تحليل ألماني ينسف دعوات الترحيل .. ” السوريون في المهجر يدعمون وطنهم أكثر من العائدين إليه “

تتواصل في ألمانيا النقاشات السياسية حول ملف ترحيل السوريين، فيما يبرز رأي جديد اعتمد عليه بعض الساسة، يدّعي أن السوريين المقيمين في ألمانيا ينبغي أن يعودوا إلى بلدهم للمساهمة في إعادة الإعمار.
لكن مقالة تحليلية نشرتها صحيفة تاغس شبيغل الألمانية تؤكد أن هذا الطرح «قاصر وغير دقيق»، وأن الواقع العلمي والتنمية الدولية يقدم صورة مختلفة تماماً.
تشير الكاتبة وأستاذة الدراسات الشرق أوسطية أولريكه فرايتاغ إلى أن الدراسات الحديثة تؤكد أن السوريين في المهجر، ومن خلال عملهم واستقرارهم في الخارج، يقدمون اليوم أهم مساهمة فعلية في دعم بلدهم المنهك. فغالبيتهم يعيلون أسرهم داخل سوريا، حيث لا تزال الأجور – إن توفرت فرص العمل أصلاً – منخفضة إلى درجة لا تكفي لتأمين الحد الأدنى من الاحتياجات.
وبرغم تخفيف جزء من العقوبات الدولية، يبقى الوضع الداخلي في سوريا هشًّا للغاية: البنية التحتية مدمرة، ملايين من النازحين بلا سكن ولا تعليم ولا رعاية صحية، فيما أدّت اعتداءات ميليشيات مقربة من النظام على أبناء طوائف مختلفة – من علويين ودروز ومسيحيين – إلى زيادة الانقسام والخوف داخل المجتمع. كما أن المشهد الإقليمي يزيد من تعقيد الوضع، مع استمرار الهجمات الإسرائيلية على مواقع داخل سوريا، ما يجعل أي استثمار خارجي محفوفًا بالمخاطر، ويُبعد فكرة «خطة مارشال» حقيقية لإعادة الإعمار.
وتؤكد الدراسة أن السوريين المقيمين في الخارج يقدمون أشكالاً متعددة من المساهمة في إعادة بناء سوريا: من الدعم المالي المباشر، إلى نقل المهارات في قطاعات الصحة والتعليم والاقتصاد، مرورًا بنقل صورة مختلفة عن العالم إلى بلد عانى عقودًا من العزلة والصراع. وتشدد الكاتبة على أن هذه الجهود، رغم أنها تتم غالبًا بمبادرات فردية، تمثّل اليوم أفضل دعم يمكن لألمانيا أن تقدمه لسوريا عبر تمكين السوريين المقيمين على أراضيها لا دفعهم إلى العودة القسرية.
وتخلص المقالة إلى أن بقاء السوريين في ألمانيا ليس فقط خيارًا إنسانيًا، بل هو أيضًا عامل استقرار وتنمية يعود بالمنفعة المباشرة على الشعب داخل سوريا، وأن المساهمة الحقيقية في إعادة الإعمار تحتاج إلى سوريين يعملون ويكتسبون المعرفة هنا، لا إلى إعادتهم إلى بيئة يفتقر فيها البقاء نفسه إلى مقومات الأمان.