وكالة تركية : حرب غزة .. ما دلالات زيادة عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن ؟
تزامنا مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة منذ أكثر من شهرين، أثار الانتباه إعلان السلطات الأردنية المتكرر إحباط عمليات تهريب وتسلل من سوريا، لا سيما مع تتابع الحالات في الأيام الأخيرة.
ومع انخراط الأردن في حراك سياسي ودبلوماسي لوقف الحرب وتداعياتها، في ظل التوتر بالضفة الغربية وأحاديث مستوطنين عن “تهجير محتمل” ترى فيه المملكة تهديدا وجوديا لها، وسبق أن اعتبرته بمثابة “إعلان حرب”، تنشط على الجهة الشمالية للبلاد محاولات التسلل والتهريب، التي يرى مراقبون أنها “استغلال” لانشغال عمّان بالقضية الفلسطينية.
وقد رفع الجيش الأردني جاهزيته بشكل ملحوظ عقب الأزمة التي شهدتها الجارة سوريا في 2011، وحافظ طوال تلك السنوات على منع تطاير شررها إلى المملكة، خصوصا في ظل حالة الانفلات الأمني وغياب سيطرة النظام في دمشق على المناطق الحدودية، ووجود مليشيات مسلحة تتبع جهات مختلفة.
لكن ذلك لم يمنع استمرار عمليات التهريب والتسلل من سوريا إلى المملكة، حيث يستخدم المهربون وسائل تقليدية وأخرى حديثة، عبر الأشخاص أو المواشي وصولا إلى المسيّرات، ما وضع الجيش الأردني تحت ضغط كبير جراء ارتفاع عدد المحاولات وتكرارها.
وفي الأيام القليلة الماضية، أحبط الجيش الأردني محاولات تسلل عدة من سوريا، أسفرت عن مقتل أحد عناصره وإصابة آخرين، وتصفية مجموعة من المهربين بعد اشتباك مسلح معهم.
وأمس الاثنين، أعلن الجيش الأردني اشتباكه مع مجموعات مسلحة أثناء عملية لإحباط محاولة تهريب مخدرات وأسلحة صاروخية وأتوماتيكية، عبر الحدود مع سوريا، في عملية هي الخامسة خلال أقل من أسبوع.
وذكر في بيان أنه تم قتل وإصابة عدد (لم يحدده) من المهربين، والقبض على 9، وضبط صواريخ وقناصات وألغام ضد الأفراد، وتدمير سيارة محملة بمواد متفجرة، مشيرا إلى أن التحقيقات كشفت عن “مخططات لاستهداف الأمن الوطني الأردني”.
وشهد الأردن في يوليو/ تموز الماضي، اجتماعا أمنيا مع مسؤولين من النظام السوري، لمواجهة التهريب عبر الحدود بين البلدين.
ومع تتابع تلك العمليات يوميا، تدور تكهنات بشأن أسباب ذلك، ومدى تأثير حرب غزة عليه، وفيما إذا كان لقوى إقليمية علاقة بذلك، وهو ما دفع مراسل الأناضول إلى الوقوف عند تلك الجزئية في حديثه مع خبراء ومحللين أردنيين.
وعلى هامش منتدى اللاجئين الذي عقد بجنيف، في 13 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، التقى وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وبحثا الأوضاع في سوريا.
وخلال اللقاء حذر الصفدي من “استمرار محاولات تهريب المخدرات والسلاح من سوريا إلى الأردن”.
وقال إن “المملكة ستتخذ كل الخطوات اللازمة لمنع استمرار هذا التهديد لأمن الأردن الوطني، بما في ذلك ضرب وملاحقة المجرمين الذين يعتدون على أمن الأردن أينما وجدوا”، وفق بيان لوزارة الخارجية تلقت الأناضول نسخة منه.
ويرى مراقبون أن حديث الصفدي مع عبد اللهيان عن التهريب من سوريا كان بمثابة “رسالة صريحة وواضحة” من عمّان بأنها تعلم تماماً من يقف وراء تلك العمليات، وعلاقة طهران بذلك.
المحلل العسكري والاستراتيجي هشام خريسات، بدوره، اتهم إيران بالوقوف وراء عمليات التهريب قائلا إنها “تريد شرقا أوسط غير مستقر؛ حتى لا ترتاح إسرائيل وتتفرغ لها”.
وبخصوص مسألة تهريب المخدرات من سوريا إلى المملكة، أشار إلى أن “الموضوع على الحدود ظاهره مخدرات، وباطنه محاولة تهريب سلاح أو حتى مرتزقة مجرمين؛ لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل من حدود الأردن”.
وأرجع خريسات ما تشهده حدود المملكة الشمالية إلى ضعف سوريا حاليا “فهي بلد مزّقته الحرب وحولته إلى دولة فاشلة”.
ولفت إلى أن “مستودعات عياش على حدود البوكمال (في دير الزور شرق سوريا)، تضم 3 آلاف صاروخ باليستي إيراني من طراز الفاتح 110 وقدر والقدس 3″، وفق تقديره.
