اللاجئون السوريون و أصل العلة

يستخلص من مراجعة بعض التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة أن موضوع اللاجئين السوريين لن يشهد أي انفراجات حقيقية، بل إن العكس قد يكون صحيحا.

وإذا كانت الأعمال الحربية قد أنتجت هذه الأزمة الإنسانية التي لها انعكاسات اقتصادية واجتماعية وسياسية، فإن الحل لا يكمن في توقف هذه العمليات، بل في حل سياسي يأخذ بالاعتبار كل الأسباب التي سبق لها وأشعلت الثورة في سورية، ذلك أن إفساد الثورة بالتطرف والإجرام لا يعني، بأي شكل من الأشكال، إفسادا لأحقية مسبباتها.

ويبين التدقيق في التقارير الأممية أن المسؤول الأول عن تفاقم أزمة اللاجئين، كما عن نشوئها، هو النظام السوري الذي ـ خلافا لما يروجه من يحميه ومن يحارب من أجله ومن يواليه ـ بقدر ما يصبح أكثر قوة بقدر ما تتعقد هذه الأزمة.

ووفق المعلومات المتوافرة من أكثر من مصدر ومن مرجعية، فإن الأمم المتحدة وتاليا كبريات الدول، لن تتحرك في موضوع حل أزمة اللاجئين السوريين، إلا في هدى خطة موضوعة ومتفق عليها تقضي بإجراء انتخابات عامة في سورية يشارك فيها اللاجئون السوريون بحماية الأمم المتحدة مما يسمح بانتقال السلطة وإعادة تأسيس الأجهزة الأمنية السورية بما يلائم حرية المواطن، وحينها يتم رصد أموال إعادة إعمار البلاد التي توفر فرص عمل للعائدين إلى سورية.

وعلى الرغم من أن “خارطة الطريق” هذه تبدو بسيطة على الورق إلا أنها في الواقع تكاد تكون مستحيلة التنفيذ، طالما أن الواقع العسكري يصب لمصلحة النظام القائم حاليا.

وسبق لستيفان دي مستورا، المبعوث الأممي إلى سورية، أن كشف أن بشار الأسد رفض مرارا وتكرارا أن يشارك اللاجئون السوريون في أي انتخابات عامة، أي في اللبنة الأولى في صرح الحل المنشود. وأشار دي مستورا إلى أن أحدا لا يمكنه القبول بذلك.

ومعلوم أن حوالي ربع الشعب السوري تقريبا يعتبر لاجئا، إذ تضم سجلات الأمم المتحدة أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون سوري.

ووفق جميع المعنيين بالشأن السوري، فإن بشار الأسد يريد أن يشرك فقط من يوالونه أو من يسيطر عليهم بالخوف في أي انتخابات تأسيسية.

ويلاحظ هؤلاء ومن ضمن هذا الإطار، أنه كلما تعزز موقع الأسد العسكري كلما اتخذ تدابير توسع الهوة بين حقوق المقيم تحت سيطرته وبين حقوق النازح إلى مناطق مستقلة عنه واللاجئ إلى الخارج.

ولا يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن بشار الأسد يقف حائلا دون إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، وكأنه يقود عملية “ترانسفير سياسية”، ستطبع بفظائعها القرن الحادي والعشرين.

ووفق المراجع الدبلوماسية طلب دي مستورا، المتعاطف مع الشكوى اللبنانية من التأثيرات الكبرى لأزمة النازحين، من الأسد التدخل للمساهمة في إعادة السوريين إلى المناطق التي باتت تحت سيطرته والقوى المحاربة لمصلحته لكنه رفض ذلك متحججا بأن الكثير من هؤلاء يشكلون بيئة حاضنة لعودة الإرهاب.

ولما جرى التدقيق في ما يعنيه الأسد، جرى إبلاغ المتحركين على هذه الخط، أن الأسد لن يسمح بإعطاء أي ضمانة لأي لاجئ سوري، إذا لم تتوافر له أدلة كافية بأنه يؤيد نظامه ويواليه، من دون قيد أو شرط.

ويبدو جليا أن المجتمع الدولي الذي وقف مكتوف الأيدي تجاه النظام السوري ويتهمه بأنه مسؤول عن 80 بالمئة من الضحايا الذين سقطوا منذ 7 سنوات حتى تاريخه، لن يشارك في أي عملية تعيد اللاجئين السوريين إلى مناطق سيطرة الأسد، من دون ضمانات حقيقية توفر لهم عيشا آمنا.

تأسيسا على ذلك، فإن ارتفاع أصوات المؤيدين لبشار الأسد حول وجوب إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يمكن تصنيفها أقله إلى قسمين، الأول “شعبوي” ويستهدف تحقيق أرباح سياسية وانتخابية، والثاني “متواطئ” وهدفه إيهام غير العارفين بأن ما يعانونه من تأثيرات بسبب أزمة اللاجئين لا تكمن أسبابها مطلقا في أصل العلة بشار الأسد، الذي يفعل كل شيء، وبالقضم، لتكريس تخلصه من الوجود البشري لمن يعارضه، في مقابل توفير ظروف توطين من يحارب لمصلحة تأبيد نظامه.

فارس خشان – قناة الحرة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها