صحيفة ألمانية : صحفي سوري مثلي في المنفى .. ” اليوم أدركت أن سوريا لم تكن يوماً وطني “

 

هرب من الحرب ومن كراهية المثليين، باحثًا عن مكان يمنحه الأمان والانتماء. الصحفي السوري مصطفى أحمد الدباس يروي رحلته الطويلة من دمشق إلى برلين، ومن صدمة المنفى إلى محاولة بناء وطن جديد يشبهه.

قبل أكثر من عشرة أعوام، غادر سوريا بعدما دمّرها نظام بشار الأسد، تاركًا وراءه مدينة لم تعد مألوفة وبلدًا يجرّم هويته ويصف المثليين بالمرضى. كان يبحث عن قانون يحميه بعد أن سلبت الحرب أرواحًا وبيوتًا وأحلامًا، لكنه حمل معه أيضًا جرحًا أعمق: شعورًا عميقًا بعدم الانتماء.

يقول الدباس: “لم أهرب من الحرب فقط، بل من ثقافة كاملة كانت تعتبرنا ناقصي الإنسانية. وكنت واحدًا من مئات الآلاف الذين غادروا وهم يحملون ألم الاقتلاع من الجذور.”

في برلين، تعلّم اللغة، وسلك طرقًا مهنية مختلفة، لكنه لم يستطع الانفصال عن الصحافة التي كانت دائمًا تذكّره بسوريا الجريحة. كتب لمؤسسات إعلامية عربية مثل “المدن” و”درج”، مركزًا على قضايا السوريين في ألمانيا، خاصةً الأصوات المهمّشة والمثلية. ومع مرور السنوات، بدأ يشعر بالغربة حتى عن هويته السورية. توقّف عن سماع الأغاني العربية لأنها تفتح جروحًا قديمة، وأصبحت دمشق في ذاكرته مدينة ضبابية بلا ملامح واضحة.

ورغم محاولاته قطع الصلة مع الماضي، لم تغب عنه كوابيس سوريا: أحلام مليئة بالاعتقالات، بالمطاردة، وبالذاكرة الثقيلة للزنازين. حتى العلاج النفسي لم يوقف القلق والهلع. يقول: “منذ عشر سنوات أشعر أنني لا أنتمي إلى أي مكان. وحتى السفر صار يثير في داخلي رعبًا لا يُحتمل.”

عندما سقط النظام في ديسمبر الماضي، اختلطت دموع الفرح بعودة الجروح القديمة. ظهرت صور المعتقلين، جثث الضحايا، وشهادات مروّعة ذكّرته بأيام الاعتقال والضرب والإهانات. للحظة، شعر أن حلم الحرية قد تحقّق، لكن سرعان ما حاصرته خيبة جديدة: استمرار جرائم القتل، موجة كراهية للمثليين، ومجازر طائفية أعادت البلاد إلى أجواء الحرب.

يكتب الدباس بمرارة: “اليوم أعرف يقينًا أن سوريا لم تكن يومًا وطني. لم يعد يربطني بها شيء سوى عائلتي التي لا تزال تعيش تحت أنقاض هذه الكارثة.”

في برلين، وجد مساحة لطرح أسئلته الكبرى: من أنا؟ وأين أنتمي؟ اكتشف ذاته من جديد، عرف معنى الحب والصداقة، وتعلّم أن يبحث عن وطن يشبهه، لا عن وطن يكرّره.

ويختم: “في برلين لم أعد أشعر بالغربة. ربما لم تكن هناك سوريا التي أفتقدها أصلًا. ما أبحث عنه الآن ليس مكانًا كالسابق، بل مكانًا يمنحني أن أكون نفسي – بلا خوف، بلا أقنعة. وهنا، بدأت أؤمن أن ذلك ممكن.”

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها