قناة أمريكية : سوق سوداء للخبز .. واقع يعيشه السوريون في ظل كورونا

يعيش الشعب السوري أزمة خانقة جراء الحرب المحتدمة في البلاد منذ عام 2011، لم تزدها أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد حول العالم سوى تعقيدا وخطرا على أرواح أناس هم في دائرة الخطر أصلا.

وبينما شارفت اقتصادات كبرى على الانهيار أمام عجزها عن مواجهة كافة الأحمال التي ألقتها أزمة تفشي كورونا على عاتقها، تطرح تساؤلات عدة عن مصير اقتصاد استنزفته حرب مستمرة منذ حوالي عقد من الزمن، وشعب لا موارد كافية لديه.

وأمام كورونا، تقاوم مستشفيات كثيرة في سوريا رفع راية الاستسلام رغم أن واقع الحال يقول إن أسرتها ومعداتها الطبية متخمة بجرحى الحرب المتواصلة، ولا مكان فيها يتسع لأي فيروسات مستجدة غير تلك التي تجلبها النزاعات.

وفي ظل الأزمة المركبة، باتت القدرة الشرائية، المتدنية أصلا لدى فئة كبيرة من المجتمع السوري، شبه معدومة، وزاد الأمر تعقيدا استغلال بعض التجار لقلة الموارد ورفع الأسعار، ما خلق سوقا سوداء لأساسيات الحياة، حتى الخبز، وفقا لتقرير نشره المرصد السوري لحقوق الإنسان.

ولم تكتف بعض أطراف النزاع بالأزمة المركبة، إذ تشن هجماتها في مناطق المستشفيات والمرافق الطبية، دون اكتراث لفعلها الذي سيزيد الأمر تعقيدا في ظل تفشي فيروس كورونا.

بل وتحاول بعض أطراف النزاع إعاقة أي إجراءات احترازية قد تسهم بالحد من تفشي فيروس كورونا في مناطق نفوذها.

ورصد المرصد اندلاع اشتباكات عنيفة بين الشرطة الموالية لتركيا من جهة، وفصيل “أحرار الشرقية” من جهة أخرى، على خلفية قيام الطرف الأول بإطلاق الرصاص في سوق مدينة الباب لإجبار أصحاب المحال التجارية على إغلاقها بقوة السلاح، في ظل الإجراءات الاحترازية لمنع تفشي فيروس “كورونا”، لتصيب إحدى الرصاصات “المسؤول الأمني” في أحرار الشرقية أثناء مروره في مكان وقوع إطلاق النار وترديه قتيلا.

على إثر ذلك استنفرت قوات من فصيل “أحرار الشرقية” وهاجمت مواقع للشرطة الموالية لتركيا المتمركزة في محيط مشفى الباب، وتسببت الاشتباكات بوقوع 10 جرحى على الأقل من كلا الطرفين، وسط توتر تشهده المنطقة في ظل وصول تعزيزات عسكرية لفصيل “أحرار الشرقية” إلى مدينة الباب، قادمة من مدينة عفرين.

الخبز في السوق السوداء

وعادت أزمة الخبز ضمن مناطق نفوذ “النظام السوري” للتفاقم مجدداً، حيث تعاني كافة المناطق تلك من أزمة خانقة لعدم توفر مادة الخبز بشكل أساسي وارتفاع جنوني بأسعار المواد الغذائية في ظل انهيار الليرة السورية المتواصل، متأثرة بأزمة انتشار فيروس “كورونا” العالمية والتي أثرت سلباً على حياة المدنيين ضمن مناطق النظام بسبب إغلاق الحدود مع لبنان والأردن والعراق، وهي الدول التي يعتمد عليها النظام بشكل أساسي لإدخال المواد الأساسية في واقع مأساوي.

ومن أقصى جنوب سوريا وصولا إلى محافظة حلب، يضطر المواطن للوقوف على طابور طويل لما يقارب الساعتين مقابل أن يحصل على ربطة الخبز.

ويعود سبب الأزمة أيضا إلى ضعف الإنتاج مقارنة بالحاجة بسبب عجز النظام عن تأمين العملة الأجنبية لاستيراد مادة الطحين، في حين يضطر المواطن في بعض الأحيان إلى شراء “ربطة” الخبز من السوق السوداء إذا وجدت بسعر يترواح ما بين 500 ليرة سورية ويصل في بعض الأحيان حتى 750 ليرة، أي ما يقدر بدولار إلى دولار ونصف.

ويأتي ذلك في ظل توقف شبه كامل لأعمال المواطنين بسبب قيود فرضتها حكومة النظام للحد من انتشار وباء “كورونا”.

ومقارنة بدخل المواطن المحدود يصبح المواطن القابع ضمن تلك المناطق غير قادر على التعايش مع الحياة في ظل شح المواد الغذائية وغلاء فاحش بسبب احتكارها من قبل التجار، وفقدان دوائر النظام التموينية السيطرة على السوق السوداء.

الجدير بالذكر، بحسب المرصد، هو أن المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري تعاني من أزمات داخلية متراكمة تتفاوت حدتها من وقت لآخر (كالمحروقات والخبز وحليب الأطفال وغيرها)، وسط عجز عن إيجاد حلول جذرية لها جراء الانهيار الاقتصادي.

ويجدر بالذكر أيضا أن ازدحامات الحصول على الخبز تأتي في الوقت الذي يزعم فيه النظام اتخاذ إجراءات تفشي فيروس “كورونا”.

نقص حاد في التجهيزات الطبية
ونقل المرصد أن مناطق سيطرة الفصائل والجهاديين شمالي غربي سوريا تشهد، نقصا حادا في التجهيزات الطبية وإجراءات الوقاية من انتشار وباء “كورونا”، من حيث عدد الأسرة في المشافي والنقاط الطبية.

وتحوي تلك المشافي مجتمعة على ما يقارب 200 سرير مخصص للعناية المشددة، و95 “منفسة (جهاز تنفس)” للبالغين، في حين إن جميع تلك المعدات مشغلة بنسبة 100 في المئة لأمراض مختلفة، وفقا لتقرير المرصد.

ويبلغ عدد أسرة المشافي 3065 سرير، أي أن حصة كل 1592 مواطن هي سرير واحد فقط، وهو ما ينذر بكارثة حقيقية تلوح في الأفق في حال انتشار وباء “كورونا” المستجد ووصوله إلى تلك المناطق.

وفيما تعمل الفرق الطبية والمنظمات بجهود كاملة ضمن الإمكانات المتاحة لديها، لا يوجد لدى المشافي الكوادر الطبية والمعدات الكافية لمواجهة هذه الكارثة التي تجتاح العالم.

كما كانت إحدى المنظمات قدمت للمختبر الوبائي الوحيد في مدينة إدلب ثلاثة أدوات اختبار للتحاليل الخاصة باختبار PCR للكشف عن الفيروس، وهي تكفي لفحص 300 شخص فقط، بينما يوجد في إدلب نحو أربعة ملايين إنسان.

وشهدت النقاط الطبية والمشافي نقصا في الدعم الطبي المقدم لها، تزامنا مع الحملة العسكرية الأخيرة على إدلب، في حين خرجت معظم المشافي عن الخدمة بينما أصبحت بعض منها داخل مناطق سيطرة النظام، وبقيت المشافي على الشريط الحدودي شمالي إدلب وغربها.

أما في مناطق شمال حلب الخاضعة لنفوذ الفصائل الموالية لتركيا، اتخذت سلسلة إجراءات وقائية تتمثل بإغلاق الجامعات والمعاهد وإلغاء تجمع الأسواق وفض التجمعات.

وذكر المرصد أن المشافي في منطقتي “درع الفرات” و “غصن الزيتون” تشهد اهتماما أكبر من حيث الخدمات المقدمة والنقاط الطبية واستخدام أجهزة الكشف عن الحرارة في مشافي الراعي وإعزاز شمال حلب، فيما تم تعليق العمل بالعيادات في معظم المشافي والاكتفاء بالحالات الساخنة فقط.

وأفادت مصادر طبية للمرصد السوري بأنه تم إجراء أكثر من 10 فحوصات لأشخاص يشتبه بإصابتهم بالعدوى، ولم يسجل حتى الآن أي إصابة، حيث كانت نتائج الفحوصات سلبية.

وتجري الفحوصات اللازمة للكشف عن مصابين “كورونا” للأشخاص الراغبين بالدخول والخروج من شمال حلب إلى مناطق سيطرة تحرير الشام والفصائل في إدلب عبر معبري الغزاوية ودير بلوط، كذلك تجري عمليات تعقيم وغسيل في مناطق التجمعات وأبواب المؤسسات العامة ومراكز النقل.

وبحسب المرصد، فالإجراءات لا تزال ضعيفة مع وجود مئات الآلاف من النازحين في المخيمات، التي تتعايش بطريقة جماعية وتتشارك في استخدام الحمامات ومياه الشرب وغيرها من الخدمات وغياب دور التوعية الصحية التي غيبت ثقافة الوقاية الذاتية من انتشار الوباء.

ودعا المرصد “جميع الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية والطبية لتقديم يد العون بشكل كامل واتخاذ كافة التدابير الاحترازية لمنع تفشي هذا الوباء في تلك المناطق التي تضم أكثر من أربعة ملايين مدني أجبرتهم العمليات العسكرية على الوجود ضمن بقعة جغرافية صغيرة تفتقر لأدنى مقومات العيش”.

*العنوان والنص لقناة الحرة الأمريكية

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها