أكثر من مجرد تخريب .. الكنائس الألمانية تدق ناقوس الخطر

دقّ المؤتمر الأسقفي الألماني ناقوس الخطر محذراً من تصاعد أعمال العنف والتخريب التي تستهدف الكنائس الكاثوليكية منذ سنوات. فقد شهدت الفترة الأخيرة حوادث متكررة شملت تدنيس الأدوات الطقسية، وتخريب تماثيل قديسين ثمينة، بل وصل الأمر إلى التبول على المذابح وقضاء الحاجة في أوعية المياه المقدسة، إضافة إلى إشعال النار في بعض المذابح التاريخية.
ووفقاً لإحصاءات مكتب الشرطة الجنائية في ولاية شمال الراين – وستفاليا، تم تسجيل 413 حالة تخريب خلال العام الماضي، بينما سجّلت ولاية بافاريا 231 حالة. ولا تشمل هذه الأرقام الاعتداءات على الصلبان والرموز الدينية المنتشرة في الطرقات، والتي لو أُضيفت لارتفعت الحصيلة بشكل أكبر.
ورغم أن الكنيسة البروتستانتية في ألمانيا لا تحتفظ بإحصاءات مشابهة، إلا أنها بدورها لم تسلم من الهجمات. ففي 20 يوليو الماضي، تعرضت الكنيسة الخشبية التاريخية في كلوستال-تسيلرفيلد لمحاولة حرق متعمدة، وكادت النيران أن تأتي عليها بالكامل لولا تدخّل فرق الإطفاء في اللحظة الأخيرة. وقال الأسقف رالف مايس्टर من هانوفر خلال تفقده الموقع: “حين تحترق كنيسة، فإن روح المكان كله تحترق معها”.
المتحدث باسم المؤتمر الأسقفي، ماتياس كوب، شدّد على أن الاعتداء على الكنيسة لا يصيب المبنى فقط، بل يجرح المجتمع المحلي بأكمله، ويُعتبر في جوهره هجوماً على الدين المسيحي ككل.
لكن التحقيقات في هذه القضايا غالباً ما تواجه صعوبات، حيث نادراً ما يتم التوصل إلى الجناة، والسبب – بحسب كوب – أن الشرطة تتعامل معها كجرائم “تخريب عادي” وتُغلق الملفات بسرعة، دون التعمّق في الدوافع المحتملة، سواء كانت سياسية انتقاماً من فضائح الاعتداءات الجنسية في الكنيسة، أو بدوافع أيديولوجية متطرفة.
في بعض الحالات، تمكّنت السلطات من ضبط الفاعلين، كما حدث في حزيران/يونيو الماضي بمدينة آلتوتينغ، عندما تسلل شاب يبلغ 19 عاماً إلى كنيسة الحج ليلة عيد العنصرة وبدأ في تكسير محتوياتها، قبل أن تضبطه الشرطة بعد أن أثار ضوضاءً كبيرة.
وفي حادثة أخرى مثيرة للجدل، أقدم طالب لجوء أفغاني في تشرين الثاني/نوفمبر 2024 على تخريب صورة “العذراء السوداء” في كنيسة ماريا أينزيدلن بسويسرا، ولم يتمكن المصلّون من السيطرة عليه إلا بعد أن ألحق أضراراً بالتمثال القوطي الثمين. وقد أُحيل كل من هذا الشاب والجاني الأول إلى مصحّات نفسية.
وطالبت الكنيسة الكاثوليكية بضرورة أن تتعامل السياسة بحزم مع هذه الاعتداءات، التي تُعتبر في جوهرها استهدافاً للثقافة الأوروبية. فالقانون الجنائي الألماني ينص على عقوبة تصل إلى السجن ثلاث سنوات وغرامات مالية بحق من يدنّس الكنائس أو المعابد الدينية.
وختم كوب بالقول: “القضية ليست في تشديد العقوبات، فهي رادعة بحد ذاتها، بل في التطبيق الصارم. فالتخريب الذي يستهدف الكنائس ليس مجرد ‘إتلاف ممتلكات’، بل يحمل طابعاً عدائياً مهيناً يجب أن يواجهه القانون بالحزم والصرامة عبر التحقيق الجاد والملاحقة القضائية”.