واستطرد: “أيضا على معبر القائم (الحدودي مع العراق) هناك قاعدة الإمام علي الأكبر، وفيها 300 مسيرة إيرانية و5 آلاف رأس باليستي”، وفق خريسات، دون أن يتسنى للأناضول التأكد من مصادر أخرى.
وخلال العام الجاري، أسقط الجيش الأردني نحو 12 مسيرة قادمة من سوريا، كانت تحمل مواد مخدرة ومتفجرات، وفق رصد خاص للأناضول.
وبين خريسات، وهو عميد متقاعد ومتخصص بالشأن السوري، أن دخل دمشق من “مخدرات إيران وحزب الله والنظام السوري” يصل إلى مليارات الدولارات سنويا.
وأوضح أن “الموضوع ليس مخدرات وإنما إحراج الأردن وزعزعة أمنه واستقراره، لكن المملكة واعية ويقظة لكل هذه المؤامرات”.
من جانبه، قال المحلل السياسي عامر السبايلة، للأناضول إنه “يجب النظر إلى موضوع المخدرات بالنسبة للأردن مع تجاوز فكرة المردود المالي من وراء عمليات التهريب”.
وأوضح أن “عمليات التأسيس لشبكات عابرة للحدود ومخترقة للتركيبة الاجتماعية والجغرافية للمملكة، تهدف إلى تأسيس طرق تهريب للسلاح وخاصة النوعي منه”.
وتابع السبايلة: “ذلك يعني تحويل الأردن إلى محطة لتهريب السلاح إلى الضفة الغربية وإسرائيل ومن ثم إلى غزة، وهي عملية طويلة ومعقدة ويجرى العمل والتخطيط لها منذ سنوات طويلة”.
وزاد: “هذا يعني ضرب أمن الأردن مباشرة، وفي لحظة معينة فإن كثيرا من المليشيات والدول التي تتعرض لضغوط كبيرة من قبل الولايات المتحدة والمحور الغربي، قد تجد في المملكة محطة استهداف مهمة للمصالح الغربية والأمريكية”.
كما اعتبر السبايلة أن من بين أهداف تلك الجهات والدول التي لم يحددها هو “ضرب استقرار الأردن، خاصة مع وجود رغبة في استهداف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والتي يعد الأردن من أهمهم”.
وأردف: “لو نظرنا إلى المحور الإيراني وما يقوده من عمليات في سوريا والعراق سنجد تشابها لما يجري اليوم على حدودنا، وهناك تركيز كبير على الأردن لما له من ارتباطات بالجانب العسكري مع واشنطن”.
ويرتبط الأردن والولايات المتحدة بتعاون عسكري وثيق، وقد وقّع البلدان عام 2021 اتفاقية تعاون دفاعي، يوفر الأردن من خلالها أماكن حصرية للقوات الأمريكية تشمل 15 موقعا، وهذه الأماكن يتحكم الجانب الأمريكي بالدخول إليها، ويجوز لهذه القوات حيازة وحمل الأسلحة في الأراضي الأردنية أثناء تأديتها مهامها الرسمية.
وفي ظل خلاف واضح بين الولايات المتحدة وإيران بشأن عدة ملفات بينها غزة، فإن عديدا من الخبراء يعتقدون أن طهران تحاول الضغط على واشنطن من خلال حلفائها ومناطق وجودها بالمنطقة، كما يحدث في العراق وسوريا، إضافة إلى الأردن بالوقت الراهن.
تجدر الإشارة إلى أنه بالتزامن مع إعلان الجيش الأردني، مساء الاثنين، استمرار الاشتباك مع مسلحين على الحدود السورية، أجرى رئيس هيئة الأركان المشتركة للجيش الأمريكي تشارلز براون زيارة إلى العاصمة عمان، والتقى خلالها عاهل البلاد الملك عبد الله الثاني.
عيسى الشلبي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسين بن طلال (حكومية)، قال بدوره للأناضول، إن “هناك علاقة شبه مباشرة بين ارتفاع التهريب من سوريا إلى الأردن والحرب الدائرة حاليا في قطاع غزة”.
وأضاف: “ازدادت محاولات تهريب الأسلحة والمخدرات إلى المملكة، وبطرق مختلفة، خاصة أن الجنوب السوري يشهد تراجعاً ملحوظاً من الناحية الأمنية، إضافة إلى وجود مليشيات تابعة لإيران فيه، ما يسهل عمليات التهريب والتوسع بها”.
ولفت الشلبي إلى “مواجهات مسلحة بالجنوب اللبناني بين حزب الله وإسرائيل على خلفية أحداث غزة”.
وزاد: “لو أردنا الربط بين ارتفاع عمليات التهريب والحرب في غزة، سنلاحظ أن هناك محاولات إيرانية واضحة بهذا الصدد لفتح ثغرة تعزز من خلالها تسليح المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة، وبالتالي استمرار الحرب وتشتيت انتباه تل أبيب وحلفائها، وخاصة الولايات المتحدة”.
وما يرهق الأردن في مجابهة تلك العمليات، بحسب الشلبي، هو طول الحدود مع سوريا، والتي تصل إلى 375 كيلومترا، وما لها من تضاريس طبيعية ذات خصائص تشكل عائقاً أمام إدارة الحدود وضبطها على مدار الساعة.
ليث الجنيدي – الأناضول