دويتشه فيله : ألمانيا تختبر مجدداً قدرتها على استيعاب مزيد من اللاجئين

تفاقمت معضلات اللجوء في ألمانيا على ضوء تدفق مزيد من اللاجئين منذ بداية العدوان الروسي على أوكرانيا. وظهر ذلك في غياب عدد كافي من الموظفين لمعالجة ملفاتهم، إضافة إلى وصول قدرات الإيواء إلى حدودها القصوى.

ويواجه هذا التدفق ردود فعل تتراوح بين التفهم والرفض. موضوع تتفاعل معه أوساط واسعة في المجتمع الألماني، فقد استوعبت ألمانيا ما لا يقل عن مليون لاجئ من أوكرانيا منذ بداية الحرب. يذكر أن الأوكرانيين لم يضطروا لتقديم طلبات لجوء، وحصلوا على حماية مؤقتة فورية على أساس خاص بالاتحاد الأوروبي. ويهيمن هذا الموضوع على اهتمامات العديد من المنابر الإعلامية والبرامج الحوارية التي تركز على مدى قدرة المجتمع الألماني على استيعاب مزيد من اللاجئين. وظهرت عناوين تتساءل عما إذا كانت ألمانيا قد وصلت لحدودها القصوى من حيث قدرتها على استيعاب كل هذه التدفقات من اللاجئين.

وإذا كان سكان غرب البلاد منقسمون بين مؤيد ومنتقد لسياسة الهجرة في بلدهم، فإن سكان الشرق (ألمانيا الشرقية سابقا) لهم رؤية أكثر ارتيابا تجاه الهجرة بشكل عام. وزاد الجدل الإعلامي والسياسي أمام الارتفاع المضطرد في تكاليف إيواء ورعاية اللاجئين. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “ميتلدويتشه تسايتونغ” الصادرة في مدينة هاله الألمانية (16 مارس/ آذار 2023) أن على “الحكومة الاتحادية تحمل مزيد من التكاليف والضغط أكثر على الاتحاد الأوروبي من أجل توزيع عادل للاجئين في أوروبا (..) فهذا التخفيف لشروط الإقامة هو مجرد إجراء مؤقت. إن استيعاب الأشخاص الباحثين عن الحماية في مساحة صغيرة لا يساعد في عملية الاندماج، بل يعمل على خلق النزاعات. في التسعينيات من القرن الماضي خرج المزاج الاجتماعي بشأن هذا الموضوع عن المسار بسبب نقاش مسموم شجّع، جزئيا على الأقل، على الهجمات المعادية للأجانب. يجب ألا يحدث ذلك مرة أخرى، فالقارب ليس ممتلئًا، وإنما منظم بشكل سيئ”.

دقت عدد من الولايات والمدن الألمانية ناقوس الخطر بالنسبة لتراجع قدرتها على إيواء لاجئين جدد، سواء من حيث إمكانيات الإيواء أو من حيث التكاليف الأخرى المترتبة على استيعابهم. ومن المتوقع أن تبحث الحكومة الاتحادية في برلين في مايو/ أيار المقبل مسألة توزيع تكاليف استقبال اللاجئين. وكانت وزيرة الداخلية نانسي فيزر قد رفضت أمام البرلمان الألماني “بوندستاغ” انتقادات وجهت لوزارتها بتجاهل مشاكل المدن والبلدات في استيعاب اللاجئين ورعايتهم. وأكدت السياسية المنتمية للحزب الاشتراكي الديمقراطي أن السبب الرئيسي لهذه الوضعية هو تدفق اللاجئين من أوكرانيا. وكانت الحكومة الألمانية قدمت 3.75 مليار يورو لدعم إيواء ورعاية اللاجئين العام الماضي. وكان العديد من رؤساء حكومات الولايات قد أوضحوا أنهم طالبوا الحكومة الاتحادية في برلين بالمساهمة مالياً بشكل أكبر في تكاليف استيعاب اللاجئين في البلديات.

وبهذا الصدد أوضح عمدة ولاية بريمن أندرياس بوفينشولته  لموقع “شبيغل أونلاين” (15 مارس 2023)، قائلا: “لا تزال الولايات والبلديات على استعداد لتقديم مساهمتها في اندماج اللاجئين، أي توفير الإيواء في الشقق وغيرها من الأماكن”. لكن بوفينشولته حذر من أنهم يصلون بشكل متزايد إلى حدود قدرتهم المالية،  واستطرد قائلاً: “لذلك أتوقع أنه على الحكومة الاتحادية أن تتحمل ليس فقط التكلفة الكاملة للإقامة، ولكن أيضًا، كما في عام 2015، معدلا ثابتا للفرد من حيث الإيواء والرعاية”. وفي سياق متصل، أوضح رئيس رابطة المدن الألمانية ماركوس ليفه في تصريح لصحيفة “زود دويتشه تسايتونغ” (15 مارس 2023) أن الضغط على المدن يتزايد كل يوم. وطالب بضرورة أن يُسفر الاجتماع المقبل لرؤساء وزراء الولايات عن نتائج ملموسة. في يناير/ كانون الثاني 2023، زاد عدد طلبات اللجوء المقدمة لأول مرة بأكثر من الضعف، مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي، فارتفع من 13.776 إلى 29.072 طلبًا.

توقعت دراسة ألمانية أن تدفق اللاجئين القادمين من أوكرانيا وبلدان أخرى سيضغط بشكل غير مسبوق على سوق السكن في ألمانيا. وأوضح موقع “أمبريكا ريغيو” أن تكون هناك حاجة إلى 600 ألف شقة إضافية بحلول نهاية العام الجاري (2023)، باعتبار أن أعداد أفراد الأسرة الأوكرانية يقدر في المعدل بحوالي 2.58 شخص. وقد تمكنت ألمانيا فعلا من إيواء حوالي مليون لاجئ أوكراني منذ بداية العدوان الروسي في فبراير/ شباط من العام الماضي، غير أن الدراسة افترضت وصول نصف مليون لاجئ إضافي خلال العام الجاري. وأظهرت الدراسة أن المدن متوسطة الحجم في ألمانيا ستنمو بصورة أعلى من المتوسط بسبب تدفق المواطنين الأوكرانيين.

وظهرت في الفترة الأخيرة مظاهرات للاحتجاج ضد إقامة مساكن حتى ولو مؤقتة، كما حدث في مدينة غرايفسفالد (ولاية مكلنبورغ فوربومرن بشمال ألمانيا)، حيث احتج 500 شخص ضد إقامة مساكن مؤقتة للاجئين في حيهم. وفي نهاية كانون الثاني/ يناير، أثارت أعمال شغب ضجة في اجتماع ضد بناء مساكن لـ 400 لاجئ في أوبال، وهي بلدة يبلغ عدد سكانها 500 نسمة في منطقة شمال غرب مكلنبورغ. ووفقا للشرطة، كان ممثلو الطيف اليميني المتشدد حاضرين أيضا.  كما ارتفعت دعوات تنتقد غياب تضامن أوروبي حقيقي لمواجهة هذه المعضلة.

أمام الطلب غير المسبوق على الإعانات الغذائية، فجعل بنوك الطعام في ألمانيا تصل إلى حدودها القصوى، بحسب وصف رئيسها. وفي تصريحات لصحف مجموعة “بايرن” الألمانية الإعلامية قال يوخن برول، رئيس مؤسسة “تافل”، وهي منظمة جامعة لبنوك الطعام في ألمانيا، إن المساعدين وصلوا “للحدود القصوى نفسيا وجسديا”، وأضاف: “ليس حلا أن يأتي الجميع إلى بنوك الطعام”، موضحا أن مرافق “تافل” لا تستطيع تغطية ما تقصّر فيه الدولة، وقال: “الدولة لديها ما يكفي، ولكن لا يتم توزيعه بشكل عادل”. وأضاف برول، بحسب ما نقلت كالة الأنباء الألمانية (د ب أ): “تدعم بنوك الطعام حاليا حوالي مليوني شخص، وهو عدد غير مسبوق على مدار تاريخنا الممتد منذ 30 عاما”.

وبحسب بياناته، فإن 32% من بنوك الطعام قد علقت استقبال منتفعين جدد العام الماضي بسبب نقص المواد الغذائية التي يمكن توزيعها على المعوزين. وأشار برول إلى أن المنتفعين من بنوك الطعام زادت نسبتهم في جميع أنحاء ألمانيا في المتوسط بحوالي 50%، وقال “هذه أرقام تبين بوضوح الوضع الحالي”. وأشار برول إلى ارتفاع عدد اللاجئين من أوكرانيا كأحد أسباب الزيادة، وقال برول “هناك أيضا أشخاص لم يعودوا قادرين على تغطية نفقاتهم بمفردهم بسبب ارتفاع الأسعار، ومن بينهم طلاب وعاطلون عن العمل، ومن بينهم أيضا الكثير من الأشخاص الذين لديهم عمل”.

ودعت برلين في أكثر من مناسبة إلى توزيع عادل للاجئين الأوكرانيين في دول الاتحاد الأوروبي، خصوصا في حالة امتداد الحرب لفترة أطول. وتخشى ألمانيا من تدفقات جديدة واسعة النطاق للاجئين من أوكرانيا. وإضافة إلى ألمانيا التي استقبلت أكثر من مليون من الأوكرانيين، استقبلت بولندا، التي يبلغ عدد سكانها حوالي 40 مليون نسمة، حتى الآن أكثر من 1.5 مليون لاجئ أوكراني. لكن بلدا كإسبانيا، التي يبلغ عدد سكانها 48.6 مليون نسمة، لم تستقبل سوى 160 ألف أوكراني فقط.

وإضافة إلى ذلك، تجدد الجدل بشأن ما إذا كانت أوروبا تتعامل بمكيالين من حيث تعاملها مع اللاجئين وفق ما إذا كان مصدرهم أوكرانيا أو بؤر توتر أخرى خارج القارة العجوز. وبهذا الصدد كتبت صحيفة “فاينانشال تايمز” اللندنية معلقة (الثالث من مارس/ آذار 2023):  “هناك وجهان للهجرة في الاتحاد الأوروبي. من ناحية، تم الترحيب بحرارة بـ 4.8 مليون لاجئ أوكراني فروا من الحرب. ومن ناحية أخرى، تحطم قارب رث على متنه 200 شخص قبالة الساحل الإيطالي الجنوبي، مما أسفر عن مقتل 67 شخصًا على الأقل، من بينهم 14 طفلاً. جاء الركاب من دول مثل أفغانستان وباكستان وسوريا. وتثير المصائر المتناقضة للأشخاص القادمين إلى الاتحاد الأوروبي اتهامات بازدواجية المعايير وصغر القلب، بل وحتى العنصرية”. (DW)

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها