وصلت إلى ألمانيا طفلة .. صحيفة ألمانية تحتفي بشابة سورية متفوقة حققت العلامة التامة في الثانوية

انتهت طفولة تالا حمزة تحت وابل من القنابل في دمشق، وبدأت مستقبلها بشهادة “أبيتور” (الثانوية العامة الألمانية) بتقدير 1,0 – أعلى معدل ممكن في ألمانيا.
اليوم، تروي تالا (19 عامًا) كيف غيّرت الحرب واللجوء مجرى حياتها، وكيف تحولت المعاناة إلى دافع للنجاح.
في أحد أيام عيد الفطر عام 2016، كانت عائلة تالا تحتفل في دمشق، حين سقطت القنابل فجأة، وتحول يوم الفرح إلى لحظة رعب وخوف. تقول تالا: “تحوّل كل شيء في لحظة. الخوف لم يكن فقط على أنفسنا، بل أيضًا على أحبائنا. والدي وأخي كانا في الخارج، وخرجت أبحث عنهما مع والدتي”.
مشاهد الموت والدمار، والناس العالقين تحت الأنقاض، لا تزال محفورة في ذاكرتها حتى اليوم.
بعد أشهر فقط، أصبحت العودة إلى الحياة الطبيعية في سوريا أمرًا مستحيلًا. فقررت الأسرة الفرار إلى ألمانيا، وبالفعل، بدأت رحلة لجوء شاقة عبر السيارة والطائرة وحتى سيرًا على الأقدام، حتى وصلوا إلى مدينة “مولهايم” الألمانية في أواخر عام 2016.
الأب، مهندس كهرباء سابق، يعمل اليوم في تركيب أنظمة الطاقة الشمسية، والأم، التي كانت معلمة مدرسة ابتدائية، أصبحت موظفة دعم للاندماج.
أما تالا، فقد أنهت مؤخرًا دراستها الثانوية في مدرسة “غوستاف هاينيمان” الشاملة، محققة إنجازًا مذهلًا: 873 نقطة، أي ما يعادل معدل 1,0، لتكون الأولى على دفعتها، متفوقة في مواد مثل الأحياء، الجغرافيا، اللغة الألمانية والرياضيات.
تقول تالا: “في بداية وصولي إلى المدرسة لم أكن أتكلم الألمانية. كنت الطالبة الغريبة. لم يكن لدي أصدقاء، وتعرضت كثيرًا للتصحيح والسخرية.”
لكن نصيحة والدتها كانت حاسمة: “قالت لي: كوني قوية، وواصلي. فقررت أن أتعلم اللغة بأسرع وأفضل ما يمكن، وأن أندمج.”
لم تكن العودة إلى سوريا خيارًا، ولهذا سأل أفراد العائلة أنفسهم سؤالًا وجوديًا: “أين تكون فرصة الموت أقل؟ في سوريا أم في طريق الهروب؟”، تقول تالا، مشيرة إلى أن الإجابة كانت واضحة.
بدأت الرحلة مع والدها: من دمشق إلى لبنان بالسيارة، ثم إلى تركيا بالطائرة، فإلى اليونان عبر البحر بقارب مطاطي، ثم سيرًا على الأقدام حتى ألمانيا. استغرقت الرحلة 20 يومًا، كانت مليئة بالتحديات والمخاطر.
بالنسبة لتالا، توقفت الرحلة في تركيا بعد حادث مؤلم لا تزال ترفض الحديث عنه حتى اليوم. تقول: “هل رأيتم صور القوارب المطاطية المكتظة؟ هذا كل ما سأقوله.”
قررت العودة إلى لبنان للالتحاق بوالدتها وشقيقها، بينما أكمل والدها الرحلة وحده إلى ألمانيا، على أمل أن يلحق به أفراد العائلة لاحقًا.
في تلك الأثناء، التقت تالا بطبيبة من منظمة “أطباء بلا حدود”، وقد وعدتها حينها بأنها ستجتهد في دراستها لتصبح طبيبة في المستقبل.
وبعد سنوات من الصمت، قررت تالا العام الماضي مواجهة ماضيها من خلال كتابة كتاب بعنوان “بين أمواج الحياة”، نشرت فيه تجربتها مع الحرب واللجوء، محاولة أن تبوح بما لم تستطع نسيانه، وأن تسلط الضوء على معاناة اللاجئين في زمن يزداد فيه الخطاب الشعبوي وتكثر الأسئلة عن “الانتماء والمكان”.
تقول: “من خلال قراءاتي العامة، أريد أن أظهر ما الذي مرّ به اللاجئون قبل أن يصلوا إلى هنا، وما معنى أن تكون لاجئًا فعلًا.”
اليوم، تتطلع تالا إلى دراسة الطب في جامعة هاينريش هاينه في دوسلدورف، وهي تميل بشكل خاص إلى الجراحة، لكنها لا تريد أن تحصر خياراتها منذ الآن. ما تعرفه تمامًا هو هدفها الأساسي: “أريد أن أعمل مع منظمة ‘أطباء بلا حدود’. أريد أن أذهب إلى الأماكن التي يموت فيها الناس لأنه لا يوجد من يساعدهم.”
وفي ختام حديثها، قالت تالا: “عندما أعود إلى تلك الأماكن، لن أكون الطفلة التي كانت تمسك يد والدتها وسط الركام، بل امرأة قوية، ناضجة، وطبيبة يمكنها أن تُحدث فرقًا”.