قناة أمريكية : بعد الإشادة بـ “جيشها العظيم”.. مصر تطلب شروطا “ولا بالأحلام” من تركيا

في يوليو الماضي كان الشرق الأوسط على وشك صراع عسكري جديد بين أقوى جيشين في المنطقة (مصر وتركيا) على الأراضي الليبية، تزامن ذلك مع مقال كتبه مستشار الرئيس التركي ياسين أَقطاي عن خوف الأتراك من أن تتحول بلادهم إلى “مصر السيسي” لو كانت محاولة انقلاب التي شهدتها البلاد عام 2016 قد نجحت.

وبعد ما يقرب من شهرين، شهدت الأزمة الليبية انفراجة، وتلاشى خطر المواجهة العسكرية، وتحول حديث أقطاي من “تخلف مصر خمسين عاما على أقل تقدير” بسبب الانقلاب الذي قام به الجيش، كما قال في مقالته، إلى “الجيش المصري جيش عظيم، ونحن نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا” كما قال في مقابلة أجراها، السبت الماضي.

ورغم هذا التحول المفاجئ، لم يكن أقطاي هو المسؤول التركي الوحيد الذي يدلي بهذه “النغمة” الجديدة من التصريحات، فسبقه في ذلك رئيس الوزراء التركي السابق، بن علي يلدريم، الذي كتب في 2016 عن ضرورة الفصل بين العلاقات الاقتصادية والاجتماعية من جهة والخلافات السياسية من جهة أخرى، فيما يتعلق بالتعاون مع مصر.

كما أن الأحزاب المعارضة التركية تعتقد في أهمية التقارب السياسي مع مصر، وفي مقابل ذلك تندد بعلاقة الرئيس رجب طيب إردوغان بجماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر إرهابية وتأوي تركيا بعض أفرادها على أراضيها.

ويعلق الكاتب والمحلل السياسي التركي، حمزة تكين، قائلا: “العلاقات بين تركيا ومصر لم تنقطع إلا على المستوى الرئاسي فقط، وبالتالي الحديث الأخير لأقطاي ليس غريبا، فيوجد رحلات جوية مباشرة، وزيارات سياحية متبادلة، وعلاقات دبلوماسية واقتصادية وتجارية بين البلدين”.

وكشف تكين، المقرب من السلطة الحاكمة في تركيا، ومحلل سياسي تركي آخر، وهو فراس رضوان، تحدث إليهما موقع “الحرة”، عن معلومات مؤكدة لديهما تشير إلى اجتماعات مصرية تركية، على مستوى مخابراتي.

وقال تكين: “تصريحات أقطاي الأخيرة دقيقة وحقيقية، وليست مجرد تصريحات نثرية، وذلك عند وصفه الجيش المصري بالعظيم، الذي نحترمه كثيرا، لأنه جيش أشقائنا، كذلك عندما أشاد بالعلاقات الإيجابية المتينة بين عن الشعبين المصري والتركي”.

وأضاف أن هذه التصريحات تعبر عما يجري بالخفاء، مشيرا إلى “محاولات من الجانبين المصري والتركي لتهدئة الأوضاع”. وفي نفس المقابلة، تحدث أقطاي عن “تقارب وتواصل” بين الدولتين.

ويقول تكين إن ما جرى في الخفاء هو “زيارات لوفود مصرية رسمية، خلال الشهرين الماضيين، إلى تركيا لمحاولة إيجاد صيغة معينة حول الأزمة الليبية وغير الليبية”.

تواصل موقع “الحرة” مع المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد حافظ، للتأكد من مزاعم الزيارات المصرية الرسمية إلى تركيا بشأن ليبيا، لكنه لم يرد.
استراتيجية “الخط الأحمر”

إلا أن الأمر الذي يجعل المغازلة التركية الأخيرة مختلفة هي الاهتمام الإعلامي التركي بها، كما أن حديث المسؤول التركي جاء في إطار مقابلة أجراها مع موقع “عربي 21″، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، والذي يتخذ من إسطنبول مقرا له، وذلك ضمن مجموعات قنوات تقول مصر إنها تستهدف قيادتها السياسية والتقليل من شأن “الإنجازات” التي تحدث على الأرض.

وفي هذا الإطار، يقول أحمد الباز، مدير مركز “الإنذار المبكر” للدراسات السياسية والأمنية، ومقره أبوظبي، إن “تصريحات أقطاي هذه المرة ليست مجرد تصريحات للاستهلاك الإعلامي، حيث اهتمت وكالة الأناضول الرسمية بتغطيتها إلى جانب مؤسسات صحفية عدة، مما يعني أن ما قاله يمثل انعكاسا لوجهة النظر الرسمية التركية حاليا”.

ويرى الباز أن المحاولات التركية الأخيرة لجذب ود مصر متأثرة بالتحول الاستراتيجي الذي أقرته الأخيرة خلال الشهور الماضية تجاه محوري ليبيا وشرق المتوسط، على حد قوله.

وفي يونيو الماضي، وبعدما تفقد وحدات عسكرية في قاعدة “سيدي براني” الجوية قرب الحدود مع ليبيا، تحدث الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن “حق مصر الشرعي للتدخل في ليبيا”، وذلك بعد أيام من قوله أمام حشد ضم عددا من قيادات القبائل الليبية: “إذا كان يعتقد البعض أنه يستطيع أن يتجاوز خط سرت-الجفرة.. ده أمر بالنسبة لنا خط أحمر”.

يقول البار، في حديثه لموقع “الحرة”، إن “القوى الدولية استنفرت بعد هذا الإعلان، وسعت للتدخل، من أجل منع تصعيد أزمة محتملة”.

وأضاف: “من الواضح أن بعض الدول الأوروبية كانت متطلعة لهذا الاستنفار، لتأخذ موقعا تستطيع من خلاله كبح تركيا، وعلى رأس هذه القوى فرنسا”.

كما أشار مدير مركز “الإنذار المبكر” إلى توقيع اتفاق ترسيم الحدود المصرية اليونانية، وهو الأمر الذي وصفه بـ”تحول استراتيجي ثان” ترتب عليه “حصار” قانوني لتركيا وقضم لتوسعها غير المنضبط، على حد قوله.

والتوتر متصاعد من الأصل بين أثينا وأنقرة بسبب تنقيب تركيا في شرق المتوسط قبالة ساحل قبرص المقسمة، وهو الأمر الذي تعارضه فرنسا أيضا.
“كسر التحالفات”

هذا الترسيم للحدود البحرية المصرية اليونانية، الذي تم توقيعه في أغسطس الماضي، يراه المحلل السياسي التركي، فراس رضوان، سببا في تصريحات أقطاي الأخيرة.

وفي يناير الماضي، غرد أقطاي مقترحا التوصل لاتفاق مصري-تركي حول المياه الاقتصادية بين الدولتين في شرق المتوسط، مضيفا: “إذا كانت اليونان وقبرص واليونان وإسرائيل سرقت حلمكم في أن تكون مصر قاعدة لتصدير الغاز، فإن حكومة تركيا لم تفعل”.

وقال رضوان في حديث لموقع “الحرة”: “تصريحات أقطاي ربما تعكس محاولة تركيا لاستقطاب مصر من التحالفات القائمة (اليوناني المصري، والفرنسي المصري) لأن مصر تمثل ثقلا، وستحقق تركيا مكسبا إذا نجحت في كسر هذا التحالف”.

وفي يناير 2019، اجتمعت دول بشرق المتوسط، واتفقت على إنشاء “منتدى غاز شرق المتوسط”، على أن يكون مقره القاهرة.

ويضم المنتدى مصر وإسرائيل وقبرص واليونان وإيطاليا والأردن والسلطة الفلسطينية، دون أن توجه الدعوة لتركيا التي كانت لتوها وقعت اتفاقية مع ليبيا لترسيم الحدود البحرية، الأمر الذي قوبل بإدانة من اليونان وقبرص ومصر.

إلا أن المحاولة التركية لاستقطاب مصر الآن من تحالفاتها الجديدة، وإعادة التحالف القديم معها لا يبدو بهذه السهولة، فعقبات جمة تقف حائلا دون تنفيذ ذلك.

وكانت علاقات مصر مع تركيا توترت منذ عزل الجيش المصري الرئيس محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، عام 2013.

وفي مؤتمر صحفي عقده الأحد الماضي، رد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، على التصريحات التركية الجديدة، قائلا إن القاهرة تريد أفعالا من تركيا وليس أقوالا.

وأكد شكري على مطالب القاهرة في أن تنسحب أنقرة من العراق وسوريا وليبيا، وأن تخفف التوتر القائم في شرق المتوسط، وتتوقف عن سياساتها التوسعية المقوضة لاستقرار الشرق الأوسط.
الانسحاب التركي

ويعلق رضوان على ذلك، بقوله: “شروط سامح شكري مستحيلة التنفيذ، الجميع يعلم أن خروج تركيا من شمال العراق وسوريا وليبيا مستحيل بدون الوصول إلى حل جذري كامل”.

وأوضح وجهة النظر التركية، قائلا: “فعلى الحكومة العراقية مثلا أن تقضي على حزب العمال الكردستاني، وهذا صعب لعدم قدرتها العسكرية على ذلك”.

وتشن أنقرة ضربات جوية بشكل متكرر على شمال العراق، كما تنفذ قصفا بالمدفعية وعمليات برية أيضا ضد حزب العمال الكردستاني الذي يتمركز مسلحوه في شمال العراق.

ويريد الحزب حكما ذاتيا في جنوب شرق تركيا، ذي الأغلبية الكردية، لكن أنقرة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعتبره جماعة إرهابية.

ويكمل رضوان، قائلا: “أما الوضع في الشمال السوري فقد استقر على ما هو عليه الآن ولا يمكن الحديث عن خروج الجيش التركي من هناك، بينما تتواصل المفاوضات السياسية بين المعارضة والنظام السوري”.

وفي 2018، وقعت أنقرة وموسكو اتفاقا لإقامة منطقة خفض التصعيد في إدلب بالشمال السوري، بما سمح لتركيا بإقامة نقاط مراقبة وتواجد عسكري بري على الأرض.

“أما في ليبيا، فالقوات التركية في ليبيا ليست قوات احتلال، بل جاءت بناء على اتفاقات رسمية مسجلة في الأمم المتحدة بين حكومتي البلدين”، على حد قول رضوان.

وكانت حكومة الوفاق الوطني الليبية، المعترف بها دوليا، وقعت مع تركيا اتفاقا بشأن الحدود البحرية في البحر المتوسط العام الماضي. وشمل الاتفاق توقيع مذكرتي تفاهم، إحداهما حول التعاون الأمني، والثانية في المجال البحري.

ويعلق تكين على تصريحات شكري بقوله: “تركيا ليست دولة معتدية، وليس من حقه أن يطالبها بالتوقف عن عملياتها للدفاع عن نفسها ومناصرة حلفائها، وبالتالي مطالبه ولا بالأحلام (مستحيلة التنفيذ) كما يقال باللغة العامية”.
“تواصل مخابراتي”

وبعد أسابيع من التهديد والوعيد، والحرب الكلامية بين الطرفين، ووشك اندلاع مواجهة عسكرية بينهما على الأراضي الليبية، توصل الطرفان المتنازعان في ليبيا إلى وقف لإطلاق النار، وانخرطا في عدة مفاوضات سياسية، كانت مصر حاضرة في تفاصيلها، فيما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان بإعادة تركيا المئات من المرتزقة من ليبيا إلى الشمال السوري.

وفي هذا الشأن، يعتقد رضون أن تواصلاً تركيا-مصريا مخابراتيا يجري تحت الطاولة، بعيدا عن الخلافات السياسية، مرجعا ذلك إلى الضغط الأميركي لحل الأزمة الليبية، ورغبة أجهزة المخابرات في كلا البلدين في ذلك.

بينما قال تكين: “تركيا حريصة على علاقات جيدة مع الدولة المصرية والجيش والشعب المصريين، وهي لم تهاجم مصر ككيان أبدا، وهناك مساع لتحسين العلاقات”.

وأشار إلى أن السبب وراء الاهتمام التركي بتصريحات أقطاي الأخيرة يتمثل في الحاجة إلى التهدئة في منطقة الشرق الأوسط، والتنسيق الذي يعود بالنفع على الجانبين.

وتابع “الكرة الآن في الملعب المصري”.
معارضة أم مجرمون؟

وتمثل تركيا مقرا رئيسا لعدد من القنوات المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين التي لجأ أفراد منها إلى تركيا، خوفا من الملاحقة الأمنية داخل مصر، بعد أعمال العنف التي وقعت عقب الإطاحة بمرسي.

وترى القاهرة أن هذه القنوات تبث موادا دعائية كاذبة عن قيادتها السياسية، كما سبق وأن حرض مقدم برنامج على إحدى هذه القنوات على قتل أفراد من الشرطة والجيش المصريين، بينما دافع ثان عن هشام عشماوي، ضابط الصاعقة الذي أعدمته مصر في وقت سابق من هذا العام بعد إدانته بتهم إرهابية.

لكن رضوان يرى أن هؤلاء المصريين المتواجدين في تركيا “معارضة سياسية” لا يجب تسليم أفرادها، وفي نفس الوقت لم يستبعد المحلل السياسي التركي أن تتوصل كل من القاهرة وأنقرة إلى تفاهمات أمنية بهذا الصدد، إذا اتفق البلدان على عودة العلاقات.

فيما قال تكين: “من غير المعقول أن تسلم تركيا أشخاصا مهددين بالإعدام والقتل، وهي لا تأوي هذه القنوات أو هؤلاء الأشخاص لانتمائهم للإخوان المسلمين، بل هم موجودون بصفة قانونية، ولن تغلق القنوات لأنها مرخصة وتعمل وفق القوانين الطبيعية التركية”.

وبينما لم ترد مصر على المزاعم التركية الأخيرة بإجراء محادثات، على عدة مستويات، غير مسبوقة بين البلدين منذ الإطاحة بحكم الإخوان، يبقى التوتر سائدا في ظل ظهور إعلاميين وسياسيين ينتقدون الدولة المصرية على شاشات القنوات التي تقول القاهرة إنها بتمويل وتوجيه رسمي تركي، بمقابل ظهور إعلاميين وصحافيين مصريين على وسائل إعلام حكومية وشبه حكومية، تنتقد السلطات التركية، وتتهمها بتمويل الإرهابيين وإيوائهم.

وفي 2014، أقرت السلطات المصرية قواعد جديدة للسفر إلى تركيا، تتضمن ضرورة الحصول على الموافقة الأمنية للشباب ما بين سن 18 عاما و40 عاما، “تخوفا من انضمامهم إلى جماعات إرهابية تتواجد على الأراضي التركية”.

*العنوان والنص لقناة الحرة الأمريكية

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد