صحيفة ألمانية : هل يمكن قضاء عطلة في العراق رغم التحذيرات ؟

رغم التحذيرات الجزئية من السفر، يأمل العراق في جذب المزيد من السياح الأجانب، مستنداً إلى إرثه الحضاري الغني وطباع شعبه الودودة والبراغماتية، ما يمنح بعض الأمل في مستقبل سياحي واعد.
الصحفية ساندرا ماستروبييترو من صحيفة فيلت زارت البلاد لتعاين المشهد بنفسها.
الانطباع الأول هو الصمت. لا أصوات حشود، ولا كاميرات تصوير، ولا مجموعات سياحية تتجول بين أطلال القصور القديمة في بابل، وحده النسيم يحرّك ذرات الرمل بين بقايا الجدران، في موقع أثري ضخم، مهيب… لكنه خالٍ من الزوار، تحرسه قوات عسكرية بدلاً من السياح.
عند المدخل تقف نسخة من بوابة عشتار الشهيرة، بلونها الأزرق اللامع، فيما يحتفظ متحف بيرغامون في برلين بالأصل المعاد ترميمه.
بابل، المدرجة على لائحة التراث العالمي، رمز لعظمة الماضي، وتسعى الحكومة العراقية لأن تجعل منها منارة سياحية وأيقونة لبلد جديد يسعى للنهوض.
لكن الطموح كبير في زمن يعصف فيه الاضطراب بمنطقة الشرق الأوسط.
فالعراق يقف على مفترق طرق بين الانفتاح والانغلاق.
في الموقع، تتجسد هذه الازدواجية بين الأمل والتدهور: المتحف المقابل للبوابة مغلق “بسبب عطل في الإضاءة”، والقمامة متناثرة بين الجدران، فيما تعود معظم أعمال الترميم إلى عهد صدام حسين، إذ لا تزال الأحجار تحمل اسمه المحفور، في مشهد يختصر تداخل التاريخ بالسياسة، ورغبة الدكتاتور في البقاء حاضراً حتى بعد زواله.
ورغم إدراج بابل ضمن مواقع التراث العالمي، لا تزال تفتقر لأبسط مقومات السياحة: بنى تحتية مهترئة، غياب الترميم، وموقع أثري شبه مهجور. حتى المرافق العامة محدودة للغاية، إذ لا تتوفر سوى دورة مياه واحدة يستخدمها الجميع من زوار وجنود وموظفين.
مع ذلك، فإن مجرد عودة الزوار إلى هذه الأرض يمنح بصيص أمل، ربما كبداية خجولة لمرحلة جديدة.
تسعى الحكومة العراقية إلى إعادة تقديم البلاد للعالم كموطن للحضارات الكبرى ومهد للثقافة، وتعتبر السياحة جزءاً أساسياً من هذه الرؤية، عبر شراكات وتمويلات دولية قيد التحضير. الهدف ليس اقتصادياً فحسب، بل أيضاً سياسياً ورمزياً: استعادة المكانة التاريخية وربط الحاضر بالماضي.
لكن الواقع ما زال يراوح بين الخطط والطموحات؛ فالبيروقراطية مرهقة، والوضع الأمني هش، ووزارة الخارجية الألمانية ما زالت تحذر من السفر إلى معظم مناطق العراق باستثناء إقليم كردستان.
في العاصمة بغداد، المشهد معقد أيضاً، مشاريع تبدأ وتتوقف، وصلاحيات تتداخل، والبنية التحتية ضعيفة. ومع ذلك، تبدو الحياة اليومية مفعمة بعناد الأمل.
بغداد صاخبة، مغبرة، متناقضة، لكنها نابضة بالحياة. على ضفاف دجلة يجلس الناس في المقاهي، يضحكون، يقرأون، ويتجولون مساءً كأنهم يتحدّون الصورة النمطية لبلد أنهكته الحروب.
ورغم التحديات، يشهد العراق تزايداً في أعداد الزوار الأجانب: من نحو 120 ألف سائح عام 2022 إلى أكثر من 400 ألف في مطلع 2024، فيما تستهدف الحكومة بلوغ مليوني سائح سنوياً خلال الأعوام المقبلة.
ويظهر هذا الانفتاح بوضوح في السياحة الدينية، خصوصاً في كربلاء التي تستقبل ملايين الزوار سنوياً خلال مواسم الزيارة، حيث تنبض الشوارع بالحياة والطقوس. في المقابل، تبقى المسافة بين هذا النوع من السياحة والانفتاح الثقافي الأوسع كبيرة.
أما في شمال البلاد، في إقليم كردستان، فقد بدأ السياح الغربيون بالعودة تدريجياً إلى مدن مثل أربيل وزاخو ولالش، حيث تبدو الأوضاع أكثر استقراراً وانفتاحاً. هناك يمكن للزائر أن يتذوق طابع الأسواق الشرقية القديمة وسط إحساس بالأمان النسبي والانفصال عن صراعات وسط وجنوب العراق.
وفي الجنوب، تبقى بابل عنواناً للجدل بين الماضي والمستقبل. فوق تلالها يقف قصر صدام حسين المهجور، المطلّ على المدينة الأثرية.
القصر مغلق رسمياً، لكنه يفتح أحياناً “بالمعرفة والعلاقات” أو بمقابل مالي بسيط. في الداخل آثار الخراب والنقوش المتآكلة، بينما تطل النوافذ على أطلال بابل القديمة، في مشهد تختلط فيه الرموز السياسية بالتاريخية.
ربما لم يقرر هذا المكان بعد إن كان ينتمي للماضي أم للمستقبل، لكن العراق يبدو مصمماً على أن يمنحه حياة جديدة. فبين ركام الحروب وتحديات الحاضر، يحاول بلد الرافدين أن يكتب فصلاً جديداً من قصته، عنوانه: الأمل والسياحة بدل الدمار والنسيان.