صحيفة لوفيغارو الفرنسيية : هكذا فرض الشرع سلطته الاستبدادية على سوريا خلال عام واحد .. و توم براك تواصل مع مناف طلاس

قالت صحيفة لوفيغارو إن المشهد السوري تغيّر جذرياً خلال عام واحد فقط، منذ سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر عام 2024، وصولاً إلى صعود أحمد الشرع، القائد الجهادي السابق المعروف سابقاً باسم “أبو محمد الجولاني”، إلى قمة هرم الحكم في دمشق.
أضافت الصحيفة أنّ الشرع، الذي وصل إلى السلطة عبر ائتلاف عسكري من الفصائل الإسلامية المسلحة، لم يكتفِ بإنهاء حكم عائلة الأسد المستمر منذ أكثر من نصف قرن، بل يسعى اليوم إلى هندسة نظام سياسي جديد على مقاسه. ويمارس حكماً مركزياً صارماً، يثير غضب شرائح واسعة من السوريين، لكنه يحظى بصمت إيجابي من عواصم كبرى مثل واشنطن وباريس والرياض، التي ترى فيه خياراً أقل سوءاً من عودة الفوضى إلى البلاد.
تمكّن خلال عام واحد من فرض سلطة شخصية شبه مطلقة على البلاد، حيث يعتمد وفق “لوفيغارو” أسلوب الحكم الشخصي المركزي، ويؤخر عمداً استكمال مؤسسات الدولة، خصوصاً البرلمان، لاحتفاظه بصلاحيات مطلقة.
“شبكة عائلية وأمنية ضيقة”
رغم مطالب شركائه العرب والغربيين بتسريع تشكيل الحكومة والبرلمان، فإن معظم السلطات ما زالت تُدار عبر “شبكة عائلية وأمنية ضيقة”. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى وجود أربعة أشخاص محوريين حوله، هم: أسعد الشيباني، وزير الخارجية والذي يتحكم بالملفات الحساسة ويمتلك تأثيراً أمنياً. وحازم الشرع، شقيق الرئيس، وهو من يدير الملفات الاقتصادية وإعادة الأموال. ثم ماهر الشرع، وهو أيضا شقيق الرئيس، ويتولى منصبا يعادل حقيبة رئيس الوزراء. وأخيرا، أبو مريم الأسترالي، الذي يعد شخصية مالية أمنية مثيرة للجدل، والذي الذي يدير ملف الأموال واستعادة ثروات رجال الأعمال المرتبطين بنظام الأسد مقابل السماح لهم بالبقاء داخل سوريا.
“لوفيغارو” اعتبرت أن الشرع غيّر كثيراً من أسلوبه وسلوكه، دون أن ينجح بعد في تغيير سلوك المتشددين المحيطين به. وقالت الصحيفة إن الرئيس الانتقالي السوري يعمد إلى تسويق نفسه كزعيم سياسي عقلاني، مقدّماً سلسلة إشارات لتخفيف صورته الإسلامية الصلبة: يجتمع دون أداء الصلاة أمام ضيوفه. يأكل بيده اليسرى، ويرتدي البذلات الرسمية ويغيّر ربطات العنق يومياً؛ وذلك كلّه لإظهار انفتاحه واستعداده للتعامل مع المجتمع الدولي. ومع ذلك، تضيف الصحيفة، لم يتمكن حتى الآن من ضبط الجماعات المتشددة التي تحيط به وتشكل مصدر تهديد دائم لحكمه.
الدعم الأمريكي
الصحيفة الفرنسية، مضت قائلةً إن الشرع، الذي يحظى بدعم أمريكي مباشر من إدارة دونالد ترامب، يسعى إلى طمأنة العواصم العربية والغربية عبر إظهار مرونة اجتماعية وسياسية مفاجئة من رجل ارتبط اسمه سابقاً بالتطرف، إذ ظهر في لقاءات دولية وهو يمازج كبار القادة ويغير ربطة عنقه يومياً، ويتصرف ببراغماتية لافتة.
أكدت “لوفيغارو” أن الولايات المتحدة الأمريكية زرعت أشخاصاً مقربين منها داخل دوائر الحكم في دمشق لضمان السيطرة على المسار الأمني، فيما تواجه القيادة الجديدة تهديدات من فلول تنظيم “داعش” ومن المجموعات الجهادية المتشددة التي شاركت في إسقاط النظام السابق.
ذكَّرت “لوفيغارو” أن الاقتصاد السوري ما يزال منهاراً، رغم رفع بعض العقوبات، بسبب غياب البنى المصرفية والاستثمارية، بينما تتزايد نقمة الشارع مع تضاعف أسعار الكهرباء عشرات المرات. ورغم وعود بمشاريع خليجية ضخمة، فإن الأموال الحقيقية لم تتدفق بعد بسبب غياب الضمانات القانونية.
تطرّقت “لوفيغارو” أيضا إلى مسألة استمرار الانتهاكات الأمنية، بما في ذلك الاعتقالات ودفع الفدى المالية مقابل الإفراج، وسط غياب خطوات جادة لطمأنة الأقليات، لاسيما بعد المجازر التي طالت العلويين والدروز هذا العام.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين وعرب توقعهم التوجه نحو نظام لامركزي أو فيدرالي في سوريا لتجنب تفتيت البلد، خاصة مع مطالب الدروز والأكراد المتنامية بالحكم الذاتي، في ظل ضعف سيطرة الحكومة على الأطراف.
دولة موحّدة أم نحو اللامركزية؟
أشارت “لوفيغارو” إلى أنها طرحت السؤال التالي: إلى أين تتجه سوريا.. نحو دولة موحّدة أم نحو اللامركزية؟ على الموفد الخاص للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، توم باراك، على هامش قمة السلام في شرم الشيخ في شهر أكتوبر الماضي؛ فكان ردّه دون تردد: “سوريا تتجه نحو اللامركزية”، مرجّحاً أن يتم ذلك إمّا وفق نموذج الحكم الفيدرالي العراقي بعد سقوط صدام حسين، أو بإحياء القانون رقم 107 المتعلق باللامركزية، الذي أقرّه النظام السوري قبل سنوات لكنه لم يطبّق فعلياً.
تُشير مصادر دبلوماسية إلى أنّ المذابح التي استهدفت الدروز خلال الصيف، وقبلهم العلويين في الربيع، قد دفعت واشنطن لإعادة النظر في تمسكها السابق بسوريا موحّدة. ففي الجنوب، يطالب جزء من أبناء الطائفة الدرزية بالحكم الذاتي بحثاً عن حماية خارجية. وعلى الساحل غرباً، يحلم العلويون بالأمر نفسه بعد أن باتوا “الخاسر الأكبر” خلال العام الماضي، وتعرضهم لانتهاكات متواصلة وخصوصاً في محيط مدينة حمص المتعددة الطوائف. غير أن غياب الدعم السياسي والسلاح يجعل فرصتهم صعبة، توضّح “لوفيغارو”،
أما في الشمال الشرقي، فتتعثر مفاوضات الأكراد مع دمشق بشأن توزيع الثروة النفطية، ومستقبل القوات المسلحة الكردية، بما في ذلك الوحدات النسائية التي تعدّ “خطاً أحمر” بالنسبة للإسلاميين المتشددين، إضافة إلى ضمان استمرار المكاسب الثقافية واللغوية التي حصلوا عليها منذ عام 2012 مع بدايات الثورة، تتابع الصحيفة الفرنسية.
وفي إطار سعيه لتعزيز قواته الأمنية، يتوجّه أحمد الشرع إلى القبائل العربية في الغرب، المنافسة للأكراد، والتي يشجّعها جيرانها السعوديون على التعاون معه مقابل دعم مالي مباشر، تقول “لوفيغارو”.
من جهة أخرى، علمت “لوفيغارو” أن توم باراك تواصل للمرة الأولى مع اللواء المنشق مناف طلاس، المقيم في باريس منذ 2012، والذي ظهر علنياً نهاية سبتمبر في مؤتمر بمعهد العلوم السياسية الفرنسي (سيانس بو). وبحسب المصادر، طلب باراك من طلاس ترتيب لقاء مع السفير الأمريكي في فرنسا. طلاس لم يؤكد المعلومات ولم ينفها، لكنه يحظى بقبول تركي وروسي، ويُنظر إليه كسنيّ قادر على المساعدة في إعادة بناء جيش حقيقي، من دونِه سيواجه الشرع صعوبة في وضع أسس الدولة الجديدة التي يحلم بها، وسط مساره السياسي المعقد وغير التقليدي، تقول “لوفيغارو”.
* صحيفة القدس العربي ترجمة عن صحيفة لوفيغارو الفرنسية.