دويتشه فيله : كيف تطورت الحياة اليهودية في ألمانيا بعد الهولوكوست ؟

مع أكثر من 200 ألف شخص، وفيما يتزايد هذا العدد، تعتبر الجالية اليهودية في ألمانيا الوحيدة في أوروبا التي ينمو عددها بسرعة، وهذه حقيقة مدهشة بالنظر إلى عملية الإبادة شبه الكاملة لليهود التي وقعت في ألمانيا خلال الهولوكوست.

تم تحرير حوالي 15000 يهودي ألماني المولد من قبل قوات الحلفاء بعد الحرب، ونجا معظمهم من خلال الاختباء والبعض الآخر تم إنقاذه من معسكرات الاعتقال، وكان لدى العديد ممن بقوا في ألمانيا شريك حياة أو والد غير يهودي ما مكن من استمرار ارتباطهم بالدولة، وربما سهل التعافي والاندماج إلى حد ما لاحقاً.

وعُقد المؤتمر اليهودي العالمي أول تجمع له بعد الحرب في تموز 1948، حيث أصدر قرارًا يعبر بوضوح عن “تصميم الشعب اليهودي على عدم الاستقرار مرة أخرى على أرض ألمانيا الملطخة بالدماء”.

يوضح أنتوني كاودرس، أستاذ التاريخ في جامعة كيلي في المملكة المتحدة، أن “بعض الذين بقوا في ألمانيا قد نجوا بمساعدة الألمان غير اليهود، ورفضوا أن يساووا بين جميع الألمان في تحمل ذنب ما جرى لليهود، وكان آخرون ببساطة أكبر سنًا أو أضعف من أن يهاجروا”.

وكان اليهود في ألمانيا يتألفون من مجموعتين متميزتين للغاية: اليهود الذين ولدوا في ألمانيا، والذين كان معظمهم مندمجين للغاية مع المجتمع، أما المجموعة الثانية فكانت من اللاجئين اليهود النازحين من دول أوروبا الشرقية الذين وجدوا أنفسهم في ألمانيا عن غير قصد، وكان لديهم موارد محدودة ومعرفة محدودة باللغة الألمانية.

غادر أكثر من 90% من اللاجئين اليهود الذين وصلوا إلى ألمانيا البلاد في غضون 3 إلى 4 سنوات، واتجه معظمهم إلى الولايات المتحدة ودولة إسرائيل التي تأسست حديثًا، فيما بقي حوالي 15000 منهم فقط على الأراضي الألمانية.

وأصبح العديد من يهود أوروبا الشرقية في نهاية المطاف من الألمان المتجنسين، وهم حديثو العهد بالدولة، حيث اعتمدوا على المجتمع كنظام دعم لاحتياجاتهم الدينية والاجتماعية والثقافية.

وفي تموز عام 1950، وحدت الجماعات المتباينة قواها وأنشأت منظمة جامعة لتمثيلها: المجلس المركزي لليهود في ألمانيا، وأدى هذا الإصرار الجريء من الجالية اليهودية الألمانيةإلى تعاون براغماتي من جانب المؤسسات اليهودية الدولية.

وقال المجلس اليهودي العالمي “WJC” عند تأسيس المجلس المركزي الألماني: “بينما كان رأي وسياسة المؤتمر اليهودي العالمي تقضي بأنه على اليهود مغادرة ألمانيا، فإن أولئك الذين اختاروا البقاء في ألمانيا سيحصلون على المشورة بكل سرور”.

وبحلول عام 1954، أصبح لدى المجلس اليهودي العالمي والعديد من المنظمات اليهودية الدولية الأخرى علاقات تعاون وثيقة مع المجلس المركزي الألماني.

وفي غضون ذلك، ظلت معاداة السامية مشكلة في ألمانيا، إذ أشار تقرير صدر في كانون الأول 1946 عن ذلك نشره الجيش الأمريكي أن 18% من الألمان ما زالوا “معاديين متطرفين للسامية”، وأن 21% “معادون للسامية”، وفي عام 1947، أظهر استطلاع للرأي أن أكثر من ثلث الألمان شعروا أنه من الأفضل ألا يكون هناك يهود في ألمانيا.

ويقول المؤرخ كاودرس إن الأجواء تغيرت عندما اتخذت حكومة ألمانيا الغربية موقفاً ضد معاداة السامية، “من أجل التغيير، كانت الحكومة تحارب معاداة السامية رسميًا، وهذا بالطبع ما أحدث فارقًا كبيرًا، وهذا شيء لم يره اليهود من قبل في ألمانيا أو دول أوروبا الشرقية التي نشأوا فيها، وقد منح ذلك لليهود في ألمانيا نوعاً من الأمن”.

وتم تشكيل دولتين ألمانيتين على أنقاض الرايخ الثالث: جمهورية ألمانيا الديمقراطية (ألمانيا الشرقية/ GDR)، وهذه كانت ضمن الكتلة الشرقية المتحالفة مع الاتحاد السوفيتي، وجمهورية ألمانيا الاتحادية المتحالفة مع الغرب (المعروفة باسم ألمانيا الغربية )، وفي كل منهما، كان الاندماج الناجح لليهود في المجتمع يعتبر اختبارًا حقيقيًا.

وانجذب العديد من اليهود أصحاب المثل السياسية واليهود من أصل ألماني إلى الشرق في البداية، وفي هذا السياق، تقول عالمة الاجتماع والكاتبة إيرين رونغ، والتي انتقلت مع والديها في عام 1949 عندما كانت طفلةً صغيرةً من الولايات المتحدة إلى ألمانيا: “لم يأت أحد ليعيش كيهودي في ألمانيا الشرقية، لقد أرادوا العيش كشيوعيين”، وتضيف: ” لقد اضطهدوا في أنفسهم كل شيء يمت إلى اليهودية بصلة”، وترى رونغ أن هذا كان “السبيل الوحيد للعيش في ألمانيا الشرقية، وكان عليك أن تظل مركزًا على الهدف السياسي، وكان الموقف من هذه المسألة يقول: “لن نسمح للألمان أن يبقون بمفردهم في هذا البلد، سنجعلها دولة أفضل من أي وقت مضى”.

وعلى الورق، كان الوجود اليهودي في ألمانيا الشرقية غير موجود تقريبًا، حيث كان عدد أفراد المجتمع اليهودي المسجلين في الخمسينيات من القرن الماضي نحو 1500 شخص فقط.

وعندما أقامت إسرائيل وألمانيا الغربية العلاقات الدبلوماسية عام 1965، كان ذلك بمثابة خطوة مهمة إلى الأمام، وأخذت الجالية اليهودية في ألمانيا على عاتقها مهمة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين.

“بالنسبة لليهود الألمان، أكثر من غيرهم من اليهود الآخرين، وبسبب الهولوكوست، أصبحت إسرائيل مهمة جداً، وكانت هناك دائمًا فكرة العيش مع حقائب السفر، بمعنى أنه إذا ساءت الأمور، فسوف نغادر بعيداً”، كما يشرح كودرس في إشارة إلى أهمية إسرائيل كوطن بالنسبة لهم.

وأدى تدفق المهاجرين بعد حقبة الاتحاد السوفيتي إلى تنشيط المجتمعات اليهودية، ومع مرور العقود، نشأ الجيل الثاني والثالث الذي لم يعد ينظر للعيش في ألمانيا كحل مؤقت.

لكن التحول الأكثر أهمية حدث مع تفكك الاتحاد السوفيتي أواخر عام 1991، ذلك أنه بعد فتح الحدود بين شرق وغرب ألمانيا وكذا الحدود السوفيتية، هاجر ما يقرب من 220 ألف يهودي من الاتحاد السوفيتي السابق إلى ألمانيا، التي أعيد توحيدها حديثًا، وتم منحهم وضع اللجوء.

وأدى تدفق “اليهود الروس” إلى تنشيط المجتمع الراكد وأنقذه من الانهيار الديمغرافي، لكن اندماجهم في المجتمع شكل أيضًا تحديات كبيرةً، لأن معظم الوافدين الجدد كانوا أكثر علمانية من المجتمعات التقليدية المحلية.

واليوم، يشكل اليهود المولودون في الاتحاد السوفيتي وذريتهم الأغلبية الساحقة من يهود ألمانيا.

واستقر يهود قدموا من دول غربية مثل الولايات المتحدة وكندا والأرجنتين وإنجلترا في ألمانيا على مدار العقدين الماضيين، خاصةً في برلين، التي يرون أنها وجهة جذابة للحياة الشخصية والترقي المهني.

وبالإضافة إلى ذلك، وصل ما يقرب من 15000 إلى 20000 شاب إسرائيلي ممن تلقوا تعليماً عالياً ويحسبون على التوجه العلماني ولهم ميول يسارية سياسية، ويرتبط العديد من هؤلاء بالناجين من المحرقة، ويحمل بعضهم جنسيات أوروبية من خلال آبائهم وأجدادهم، مما يسهل استقرارهم في ألمانيا.

لكن ظلال معاداة السامية لم تختف بعد، وقبل فعاليات هذا الأسبوع المخطط لها للاحتفال بـ1700 عام من الحياة اليهودية في ألمانيا، كشف تقرير جديد للشرطة عن ارتفاع في معدلات جرائم الكراهية المعادية للسامية، مع أكثر من 2275 حادثة في عام 2020.

ويقول المؤرخ كاودرس إن انتقال اليهود إلى ألمانيا اليوم والذين نجا أجدادهم من الهولوكوست وفروا هو تحول تاريخي صارخ، “في الحقيقة إنه من الرائع أن يتواجد الإسرائيليون في برلين الآن، دون الشعور بالذنب، تظهر التعددية في المجتمع الإسرائيلي، والألماني أيضًا.. أننا تجاوزنا أوقات الحرب”.

شاني روتزانيس – دويتشه فيله

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها