الأمريكيون يتجهون لتناول الحشرات للمساهمة في إنقاذ كوكب الأرض

العام الجديد هو الوقت المناسب لاتخاذ قرارات توجِّهنا نحو سلوك أفضل، بالنسبة لبعض الأشخاص، يبدأ شهر يناير/كانون الثاني 2019، بقرار الامتناع عن شرب الكحول، في حين يقرر آخرون الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية، وبالنسبة لعدد متزايد من الأشخاص، يعني أكل الحشرات.

ولماذا؟ يقول الناس عموماً إنَّهم يفعلون ذلك من أجل صحتهم ومحاولة إنقاذ الكوكب.

تحتوي صراصير الليل والديدان والجراد على نسبة عالية من البروتين والمعادن، وتستهلك عملية إنتاجها موارد أقل بكثير من اللحم الحيواني، يشيع أكل الحشرات بصورة كبيرة في أجزاء أخرى من العالم، إذ يأكلها عدد يُقدر بنحو ملياري شخص حول العالم. وتُمثّل في بعض الأحيان تجربة طعام رائعة في دول مثل المكسيك وتايلاند، فلطالما كانت الحشرات عنصراً أساسياً في وجباتهم الغذائية على مدار قرون.

تتمثَّل المشكلة بالنسبة لاتجاه أكل البشر للحشرات بالولايات المتحدة، في أنَّ الكثير من الأشخاص يعتقدون أنَّها مقززة، لكن هناك مؤشرات على أنَّ تناول الحشرات يتسلل إلى النظام الغذائي بأمريكا، بما في ذلك مدينة سياتل، فعادة ما يُباع الجراد المحمص في مباريات فريق البيسبول الأمريكي “The Seattle Mariners”، ويطوّر بعض الطهاة الجريئين في نيويورك وصفات طعام خاصة بتناول الحشرات، ويمكنك الحصول على علبة حشرات صالحة للأكل (واحدة من العلامات التجارية تُسمى Chirps) تصلك إلى باب منزلك.

ووفق ما اوردت شبكة “مرصد المستقبل”، وصل اتجاه تناول الحشرات إلى مجال التكنولوجيا الشخصية، إذ أضاف مؤخراً تطبيق رائج للصحة واللياقة البدنية يُدعى Lifesum المعلومات الغذائية الخاصة بالحشرات إلى قائمة الحمية الغذائية الخاصة به، حتى يستطيع المستخدم تتبّع السعرات الحرارية التي يستهلكها من الحشرات.

يحتوي تطبيق Lifesum أيضاً على وصفة طعام مقترحة لتحضير وجبة حشرات (شطائر التاكو المكسيكسة بحشوة الجراد)، وجدير بالذكر أنَّ التطبيق ذاته كان في صدارة المواقع الرائجة في مجال التدوين بشأن الصحة البيئية، إذ يَسمح لأعضائه بتتبع عدد السعرات الحرارية التي يحرقوها في أثناء الهرولة والتقاط القمامة.

تحاول الشركة فعل الشيء نفسه مع تناول الحشرات، وتأمل بشكل أساسي دفع الناس نحو شيء جيد لمصلحة كوكب الأرض، إذا استطاعوا استساغته، ووفقاً لتقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، فالحشرات التي يجري تنشئتها في المزارع تنتج 1% من الغازات الدفيئة التي ينتجها القدر نفسه من الأبقار أو الخنازير في المزارع.

وقال الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة Lifesum، لصحيفة The Washington Post الأمريكية، هنريك تورستنسون: “نحن نبحث دائماً عن اكتشاف ما يحدث في عالم الطعام، نحاول فعل شيء مثير للاهتمام وليس مجرد شيء بدائي”.

تقول شركة Lifesum إنَّ لديها 30 مليون مستخدم، غالبيتهم يعيشون في الولايات المتحدة، وتبيّن نتائج أولية أنَّ الأشخاص يبدأون ببطء في استخدام الجزء المتعلق بالمعلومات الغذائية عن الحشرات الموجود في التطبيق. لم تصدر الشركة أرقاماً دقيقة، لكنَّها قالت إنَّ معظمهم من النساء الشابات في المناطق الحضرية، اللواتي يقمن بتضمين بعض وصفات تناول الحشرات في نظامهنَّ الغذائي. وشبَّه تورستنسون تناول الحشرات بأن تكون نباتياً قبل 20 عاماً.

وقال تورستنسون: “تناول الحشرات ينتشر بصورة أكبر خارج العالم الغربي، إنَّه يستفيد من توجهات ضخمة في الغذاء والصحة”، مضيفاً: “إذا عدتَّ بالزمن إلى الوراء 20 عاماً إلى منتصف التسعينيات، فلو كنت حينها نباتياً، لكان سيُنظر إليك باعتبارك شخصاً غريب. ثمة تشابهات مع أكل الحشرات”.

وفقاً لأشخاص يأكلون الحشرات، فإنَّ المدخل لأكل الحشرات هو صراصير الليل، وغالباً ما تكون مُجفّفة ومطحونة على شكل مسحوق، ثم يأتي أكل الحشرات كاملة بهيكلها الخارجي وجميع أجزائها، وفي مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية، عام 2017، ظهرت المُمثّلة الأمريكية أنجلينا جولي مع أطفالها وهم يطهون ويأكلون الرتيلاء وبعض الحشرات في كمبوديا، وهي اللحظة التي احتفل بها عُشّاق أكل الحشرات.

يُمكن إضافة مسحوق صراصير الليل المطحونة إلى معظم الأطعمة، سواء مطبوخة أو نيئة، وهذا يساعد الأشخاص على تخطي عامل الشعور بالقرف من أكل كائن كان حياً في السابق وكان يبدو مثل كائن فضائي صغير.

قالت جوي نيمرسون (24 عاماً)، التي تعشق تناول الحشرات وتعيش في مدينة نيو هيفين بولاية كونيتكت الأمريكية: “إذا قلت لنفسي في أثناء مرحلة الدراسة الإعدادية إنني سأكون يوماً ما آكلة للحشرات، كنت على الأرجح سأصرخ”.

الآن، تحاول جوي طهي وصفات طعام بالحشرات نحو مرتين في الأسبوع. وقالت إنَّ “أكل الحشرات يُشكّل جزءاً كبيراً من هويتي”.

قبل أسبوع من عيد الشكر، حضرت جوي فعالية باسم “BugsGiving” في بروكلين، شارك في استضافتها الطاهي والمؤيد لتناول الحشرات الصالحة للأكل البشري، جوزيف يوون، الذي أعد وجبة كاملة مكونة من 10 أصناف باستخدام الحشرات في كل صنف.

وقالت جوي إنَّها حاولت نشر أكل الحشرات كأسلوب حياة، بما في ذلك وصفة مفضّلة تعدّها للأصدقاء والعائلة، وهي عبارة عن بيتزا مكوَّنة من ثلاث طبقات تحتوي مسحوق صراصير الليل المطحونة في العجين ثم صلصة البيتزا الحمراء، وترش الديدان فوق البيتزا. وتستخدم أيضاً مسحوق صراصير الليل ضمن وصفتها لعمل لفائف القرفة. وقالت إنَّ المسحوق ليس له مذاق قوي، ربما به نكهة أرضية بعض الشيء كتلك الموجودة في النباتات الجذرية، لكنَّه يحتوي على نسبة عالية من البروتين.

وأردفت: “بمجرد أن تبدأ وتنخرط (في أكل الحشرات)، سيكون الأمر سهلاً للغاية. بالنسبة لي، فإنَّ أجمل شيء في تناول الحشرات هو ذلك المنظور التطوري، الذي يجعل الأمر منطقياً للغاية. فإذا كنت تعتقد أنَّ الإنسان أصله قرد، فالقرود تأكل الكثير من الحشرات”.

وأوضحت أنَّ الأمر يستغرق بعض الوقت للتعود عليه، حتى تصل إلى مرحلة تناول صراصير ليل وجراد كاملة، بسبب إحساس المضغ والطحن بالأسنان.
تشبّه جوي مذاق صراصير الليل بالبندق، في حين قالت إنَّ الجراد له مذاق دخاني، وللديدان طعم مثل الدجاج، وشبَّهت مذاق النمل بالليمون، بينما قالت إنَّ بيض النمل لاذع المذاق.

وقالت إنَّها لا تستخدم تطبيق Lifesum، لكنها تعرف مَزارع Entomo، وهي مزرعة كندية لتربية الحشرات، ودخلت في شراكة مع شركة Lifesum. تُربّي المزرعة نحو 100 مليون صرصور ليل كل 6 أسابيع في منشآت يطلقون عليها اسم شقق، بالإضافة إلى تربية الديدان.

قال رئيس مجموعة مزارع Entomo، جارود غولدن، إنَّ صراصير الليل التي يربّونها لديها دورة حياة طبيعية مدتها ستة أسابيع، وتُجمع في نهاية تلك الدورة.
يرى غولدن مستقبلاً كبيراً لاتجاه أكل الحشرات، واصفاً تلك الممارسة بأنَّها “مصدر الغذاء الأكثر استدامةً على كوكب الأرض”، وأشار إلى أنَّ اهتمام المستهلكين يتزايد مع مرور الوقت بمعرفة المصدر، الذي يأتي منه طعامهم وتأثيره على البيئة وصحتهم.

وأضاف: “الطريقة التي ينظر بها المستهلكون إلى الطعام تتغير. هم ينظرون إلى البيانات الغذائية، التي تؤدي بهم إلى الصحة والسلامة، وهذا يدفع المستهلكين إلى قراءة البيانات الغذائية الخاصة بالطعام الذي سيأكلونه”.

وأوضح غولدن، الذي يشارك شقيقه هذا العمل التجاري، أنَّه لا يربي الحشرات فقط باعتبارها نشاطاً تجارياً عائلياً، بل يتناولها هو وعائلته يومياً بحماسة واستمتاع، مرجعاً الفضل في نظامه الغذائي، الذي يصفه بأنَّه يمدَّه بطاقة ووظائف أمعاء أفضل، إلى تناول صراصير الليل. وغالباً ما تبدأ عائلته يومها صباحاً بمشروب حليب الصويا المضاف إليه مسحوق صراصير الليل.

وقال غولدن: “تطهو زوجتي معظم طعام العائلة. وعندما تخبز كعك وفطائر أو كوكيز برقائق الشوكولا، عادة ما ترش داخل العجين مسحوق صراصير الليل المطحونة. يحدث الأمر تقريباً بالطريقة نفسها التي تستخدم أنت بها الملح، إذ تستطيع وضع قليل من الملح في أي شيء”.

في الواقع، توجد مطحنة فلفل مليئة بصراصير الليل المحمصة على طاولة غرفة طعامه، بحيث يُمكن لأي شخص إضافة مزيد من مسحوق صراصير الليل إلى الوجبة.

وقال غولدن إنَّ عائلته تتناول صراصير الليل الكاملة محمصة ومبهرة كوجبات خفيفة، وإنَّ ابن أخيه في سن المدرسة لديه عادة مثيرة للاهتمام في الصباح: فإذا كان يأكل وجبة حبوب الإفطار المكوَّنة على سبيل المثال من حبيبات الأرز المُحلّى المطحون، يلقي عدداً من صراصير الليل المحمصة الكاملة في وعاء الطعام مع الحليب، لإضافة قرمشة وبروتين.

ويجادل غولدين بأنَّه ما من شيء مقزز في ذلك، قائلاً: “الطعام المقزز هو الطعام غير الصحي، لكن الغذاء، الذي يعزز الصحة، لا يمكن وصفه بذلك، فهو العكس تماماً”.

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها