فاتح جاموس : واقع حقوق الإنسان في سوريا مزر.. الديكتاتورية والسلطة الدينية وتدخل القوى المعادية وتحديات المعارضة الديمقراطية

 

وسط أتون التجاوزات التي تمسّ جوهر الإنسان وتنتهك كرامته وتهاجم وجوده الذي بات مهددًا بسبب هويته ودينه وانتمائه، يحاصر واقع حقوق الإنسان في سوريا وتضمحل أحلام الحرية والتعددية والعدالة والعيش المشترك، ليصبح مكان إقامتك “تهمةً”، وعنوانًا لعداء مرتقب.

واقع تصفه المنظمات الحقوقية الدولية بالمزري، فلا يمر يومًا دون سماع أخبار القتل والاغتصاب والتنكيل والخطف مقابل فدية والعنف المبني على الهوية، صورة سوداوية توحي بأن نظام البعث لم ينتهِ، لازال موجودًا بطرق أخرى أو بوجوه جديدة، وجوه كانت تدعي خوض معركة الحرية والديمقراطية بل معركة تحرير الوطن، تراها اليوم تمارس نفس الانتهاكات وبشكل أشنع أحيانًا، تمارس القمع وتشكل له لجنة، تخطف قواتها النساء وتظهر عبر التلفزيون لتٌكذب الأهالي، تذهب وتٌردد “سوريا بخير وبواقع أفضل”، شعار مٌلغم لا يمت للواقع بصلة.

لقد نبه المرصد السوري لحقوق الإنسان مرارًا من الانتهاكات الخطيرة التي بدأت تهديدات وتوعد عبر مواقع التواصل الاجتماعي وانتهت بنصب المشانق وحرق المنازل واغتصاب النساء وقتل الأبرياء وحلق الشوارب… سوريا ليست بخير ما دامت الكرامة الإنسانية تنتهك، وما دام السوري نازحًا وجائعًا وخائفًا.

اعتبر فاتح جاموس، الحقوقي البارز والمعتقل السابق في عهد نظام البعث، أن واقع حقوق الإنسان في سوريا مقلق للغاية، مؤكدا أن المسألة ليست رضا أو عدم رضا عن الواقع بل الحال هو حال إغلاق تام، فكري وأخلاقي وعصري وتشريعي وتنفيذي، وطابع مؤسسات دولة أمنية وعسكرية، لافتا إلى أن سوريا تعيش إغلاق تام حتى على العنوان المتعلق بحقوق الإنسان بإلغاء التعبير والديمقراطية، “إنه تجريع يومي للسوريين بتفاصيل نموذج إسلامي قديم وعتيق بغلاف وبكل ما تعنيه الكلمة والأمر لا يقتصر على المخالفات تجاه الأقليات، بل يشمل المجتمع السوري برمته، ما عدا السلطة ومؤسساتها السلطوية وجمهور فزعاتها”.

وعن كيفية حماية الأقليات والأديان في سوريا بعد أن لفظهم الإعلان الدستوري الاقصائي ولم يعترف بهم ولم يحميهم، ردّ جاموس، “عن أي حماية نتحدث؟ لا حماية دولة ولا حماية أممية متاحة الآن، بات تفكير الشعب السوري منصب على إمكانات واحتمالات تدخل حمائي، وللأسف من أكثر الدول عداءً وطنياً لسوريا وأكثرها طمعاً ورغبة في تدمير قواها وإمكانيات نهوضها، نموذجها الكيان الصهيوني وحلفاؤه وتركيا”.

وبخصوص ملف المعتقلين السوريين في عهد بشار الأسد، وملف المغيبين قسريا الذي لازال غامضاً ولم تتدخر الحكومة الانتقالية الجديدة جهدا لمعرفة مصير هؤلاء والكشف عن الحقيقة، أورد المعتقل السابق أنه من الطبيعي أن يكون أمر تلك الملفات سهلا على السلطات القائمة لمعرفة الحقائق المرتبطة بها، وبدلا من ذلك يلفها الغموض، ويتم التعاطي معها للأسف كملفات أمنية يمكن استخدامها مرة أخرى لأهداف غير حقوقية وغير إنسانية وابتزازية ربما.

وعن التباطؤ في ملاحقة نظام بشار الأسد دوليا وملاحقة المجرمين من نظامه بعد كمّ الجرائم المرتكبة والتي سٌجّلت بالصوت والصورة، ولماذا هذا التقصير من المجتمع المدني في سوريا، أكد جاموس أن المجتمع الدولي أو الدول الفاعلة في سوريا تحتاج لتوافق مصالح على هذه القضية، كما حصل مع إزاحة السلطة الديكتاتورية السابقة وحتى الآن هذا غير متاح، والعامل الروسي فيه حاسم لأسباب عدة وتلك الأطراف تستطيع أن تسحب على بعضها الاتهامات لتقصيرها في كل ذلك على مدى سنوات طويلة. أما عن دور المجتمع المدني المحلي،” تساءل،” عن أي مجتمع مدني نتكلم، إنه مغيب بالمعنى الفعلي كوجود، عداك عن الدور وليس مقصرا، وأعتقد أن كامل ملف العدالة الانتقالية يحصل بصورة انتقامية وعشوائية، وذلك يُشوش حقيقة على العناوين والجهات العليا المعنية بالمحاسبة أولا”.

ويرتبط ملف العدالة الانتقالية في سوريا بالاستقرار، لكن المتابع للوضع يرى هذا الانقسام والفوضى والعنف واحتكار السلطة والمركزية التي ظلمت المكونات والأقليات، وفي سؤال المرصد السوري عن أيٌ نظام يراه الأصلح والأنسب لسوريا، في ظل هذه الظروف، أوضح أنه للأسف ليس النظام الأصلح هو المتاح الآن مادام الديمقراطية غير متاحة أبدا والمصالحة الوطنية الفورية غير متاحة، ووقف العنف وإزاحة وإخفاء كل المظاهر الرهابية غير متاحة، مشيرا إلى ضرورة الإدارة الأممية لوقف العنف وحوكمة مختلفة اساسها القرار2254، معتبرا أن الاحتمالات الأكثر خطورة هي المتقدمة، وربما تكون إمكانية تشكيل معارضة وطنية ديمقراطية عقلانية وسلمية موحدة تقود مقاومة وطنية سلمية وشعبية غير طائفية وغير مناطقية تفرض الحوار على السلطة الأنسب، لكن قد تكون هذه الرغبة وهذا الأمل طريقا صعبا جدا لكنه سيكون آمنا لإنقاذ سوريا. وعن طريق تحقيق الاستقرار في سوريا وبأي وسائل، على غرار ما ذكر من تطبيق للقرار الأممي 2254، وتشكيل معارضة وطنية سلمية، أورد أن الاستقرار قضية مختلفة عن طبيعة النظام الذي ينقذ سوريا ربما تتوصل الدول النافذة المتدخلة إلى ضرورة استقرار المنطقة وهذا احتمال أيضا ليس في الأولوية وليس متاحا أيضا “هكذا يصبح الاستقرار أملا مكلفا جدا”.”

* العنوان والنص للمرصد السوري لحقوق الإنسان

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها