غموض دوافع هجوم فورتسبورغ تثير الانتقادات في ألمانيا

مقتل ثلاث نساء وإصابة سبعة آخرين، هي حصيلة هجوم الطعن الذي شنه شاب صومالي يبلغ من العمر 24 عاماً، يوم الجمعة الماضي، في مدينة فورتسبورغ الألمانية.

والحادث صدم ألمانيا وأثار جدلاً واسعاً كان قد خمد إلى حد ما في ظل جائحة كورونا والانشغال بالانتخابات القادمة، والجدل الحالي يدور بشكل أساسي حول كيفية التعامل مع أعمال العنف التي يرتكبها طالبو لجوء مسلمون، وبعد مرور ثلاثة أيام على الحادث، ما تزال التحقيقات جارية للكشف عن دوافع الجاني الحقيقية خلف هذا الهجوم الدموي.

ويتولى خبراء في العلوم الإسلامية حالياً تقييم مقتنيات المشتبه به، والتي تم العثور عليها في ملجأ للمشردين، وقال متحدث باسم المكتب الإقليمي للشرطة الجنائية، الاثنين، في ميونخ: “لا نستطيع القول الآن أننا اقتربنا من الانتهاء من التقييم”، موضحاً أن من بين المقتنيات المضبوطة هاتفين، وقال في إشارة إلى المشتبه به: “نرجح أن هذين الهاتفين يخصانه”، ولم يذكر المتحدث طبيعة المقتنيات الأخرى التي يجري فحصها وتقييمها الآن، ولذلك، فإنه ليس من الواضح ما إذا كان قد تم العثور على كتابات يمكن أن تشير إلى دافع سياسي وراء الجريمة.

وحتى إعداد هذا التقرير لم تُعرف دوافع الجاني بعد، وما زالت التكهنات تتأرج بين أن يكون الرجل مختلاً عقلياً أو مريضاً نفسياً، كما يشتبه المحققون، لكن يجري التحري عما إذا كانت دوافع المشتبه به نتيجة تطرف، فقد عثر المحققون على سجّلات تظهر أن الرجل يتلقى العلاج في مصحة للأمراض النفسية، فيما أشارت السلطات إلى أن الجاني ليس إسلامياً معروفاً لديها، لكن أحد الشهود قال إنه هتف “الله أكبر” أثناء الهجوم، ما أثار تساؤلات حول دوافعه.

ومن جانبه، قال وزير داخلية ولاية بافاريا، يواخيم هيرمان، إن الشرطة ما زالت تبحث في الأدلة وبينها هاتفان محمولان، وفي الوقت ذاته شدد على أن “الأدلة على وجود تطرف إسلامي محتمل والدلائل على احتمال وجود خلل نفسي لدى الجاني يمكن ألا تتعارض”.

ومن جانبها، ذكرت مجلة “دير شبيغل” على موقعها الالكتروني أن المشتبه به قال خلال استجوابه إن ما قام به يندرج في إطار “الجهاد”.

وقالت صحيفة “بيلد دايلي” إن الشرطة عثرت على مواد دعائية صادرة عن تنظيم الدولة الإسلامية في صندوق قمامة مأوى للمشردين أقام فيه المشتبه به، بيد أن الأجهزة الأمنية رفضت تأكيد ما جاء في التقريرين.

ومسألة عدم تحديد دوافع الجاني حتى الآن، أثارت بدورها الكثير من الانتقادات في ألمانيا.

والخبير في شؤون الإسلام السياسي، أحمد منصور، قال في مقابلة له مع صحيفة “بيلد” الألمانية، الاثنين: “تنقص شجاعة تسمية وتحليل أعمال العنف المرتكبة من قبل غير الألمان ومشاكل الاندماج لدى مجموعات معينة من المهاجرين المسلمين”، وأضاف بأن الموقف السائد في الطيف السياسي اليساري، هو الرغبة في حماية جميع المهاجرين والمسلمين.

ورئيس بلدية توبنغن، بوريس بالمر، قال في تصريح للصحيفة: “الأمر ينقصه التحليل الصريح”، وفي حالة جرائم القتل اليمينية المتطرفة مثل تلك التي وقعت في هاناو في شباط عام2020، “يصنف اليمين الجاني على أنه فرد مضطرب عقلياً، بينما اليساري على أنه نظام”، ويقول بالمر إنه في حالة جرائم القتل التي يرتكبها طالبو لجوء، فإن العكس هو الصحيح.

وتورستن فراي، نائب رئيس كتلة الاتحاد المسيحي (الحزب الديموقراطي المسيحي الذي تنمي له المستشارة أنغيلا ميركل والحزب الاجتماعي الديموقراطي البافاري)، قال: “المهاجرون من ثقافات ذكورية متعصبة، يكون لديهم مستوى تعليمي ضعيف ويصلون في سن مبكرة، يرتبطون بمعدل جريمة مختلف بشكل كلي عن أولئك المؤهلين تأهيلاً عالياً من أوروبا أو الولايات المتحدة الأمريكية”، وأضاف بأن على جميع القوى السياسية في ألمانيا الآن خلع “نظاراتها الوردية”.

ومن جابنها، حذرت الخبيرة في شؤون الاندماج، دوزين تيكال، من عدم تحديد دوافع إسلامية واضحة خلف مرتكب الجريمة في فورتسبورغ، وأضافت أن هذا الأمر يجعل المشكلة أكبر، وأضافت: “يجب ألا نسمح للخوف من تحويلنا إلى دمية في أيدي اليمينيين المتطرفين”.

ومن جانبه، تحدث وزير الداخلية البافاري يواخيم هيرمان عن “شك كبير” في وجود خلفية إرهابية إسلامية للعمل الدموي، وقال مساء الأحد في برنامج “بيلد لايف”، يجب انتظار المزيد من التحقيقات، كما دعا رئيس حزب الناخبين الأحرار ونائب رئيس الوزراء البافاري هوبرت أيفانغر إلى “نظام رقابة أكثر صرامة” ومراجعة إجراءات الحماية الفرعية للاجئين المشتبه بهم.

وأظهرت تسجيلات مصورة انتشرت على الإنترنت مارة، يحمل بعضهم كراسي، أثناء محاولتهم منع تقدّم المهاجم، وذلك قبل أن تحضر الشرطة وتسيطر عليه لاحقاً بإطلاق النار على الجزء الأسفل من جسمه.

وأحد هؤلاء “الأبطال”، كما وصفتهم وسائل إعلام ألمانية، هو طالب اللجوء الإيراني، شيا ربيعي (42 عاماً)، الذي تصدرت صوره مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الجرائد المحلية، لكونه كان من أوائل من حاولوا إيقاف المشتبه به.

وقال المواطن الكردي – الإيراني في برنامج “بيلد لايف” لموقع “بيلد”: “لم أفكر في الخطر”،  وتابع: “لم أفكر إلا في إيقافه حتى لا يصاب أي شخص آخر”.

وقد أثنى وزير الداخلية الاتحادي هورست زيهوفر بقوة على ما وصفه بـ “التدخل الشجاع للرجال والنساء الشجعان”، الذين وبفضلهم “تمّ منع الأسوأ”، والشيء ذاته عبّر عنه رئيس وزراء بافاريا ماركوس زودر، معتبراً أن ما قام به رجال حاولوا السيطرة على المشتبه به الرئيسي في تنفيذ الهجوم الذي راح ضحيته ثلاث نساء وجرح سبعة آخرين من بينهم طفلة في الحادية عشرة من العمر، “تدخلاً شجاعاً”، وتوجه بالشكر، معرباً عن “احترام كبير” لهم.

بينما يستغل اليمين المتطرف وأنصاره مثل هذه الجرائم ويربطونها بالمهاجرين، لكن ماذا تقول الأرقام عن علاقة الهجرة بالجريمة؟.

وفق إحصاءات أجراها المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية (BKA)، نشرها موقع “فوكوس” الألماني، فإن هجرة طالبي اللجوء كان لها أيضاً تأثير على وضع الجريمة في ألمانيا في عام 2020، فقد أحصت الشرطة الألمانية ما مجموعه حوالي 2000 جريمة قتل من عام 2016 إلى 2020 تم فيها الاشتباه بمهاجر واحد على الأقل، والأمر يتعلق بجميع جرائم القتل أو محاولات القتل، بما في ذلك القتل العمد والقتل بسبب الإهمال، والجناة أو المشتبه بهم هم من طالبي اللجوء أو الحاصلين على الحماية الفرعية أو تصريح بالإقامة مع وقف الترحيل، غير أن عدد الجرائم الجنائية وعدد المشتبه بهم من المهاجرين “يتناقص بشكل واضح”، وفي عام 2020، سجل ما مجموعه 253 ألف و640 جريمة تورط فيها مهاجر واحد على الأقل، أي 8,6% من إجمالي 2,96 مليون جريمة وقعت في ألمانيا، ومقارنةً بعام 2019، يمثل هذا انخفاضاً بنسبة 4,7%، وبلغت نسبة المهاجرين المشتبه بهم 136 ألف و588 مشتبها به، من إجمالي 1,86 مليون مشتبهاً به في عام 2020، أي 7,3%، مقارنةً بالعام السابق، ما يعني انخفاضاً بنسبة 9,5%.

ويفسر خبراء من المكتب الاتحادي للشرطة هذا التراجع في عدد الجرائم بشكل عام على أنه نتيجة تأثيرات جائحة كورونا والقيود التي فرضت على التواصل والحركة، وإن هذه التأثيرات “غيرت هيكل مسرح الجريمة”، وهذا ينطبق بشكل خاص على جميع الجرائم التي يشتبه فيها بمهاجرين، مثل “السرقة والإيذاء الجسدي والتنقل بدون تذكرة”. (DW)

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها