أرقام حديثة تكشف : ألمانيا تواجه أزمة في نظام التدريب المهني مع تراجع الإقبال

يواجه نظام التدريب المهني الألماني، الذي كان يُعدّ لعقود نموذجًا يحتذى به عالميًّا، أزمة غير مسبوقة مع تراجع أعداد المتقدمين وارتفاع معدلات الانسحاب، ما يهدد بتفاقم النقص في العمالة الماهرة، خاصة في القطاعات الصناعية والحرفية. يانِّس، شاب في 17 من عمره من قرية دوبريكوف، اختار الالتحاق ببرنامج “أوسبيلدونغ” للتدريب المهني بدلًا من إكمال تعليمه الثانوي؛ فالبرنامج، الذي يمتد لثلاث سنوات ويجمع بين الدراسة والعمل الميداني، كان لسنوات بوابة الشباب نحو وظائف مستقرة، حتى إن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أشاد به في خطاب حالة الاتحاد، بحسب ما ذكرته “بلومبيرغ”.
لكن الأرقام الأخيرة تكشف تراجع جاذبية هذا المسار؛ إذ أظهر استطلاع لغرفة التجارة والصناعة الألمانية أن 48% من الشركات التي تقدم برامج تدريب مهني في عام 2024 لم تتمكن من ملء جميع شواغرها، فيما لم تتلق أكثر من ثلث هذه الشركات أي طلبات على الإطلاق، ما ترك نحو 25 ألف شركة من دون متدربين، خصوصًا في قطاعات الصناعة، الضيافة، النقل، التجزئة، البناء.
ويرجع الخبراء الأزمة إلى “عدم تطابق” بين طبيعة الوظائف وتطلعات المتقدمين، إضافة إلى بطء إدماج برامج التدريب على المهن الرقمية، وتردد الشباب في الالتحاق بوظائف معرضة للأتمتة أو النقل إلى الخارج. كما أسهمت التغيرات الديمغرافية في تفاقم المشكلة، مع انخفاض معدلات المواليد وارتفاع نسبة السكان فوق سن 40. وتشير الشركات إلى أن جودة المتقدمين قد تراجعت، إذ أفاد 73% منها بعدم العثور على مرشحين مؤهلين، وهو ما يؤكده ديرك شولتسه، صاحب ورشة النجارة التي يعمل بها يانِّس، قائلًا: “يمكنك الإعلان وفعل ما تشاء — لن تجد أحدًا بعد الآن”، وفق “بلومبيرغ”.
ويرى المعلمون في أكثر من 3,600 مدرسة مهنية أن النظام يعاني بطء تحديث المناهج، إذ قد يستغرق تنفيذ لوائح تدريب جديدة 3 سنوات بسبب الإجراءات البيروقراطية. كما أن تنوع خلفيات الطلاب، ووجود حاملي شهادات ثانوية أو جامعية، إلى جانب ارتفاع عدد غير الناطقين بالألمانية، يوسّع فجوة المعرفة داخل الصفوف. وتواجه المدارس أيضًا تحديات سلوكية، إذ أشار يانِّس إلى وجود شعارات يمينية متطرفة وسلوكات غير لائقة بين بعض زملائه، في حين تعاني مؤسسات أخرى نقص الكوادر وضغط العمل.
العامل المادي يمثل عقبة إضافية، إذ يتقاضى المتدربون في الشركات غير النقابية أجرًا قد لا يتجاوز 500 يورو شهريًّا، مقارنة بـ900 يورو في الشركات النقابية. وفي المناطق النائية، يشكّل ضعف وسائل النقل عائقًا أمام الوصول إلى مواقع التدريب، كما هو الحال في شركة “ألتيك” قرب الحدود البولندية، التي تخطط لفتح مدرسة مهنية داخل موقعها الصناعي.
تأتي هذه التحديات في وقت أعلنت فيه حكومة المستشار فريدريش ميرز خطة استثمارية بقيمة 500 مليار يورو لتطوير البنية التحتية، وهو مشروع يتطلب عمالة ماهرة لتنفيذه. ويحذر الخبراء من أن ضعف نظام التدريب المهني قد يعرقل هذه الجهود ويؤثر على مستقبل الاقتصاد الألماني بأكمله. (alaraby)