دويتشه فيله : إلى أين وصلت ألمانيا في معالجة ماضيها الاستعماري في أفريقيا ؟

تلمس نياتا هيشونو كل يوم آثار الاستعمار الألماني في نامبيبا من خلال تجولها في عاصمة البلاد ويندهوك، فالكثير من الأشياء بالمدينة ما تزال شاهدة على حقبة الاستعمار الألماني، مثل وجود شوارع تحمل أسماء ألمانية ومحلات ألمانية وأيضاً كنيسة المسيح التي بنيت في عصر الاستعمار، دون نسيان الفصل المظلم لتلك الحقبة والذي يتمثل في الإبادة الجماعية للهيرو والناما على يد الألمان، وهي مسألة يعرفها الجميع في ناميبيا.

وإذا كان الناس في ناميبيا يعرفون حقاً تاريخ الاستعمار الألماني لبلادهم، فإن الأمر مختلف بالنسبة للألمان، كما تقول هيشونو، التي ترأس “المعهد الوطني للديمقراطية”، وهو مؤسسة غير حكومية، وتوضح هيشونو ذلك، بالقول في مؤتمر هامبورغ للدراسات الأفريقية: “الناميبيون يعلمون الشيء الكثير عن الاستعمار، لأنهم يشاهدون ذلك كل يوم.. في ألمانيا نسى الناس أن البلاد كانت لها مستعمرات، لأنه لا يوجد أي شيء يشير إلى ذلك في حياتهم اليومية”.

ويبدو أن الحكومة الألمانية أيضاً مدركة لهذا الأمر، وهو ما أكده وزير الدولة في وزارة الخارجية، ميشيل مونتيفيرينغ، خلال جلسة للبرلمان الألماني في شهر تشرين الثاني الماضي، بالقول: “عشنا لفترة طويلة في ألمانيا على وهم أن حقبة الاستعمار الألماني مرت بأقل الأضرار وأنها لم تكن طويلة حتى تخلف أضراراً حقيقية”.

الإمبراطورية الألمانية تحولت بشكل متأخر نسبياً إلى قوة استعمارية، فاحتلال ألمانيا لأولى المناطق في أفريقيا لم يبدأ إلا في 1880، وبعد الخسارة في الحرب العالمية الأولى، اضطرت ألمانيا لترك تلك المناطق.

واستغرق الأمر حوالي 100 عام حتى قبلت الحكومة الألمانية بمواجهة ماضيها الاستعماري، ففي 2018 اتفقت أحزاب الائتلاف الكبير، في عقد تشكيل الحكومة، على ضرورة معالجة الماضي الاستعماري للبلاد، لأن آثار ذلك ما تزال ظاهرة، حتى ولو لم يلاحظها أحد في الحياة اليومية، فالشوارع والآثار تذكرنا بجرائم الاستعمار الألماني.

وحتى القوى الاستعمارية السابقة تطالب بتحف فنية موجودة في المتاحف الألمانية، تمت سرقتها في عهد الاستعمار.

ويقول وزير الدولة، مونتيفيرينغ: “لقد حققنا تقدماً بهذا الخصوص في هذه الدورة التشريعية”، والحكومة الألمانية طبقت بالفعل مجموعة من الإجراءات، على سبيل المثال أصبح لدى المتاحف الألمانية إرشادات بخصوص كيفية التعامل مع الممتلكات الاستعمارية المنهوبة، وتم إنشاء نقطة اتصال مركزية للتواصل مع المستعمرات السابقة التي ترغب في استعادة الأشياء التي ضاعت منها، وحتى الحكومة لم تعد سلبية بهذا الخصوص، فقد دعت وزيرة الدولة للثقافة، مونيكا غروتيرس، إلى لقاء لبحث طريقة التعامل مع التحف الفنية المعدنية المعروفة باسم “برونزيات بنين” الشهيرة، والتي تعتبر من التحف المنهوبة في عهد الاستعمار وتطالب نيجيريا باستعادتها.

أيضاً المتاحف والمحفوظات قامت بإعادة بعض الرفات البشرية التي تم إحضارها لألمانيا في الحقبة الاستعمارية من أجل تجارب طبية مشبوهة، كما بدأت مدن في تغيير أسماء بعض الشوارع التي تكرم شخصيات استعمارية سابقة، آخرها كان شارع “فيسمان” في برلين، الذي يذكر بهيرمان فون فيسمان، الذي قام بشكل دموي بقمع انتفاضة ضد الاستعمار الألماني في مناطق شرق أفريقيا، التي كانت تحتلها ألمانيا.

ورغم ذلك، ترى الناميبية هيشونو أن “التاريخ الاستعماري ما يزال يلعب دوراً ثانوياً فقط في السياسة الألمانية”، وهو ما يظهر على سبيل المثال في التعامل مع الكثير من الجرائم الاستعمارية، فمنذ 2015 تتفاوض ألمانيا وناميبيا حول اعتذار ألماني عن الإبادة الجماعية التي تعرض لها هيريرو وناما، ولحد الآن بدون نتيجة، كما أنه لا يوجد قرار من البرلمان الألماني بهذا الخصوص.

ونفس الشيء ينطبق على قضية الاستعمار الألماني لتنزانيا، ففي شباط الماضي، طالب سفير تنزانيا في برلين، عبد الله بوسي، الحكومة الألمانية بتعويضات حتى يمكن “للألمان أخيراً تحمل المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان في الحقبة الاستعمارية، وأن يأخذوا ما حصل في بلادنا في الماضي على محمل الجد”، بحسب ما أوضح السفير التنزاني في حوار مع صحيفة “تاغس شبيغل”، الصادرة في برلين.

ويقصد بوسي بالانتهاكات الألمانية حرب “ماجي ماجي”، وهي انتفاضة ضد الاستعمار الألماني بين 1905 و1907، وذهب ضحيتها 250 ألف شخص.

وبعد نشر هذه المقابلة، صرحت وزارة الخارجية الألمانية أن الحكومية التنزانية لم تتقدم بطلب رسمي لألمانيا بهذا الخصوص، وبعدها اختفى هذا الموضوع من وسائل الإعلام.

ويرى خبراء أن هناك حاجة ملحة لاهتمام أكثر بتاريخ ألمانيا الاستعماري في المدارس، ويوضح المؤرخ المتخصص في الحقبة الاستعمارية يورغن تسيمرر ذلك في مؤتمر نظمه معهد “GIGA”: “الكثير من طلبتي لا يعلمون في بداية تعليمهم الجامعي أي شيء عن أفريقيا والاستعمار، وبالمقابل، هناك طلبة آخرون يعرفون ذلك جيدا لأنهم درسوا على يد أساتذة جيدين”، ويضيف تسيمرر: “في المناهج التعليمية يتم تناول ذلك في ساعة أو ساعتين”.

بدورها، تطالب الناميبية هايشاتو بتخصيص حيز أكبر للتاريخ الاستعماري في المدارس الألمانية، لكن يبدو أن هذا الأمر لن يكون سهلاً، لأن سياسة التعليم هي من مسؤولية كل ولاية وليس الحكومة الاتحادية.

دانيل بيلتس – دويتشه فيله

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها