ألمانيا و روسيا .. شبح 2014 يعود و يهدد ” خطة المستقبل “

اتسمت العلاقات بين ألمانيا وروسيا بالتأرجح على مدار العقود الأخيرة، ومن مرحلة الشراكة والتعاون في تسعينيات القرن الماضي، إلى مرحلة المقاطعة والعقوبات، في أعقاب احتلال روسيا شبه جزيرة القرم التابعة لأوكرانيا عام 2014.

وعادت العلاقات مرةً أخرى، بالإعلان عن مشروع خط الغاز “نورد ستريم 2″، الذي ينقل الغاز مباشرةً من روسيا إلى ألمانيا، عبر بحر البلطيق خلال عام 2017.

وتعيد أزمة أوكرانيا، التي تفاقمت مؤخرًا، التوترَ بين موسكو وبرلين من جديد، عقب طرد متبادل للدبلوماسيين، وتصريحات حادة بين البلدين.

وأعلنت الخارجية الروسية، الاثنين، طرد دبلوماسيين ألمانيين، كأول رد فعل على طرد برلين دبلوماسيين روسييْن الأسبوع الماضي.

ولم تكتف روسيا بهذا الإجراء فحسب، بل استدعت السفير الألماني لديها للتعبير عن استيائها من قرار طرد اثنين من موظفي سفارة موسكو، مؤكدةً أن موقف ألمانيا عدواني، ولن يبقى دون رد مناسب.

وفي المقابل، اعتبرت الخارجية الألمانية قرار طرد دبلوماسييها لدى روسيا بالموقف غير المبرر، منوهةً بأن الأمور مع موسكو تزداد تعقيداً من جراء هذا الموقف.

وفي أول خطاب له أمام البرلمان الألماني، شدد المستشار الألماني أولاف شولتس من لهجته بشأن الأزمة الأوكرانية، محذرًا روسيا من دفع ثمن باهظ إذا اجتاحت أوكرانيا، خاصةً مع نشر دبابات ومدرعات قتالية ومركبات وحوالي 100 ألف جندي روسي قرب الحدود الروسية-الأوكرانية.

واتفق خبيران سياسيان، خلال حديثهما لموقع “سكاي نيوز عربية”، على اهتزاز العلاقة بين موسكو وبرلين من جراء الأزمة الأوكرانية، وتغيير الحكومة الألمانية، مؤكديْن أن التوتر لن يمتد إلى المشاريع الاقتصادية المشتركة.

ويشير السياسي الألماني حسين خضر إلى أن العلاقات الألمانية-الروسية متنوعة، وطغت عليها انتهاكات موسكو للقانون الدولي بضمِّها لشبه جزيرة القرم، والتحركات في شرق أوكرانيا، إضافةً للدور الروسي في الهجمات الإلكترونية على البرلمان الألماني “بوندستاغ”، ما أدى لتعليق المشاورات الحكومية الثنائية السنوية منذ عام 2014.

ويضيف: “جاء رد الاتحاد الأوروبي وقتها بفرض عقوبات اقتصادية على روسيا، ومنعت الأخيرة استيراد بعض المنتجات الزراعية من دول الاتحاد”، منوهًا بأهمية الحوار بين البلدين، خاصةً أن ألمانيا أهم شريك تجاري لروسيا بعد الصين، حيث تصدر موسكو لألمانيا النفط والغاز الطبيعي، وتستورد منها منتجات الهندسة الميكانيكية والمركبات.

ويرى المحلل السياسي طارق زياد وهبي أن تغيير الأغلبية الحاكمة في ألمانيا أدى لتغيير في وجهات النظر السياسية، حتى بالرغم من أن المستشار الحالي شغل منصب وزير المالية والاقتصاد، منوهًا ببقاء الوضع هكذا حتى تستقر السياسة الخارجية الألمانية تجاه روسيا.

ويوضح أن الحزب المسيحي الديمقراطي جعل ألمانيا قوة صناعية أولى أوروبيًّا، حيث كانت المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل ترى علاقتها مع روسيا بالمفهوم الثنائي الذي أساسه الاقتصاد، لذا كانت المبيعات الألمانية هي الأعلى في دول الاتحاد دون منازع، بينما ألمانيا ترزح تحت خيارات الاتحاد الأوروبي في إصدار العقوبات ضد موسكو.

وعن مسار العلاقات بين موسكو وبرلين، يُرجِع وهبي توتر العلاقات لعدم سير المستشار الألماني بنفس النهج، نظرًا لأن المكون الأساسي للحكومة الاشتراكي واليساري، المتمثل في الخضر بجانب الليبرالي، لن يقدم الاقتصاد على حقوق الإنسان والديمقراطية.

ويجد خضر أن الصراع بات واضحًا بشكل متزايد بين شركاء التحالف الحاكم، وما يزال باب الحوار مفتوحًا من جانب الاتحاد الأوروبي مع روسيا، والذي يجب أن يتم بمشاركة قوية من شركاء ألمانيا في أوروبا الشرقية والوسطى لتخوفهم من تحركات روسيا.

وفي الوقت الذي تحشد فيه موسكو قواتها بنقل صواريخ باليستية وقطع مدفعية ودبابات من سيبيريا إلى الحدود مع أوكرانيا، ينفي الكرملين أي خطط للغزو.

واتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتن الولايات المتحدة بالوقوف وراء التوترات في أوروبا، مشددًا على أن بلاده لن تسمح للناتو بنشر صواريخ في أوكرانيا.

ويشير وهبي إلى رفض ألمانيا للضغط الروسي على أوكرانيا، التي تعد الحديقة الخلفية لألمانيا وأوروبا، مؤكدًا أن سياسة بوتن لم تتغير في الضغط العسكري لتعويض الضعف السياسي في الحوارات المشتركة، والعودة لأساليب الحرب الباردة التي لم تعد صالحة لإيجاد حلول.

وحملت تصريحات المسؤولين الألمان تحذيرات من تأثر مشروع الغاز، وأكد شولتس أن تشغيل خط الغاز يتعين التوافق مع القانون الأوروبي، بينما هددت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، بوقف المشروع، إذا لم تنفذ مبادرة نورماندي في منطقة “دونباس”، ما دفع نظيرها الروسي سيرغي لافروف لتجديد المطالبة بضمانات أمنية وقانونية لعدم توسع الناتو شرق أوروبا.

وحذر نائب المستشار ووزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك من عواقب وخيمة على مشروع الغاز في حال حدوث انتهاك جديد لأراضي أوكرانيا.

وتوقعت الهيئة الناظمة للطاقة في ألمانيا، أن عملية الموافقة على “نورد ستريم 2” تستمر حتى النصف الثاني من عام 2022، انتظارًا للمستندات اللازمة لإتمام عملية المصادقة، رغم انتهاء المشروع في أيلول الماضي.

ويرى خضر أنه من الخطأ استبعاد إنهاء مشروع “نورد ستريم 2″، في حالة وقوع هجوم على أوكرانيا، فهو مشروع تابع للقطاع الخاص، وله أهمية اقتصادية وبيئية، موضحًا اتفاق الأحزاب الحاكمة في ألمانيا على بدء العمل في “نورد ستريم 2″، مع استيفاء جميع المتطلبات الوطنية والأوروبية.

ويلمح خضر إلى أن التخوفات تتعلق بأن المشروع سيربط روسيا بألمانيا مباشرة، وستعتمد ألمانيا والاتحاد الأوروبي على روسيا، مع احتمالية استخدام الأخيرة الغاز كورقة ضغط سياسية.

ويتفق وهبي مع الرأي السابق، بأن ملف الغاز “نورد ستريم 2” لن يتأثر، رغم تصريح المستشار الألماني بأن المشروع كان خطأ، فالالتزامات من كلا الطرفين وفقًا لنص الاتفاق التجاري سارية، وقد تشهد في المستقبل تحسينًا لشروط الاستيراد. (SKYNEWS)

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها