وسائل إعلام ألمانية : بعد سقوط الأسد .. عائلات سورية في ألمانيا بين الاستقرار والعودة المجهولة

بعد عام على سقوط نظام بشار الأسد، لا تزال عائلات سورية مقيمة في ألمانيا تعيش حالة من التردد بين البقاء في وطنٍ جديد نسجت فيه جذوراً عميقة، وبين حلم العودة إلى بلدٍ لم يعد كثير من أبنائها يعرفونه كما كان.
في ديسمبر/كانون الأول 2024 شهدت سوريا تحولاً سياسياً مفاجئاً، إذ تمكنت فصائل معارضة خلال أيام قليلة من السيطرة على مدن عدة، ما أدى إلى فرار الأسد إلى موسكو. هذا الحدث فتح باب التساؤلات أمام ملايين السوريين في الخارج، ومن بينهم نحو 1.2 مليون شخص من أصول سورية يعيشون في ألمانيا، حول إمكانية العودة إلى البلاد.
ياسمين بركات، القادمة من إدلب شمال سوريا، تابعت لحظة سقوط النظام مع عائلتها أمام شاشة التلفاز في بلدة صغيرة بولاية سكسونيا السفلى، حيث تقيم منذ عشر سنوات. تصف تلك اللحظات بدموع الفرح، لكنها تؤكد أن النقاش حول العودة سرعان ما اصطدم بواقع معقد، خصوصاً بسبب مستقبل طفليها. فالأبناء الذين نشأوا في ألمانيا يتحدثون العربية بطلاقة، لكنهم يواجهون صعوبة في الكتابة، فيما باتت اللغة الألمانية لغتهم الأولى، وهو ما يجعل فكرة الانتقال النهائي إلى سوريا قراراً بالغ الصعوبة.
عائلة بركات تمثل نموذجاً لنجاح الاندماج في المجتمع الألماني. ياسمين تعمل اليوم في صيدلية بعد إنهاء تدريب مهني، وزوجها يعمل في شركة لبيع السيارات، فيما يواصل الأبناء تعليمهم في مدرسة شاملة. غير أن مستقبل الأطفال يشكل هاجساً مشتركاً لدى كثير من العائلات السورية عند التفكير في العودة، وفق ما تؤكده الباحثة والكاتبة المتخصصة بالشأن السوري كريستين هيلبرغ، التي تشير إلى أن أكثر من ثلث السوريين في ألمانيا هم قاصرون لا يملكون أي ذكريات حقيقية عن بلدهم الأصلي.
إلى جانب ذلك، يراقب كثير من السوريين بقلق تصاعد النقاش السياسي في ألمانيا حول عودتهم إلى سوريا بعد انتهاء الحرب. هذا الخطاب، بحسب هيلبرغ، يولد شعوراً بالخوف والضغط داخل الجالية السورية، ويؤثر سلباً على الاندماج، كما يعيق أي مساهمة مستقبلية حقيقية في إعادة إعمار سوريا ما لم يكن وضعهم القانوني في ألمانيا مستقراً وآمناً.
وتؤكد ياسمين بركات أن الأجواء الاجتماعية في ألمانيا تغيّرت خلال السنوات الأخيرة. فبعد أن شعرت بالأمان في بدايات لجوئها، باتت اليوم أكثر خوفاً، خصوصاً بسبب تعرضها لمضايقات واعتداءات لفظية وجسدية، ما دفعها إلى تجنب استخدام وسائل النقل العامة. وتقول إن شعورها بعدم الأمان ازداد لدرجة أنها لم تعد تغادر عملها مساءً بمفردها.
أمام هذا الواقع، تبقى خيارات العودة أو البقاء مفتوحة على المجهول. فالعائلة لا تستبعد زيارة سوريا مستقبلاً، لكنها ترى أن البدء من الصفر مرة أخرى في الوقت الحالي أمر يفوق قدرتها النفسية. وبين وطنٍ فقدته منذ سنوات ووطنٍ جديد لم يعد خالياً من القلق، تظل العائلات السورية في ألمانيا عالقة بين قرارين لا يبدوان سهلين.