في السويد .. لاجئون مسنون أمام ” عقبة التكيف “

تلوذ الفئات الأكثر ضعفاً عادة بخيار اللجوء هرباً من الحروب والنزاعات، ومن تلك الفئات، المسنون الذين يجدون أنفسهم وسط دوامة الفوضى التي تضرب بلدانهم من دون أن يكون لديهم قدرة الصمود في الظروف الاستثنائية.

وقد اختار المسنون من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بلدان أوروبا، وتحديداً الإسكندنافية منها لتكون مستقرهم، نظراً إلى سمعتها الجيدة في مجال الرعاية الصحية والاهتمام بحقوق المتقاعدين.

لكن وعلى رغم ذلك، لا يبدو أن حسابات كثر منهم كانت في محلها، إذ سرعان ما اصطدموا بقوانين وبيروقراطية لم يتخيلوا أن يواجهوها. ووفق إحصاءات وزارة الهجرة السويدية، طلب أكثر من 2700 شخص في الـ65 سنة وما فوق اللجوء منذ عام 2015، منهم 175 شخصاً منذ مطلع العام الجاري.

ومن بين هؤلاء، اللاجئة الأفغانية بيبخال أوزبيكي التي تداولت وسائل الإعلام العالمية اسمها، بعدما رفضت مديرية الهجرة ملف اللجوء الخاص بها حين كانت تبلغ من العمر 106 أعوام بدعوى أنها أتت من منطقة آمنة في بلدها، قبل أن تمنحها محكمة تصريحاً موقتاً للبقاء بسبب «الظروف الاستثنائية» المتعلّقة بعمرها.

وتقول أم عبدالرحمن (سورية، 74 سنة): «اخترنا السويد لما سمعناه من تطور في العناية الصحية واحترام متطلّبات كبار السن. كسوريين هجرنا وطننا ومنازلنا وفي ظل دمار المستشفيات هناك، لم نكن نطمع إلى شيء سوى بعض الرعاية والكرامة في سنوات عمرنا الأخيرة».

وتضيف: «فوجئنا بتعقيدات لا تنتهي وقوانين غير مفهومة. فمثلاً، مدة الانتظار لرؤية الطبيب تصل إلى ما لا يقل عن أسبوعين وأحياناً شهرين في فصل الصيف بسبب الإجازات. وحتى في حالة الطوارئ، يجب المبيت في المستشفى يومين أو ثلاثة حتى يصلني الدور لإجراء الفحوصات اللازمة».

وفي تقرير لمجلس الخدمات الاإجتماعية نشر العام الماضي، فإن مريضاً من أصل عشرة يبقى نحو 7 ساعات أو أكثر في غرفة الطوارئ حتى يراه الطبيب المناوب، في حين ينتظر المسنون فترة أطول. وعزا المجلس طول مدة الانتظار إلى ضعف النظام في إدارة التدفّق غير المنتظم للمرضى، فضلاً عن ازدحام عنابر عموماً ووجود نسبة كبيرة من الأطباء المتدرّبين.

ومن المعروف أن السويد تعاني نقصاً في الكادر الطبي والتمريضي، الذي يعود خصوصاً إلى هجرة الأطباء السويديين إلى النروج، ما دفع البلاد إلى استقدام أطباء أجانب. لكن المهاجرين منهم يعانون من مشكلة اعتماد شهاداتهم التي تستغرق معادلتها مدة تتراوح بين عام وعامين، وقد لا يتم المصادقة عليها أبداً.

أما من الناحية المالية، تمنح «سلطة شؤون التقاعد» ما يعرف بـ «منحة إعالة المسنين» للاجئين من خارج بلدان الاتحاد الأوروبي وليس راتباً تقاعدياً. إذ إن سن التقاعد هو 64 سنة لمن عمل في السويد فحسب، بحيث يحصل على الراتب التقاعدي من المبالغ التي استقطعت من مدخوله الشهري خلال عمله داخل المملكة الإسكندنافية. وتقدّر المنحة بما يعادل نحو 444 يورو في شكل ثابت شهرياً لحاملي الإقامة، يضاف إليها نسبة محددة لما يتوجّب دفعه لايجار المنزل والفواتير.

ويقول محمد (عراقي، 73 سنة): «من الطبيعي ألا يكون المبلغ زائداً عن حاجتنا، إلا أنه يكفي لتلبية متطلّباتنا في الحد الأدنى. فهنا، لا يوجد مفهوم معوز أو جائع».

ويضيف منوّهاً: «لا يمكننا إنكار أن هناك مستوى من الرعاية الصحية لم نكن لنحصل عليه في بلداننا أو حتى في بلدان أوروبية أخرى.

فهم يهتمون بأدق التفاصيل مثل المراجعات الدورية وزيارة الممرضة إلى المنزل أو توفير سيارة أجرة بسعر رمزي لنقل المريض من باب بيته إلى باب المستوصف أو العيادة. صحيح أن هناك بيروقراطية قاتلة، وقد يتحدّث بعضهم عن منح اهتمام أكبر للسويديين على حساب اللاجئين، إلا أن التفاصيل الأخرى مهمة لنا كمسنين».

وتغيب البرامج الاجتماعية أو حتى الترفيهية التي تملأ وقت اللاجئين المتقاعدين عن مشاريع الأجهزة الحكومية، ما يُعده أبو عمر (سوري، 66 سنة)، مجحفاً.

ويقول: «لم نأتِ إلى السويد من أجل حفنة من النقود أو السكن في منازل مهترئة. لنا اهتماماتنا كبشر وصلنا إلى مرحلة عمرية تتطلّب عناية من نوع خاص. لكن لا يبدو أن المخططين في وارد التفكير بمشكلاتنا وهمومنا الاجتماعية أو النفسية. هناك نظرة نمطية بأن تأمين مبلغ مالي وسرير هو جلّ ما يطمح إليه اللاجئ أياً كان عمره».

وتعترف أليس أندرسون، الموظفة في صندوق التقاعد، بوجود خلل في هذا الجانب، لكنها تؤكّد أن ذلك «ليس من صلاحيات الهيئة». وتوضح أن «الضغط على الموارد البشرية والمالية الذي ولّده العدد الكبير للاجئين لربما منع الحكومة من إنشاء برامج من هذا القبيل موجهة إلى المسنين. فالأولوية تأتي لتوفير الاستقرار والأمان للمهاجرين».

وفي كل الأحوال، يظهر أن صعوبة تكيّف اللاجئين المسنين مع وضعهم الجديد لا تخرج من إطار معضلة بقية فئات اللاجئين في السويد. وقد يحمل هذا التكيّف معه إيجابيات وسلبيات قد يزيد عمقها في الاتجاهين نتيجة عامل العمر.

رؤوف بكر – صحيفة الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها