في محاولة للوقوف بوجه ما يحدث.

ومع كامل الاحترام والتقدير للأهداف السامية لهذه الحملات والعرائض، ومع كامل التفهم لكون كثيرين يعتبرونها “أضعف الإيمان” وأقل ما يمكن فعله في ظل العجز الذي يكبل الجميع.. ولكن للأسف فإنها لا تحقق حتى 0.01 % مما يراد منها حقيقة، وهي ليست إلا صرخة شخصية بوجه جدار.

ما الذي يحدث عندما تبدأ عريضة في أفاز؟

عملياً لا شيء !.. يقوم أحدهم ببدء العريضة، ثم ينشرها عبر صفحته في فيسبوك فيوقع عليها أصدقاؤه فقط ومعارفه، وإن كان شخصية عامة أو مشهورة، يتم تناقلها عنه والتوقيع عليها بأسماء حقيقية ووهمية، وفي أحسن الحالات يمكن لعريضة أن يصل عدد الموقعين عليها لعشرات الآلاف.

حسناً ما التالي؟.. التالي هو أن القائم على العريضة -مثلاً- وضع هدفاً لها الحصول على 10 آلاف توقيع، وقد حصل عليهم بالفعل، وهنا يعتقد الجميع أن المهمة انتهت.. وبعد ذلك تذهب الحملة ومن وقع عليها إلى العدم، والمكسب الوحيد منها هو “لا شيء”.

ما الذي يجب فعله نظرياً بعد تحقيق العدد المطلوب من التواقيع على عريضة ما؟ الهدف بحسب المنظمة ذاتها هو “تسليم العريضة”.. تسليمها لمن؟ في الحالة التي نتحدث عنها المستلم يجب أن يكون فيسبوك، ومع الافتراض مجازاً أنه استلمها، فإنه لن يلقي لها بالاً على الإطلاق، لمعرفتنا بآلية عمل فيسبوك وعدم رده على من يحاول التواصل معه، أو لانعدام تأثير وأهمية (بسبب قلة عدد الموقعين بالدرجة الأولى) ما نقدمه بالنسبة له.

الكلام هنا لا يقتصر على فيسبوك وما فعله مؤخراً، بل ينطبق على أي عريضة وأي قضية يتم الحديث عنها عبر “أفاز”.. والأمثلة السورية لا تحصى، على سبيل المثال أيضاً، إن قام أحدهم بإنشاء عريضة بعنوان “نطالب بعدم إجبار السوريين على استصدار جواز سفر من سفارة بشار الأسد ببرلين” وحصلت العريضة على 10 آلاف توقيع أو لم تحصل، فالأمر سيان طالما أنه لم يكن هناك تحرك مواز على الأرض (حقيقي) ينتهي بتسليم العريضة للخارجية الألمانية مثلاً، كدليل معنوي (لا أكثر) على رفض استخراج جوازات سفر من سفارة النظام.

متى يكون لما يحدث عبر “أفاز” قيمة؟

أي عريضة يراد لها أن تحظى بقيمة وتأثير فعلي يجب أن تكون مترافقة بحراك على الأرض واهتمام إعلامي كبير وتغطية ضخمة وعدد تواقيع كبير، وكبير يقصد به “مئات الآلاف وربما الملايين” وليس أقل من ذلك، كل ما سبق “قد” يدفع إدارة المنظمة لتبني الحملة ودعمها والترويج لها.

رغم كل ما سبق، قد لا تتعدى العريضة كونها تعبيراً معنوياً عن موقف جماعي، دون إحداث أي تغيير، وبالنظر للتغيير الحقيقي الذي ساهمت “أفاز” بإحداثه على أرض الواقع، فإن عدد القضايا / العرائض التي يمكن الحديث عنها لن يتعدى أصابع اليد الواحدة.

أضف إلى كل ذلك أن “أفاز” نفسها وطريقة عملها وتمويلها وأهدافها هي محط تساؤل، وهناك من يعتبر أنها تتبنى (الحديث هنا عن الإدارة) القضايا بشكل انتقائي (تلاحق الـ ترند) وتتسلق على قضايا هناك منظمات تسعى عملياً على أرض الواقع من أجلها، كما أن هناك من يتحدث عن كونها تفرغ النشاط الحقيقي من معناه عبر تحويله من Activism (النشاط الفعلي الحقيقي من أجل قضية ما)، إلى Clicktivism (نشاط نقرات عبر الإنترنت فقط) أخف تأثيراً وأهمية.

ما الفائدة وما البديل؟

ما الفائدة إذاً مما نفعله حالياً عبر أفاز؟ كما ذكر أعلاه “لا شيء” سوى ردة فعل يقلل فيها السوريون من قهرهم وغضبهم وقلة حيلتهم ويرضون بها أنفسهم بأنهم يقومون بأضعف الإيمان.. ولكن هل هناك بديل أفضل وأسهل ويقدم أكثر من “أضعف الإيمان” الذي تقدمه أفاز وهو حقيقة “لا شيء”؟.. بالطبع هناك بديل أفضل وأسهل وأكثر تأثيراً، وإن كان ليس تأثيراً كبيراً ولكنه يبقى أفضل من تأثير أفاز الصفري.

البديل هو تويتر وبدرجة أقل فيسبوك ويفضل بلغة أخرى إلى جانب اللغة العربية.. لماذا تويتر أولاً؟ تويتر لأنه أسرع وأسهل انتشاراً ويحظى بتركيز أكبر من قبل وسائل الإعلام العالمية الباحثة عن الأخبار والقضايا التي يتحدث عنها أكبر عدد من الناس (عبر الـ هاشتاغ والـ ترند).

عندما يتم إطلاق هاشتاغ Facebook_kil ling_syrians# أو #فيسبوك_يق تل_السوريين، ويحظى بانتشار كبير يضعه ضمن الـ ترند عالمياً، فإنك ستكون قد حصلت على اهتمام وسائل الإعلام وغالباً اهتمام فيسبوك الذي سيضطر للرد أو على الأقل للتدخل وحل المشكلة دون رد (والكلام هنا على سبيل المثال لا الحصر في فيسبوك فقط، وينطبق على أي قضية أخرى).

بهذه الطريقة تكون قد حظيت بفائدة أكبر بكثير من تلك التي تقدمها أفاز -وهي كما سبق ذكره لا تقدم شيئاً لأسباب متعلقة بها وبنا- وبنفس الأدوات وبنفس الوقت، وإن لم تصل لهدفك فعلى الأقل قمت بلفت النظر لقضيتك إعلامياً وجعلت أناساً آخرين يطلعون عليها، وهم الذين لم تكن لتصلهم عبر أفاز (بالطريقة التي يتم اتباعها حالياً) قطعاً.

توقفوا عن إهدار وقتكم ومشاعركم وصوتكم عبر “أفاز”.. (كلمة أفاز تعني ‘الصوت’ باللغة السنسكريتية).

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها