ربيع طهران وربيع العرب

الأشهر الثلاثة المقبلة حتى نهاية حزيران، ستكون مليئة باللحظات الدرامية في ملف التفاوض النووي بين ايران والولايات المتحدة. خطة التفاهم التي أعلن عنها في لوزان السويسرية هي بداية البداية لمعالجة ملف ايران النووي، وما يتضح من التسريبات المتواترة وردود افعال الجانبين عليها اننا امام عدم اتفاق على ما اتفق عليه! منذ الساعات الأولى التي تلت المؤتمر الصحفي في لوزان، حيث تجاور في خلفية المشهد علم إيراني الى جانب علم أميركي (لا تأكله ألسنة اللهب)، بدا ان للطرفين اجتهادات متباعدة حول النقاط الرئيسية لأي اتفاق مقبل. هي الاجتهادات نفسها التي ستأكل ساعات الزمن المتبقي حتى توقيع اتفاق منجز.

مع ذلك كان للوزان طعم مختلف في ايران. الشبيبة التي احتلت شوارع طهران احتفالاً بالحدث الاميركي الايراني، بدت وجوه مألوفة. هي الوجوه التي رأيناها عام ٢٠٠٩ تهتف “الموت للديكتاتور” في إشارة الى المرشد علي خامنئي، في ذروة الحركة الخضراء. جمهور كوزموبوليتي بذكوره وإناثه، على ما تدل أزياؤهم واكسسواراتهم.

في واحدة من هذه التظاهرات التي خرجت لاستقبال وزير خارجية ايران محمد جواد ظريف عائداً من لوزان كان حشد كبير من هؤلاء الشباب يحيي الوزير بالهتاف الشهير “يا حسين، مير حسين” في إشارة الى رمز الحركة الخضراء مير حسين موسوي الذي لا يزال يخضع للإقامة الجبرية. في واحدة اخرى كان احد الهتافات يقول “كيهان وإسرائيل تعازينا الحارة”. وكيهان هي الصحيفة المحافظة المقربة من محافظي الحرس الثوري والتي انتقدت محمد جواد ظريف بعنف في عدد من الافتتاحيات وبشكل شبه يومي قبل لوزان وبعدها. ليس بسيطاً ان يلتقط نبض الشباب الايراني الليبرالي هذا التقاطع بين اسرائيل ومحافظي الحرس الثوري (ومنهم حزب الله)، وهما الأكثر تضررا من الاتفاق. اسرائيل لانها تفقد تدريجيا صورة الضحية الدائمة، والحرس لانه يفقد مبررات وظيفة تصدير الثورة التي كانت تستهدف الشيطان السابق، المُتفاهم معه الان!

بل ما هو اخطر هو ان يعبر الشباب الايراني عن هذا التقاطع بهتافات شعبية في شوارع طهران، مساوياً بين اسرائيل وبعض المؤسسة الايرانية. 

الاحتفالات لم تكن اذا احتفالاً بالتفاهم بل بانتصار فكرة الحركة الخضراء، التي ما انتفضت الا لانها تريد الانخراط في العالم كما كانت تقول الحملة الانتخابية أمير حسين موسوي. هي احتفالات بالانتصار على منظومة القمع التي ادرك المرشد ان الاستمرار في  الانحياز اليها سيعني نهاية النظام. من هنا كان قرار المرشد بتغطية المفاوضات الى هذا الحد وبالسماح للتلفزيون الايراني بنقل خطاب الشيطان، الذي كان يلتقط معه الايرانيون صور “سلفي” عبر الشاشة! طبعاً دخلت في حسابات خامنئي معطيات كثيرة ومعقدة ابرزها ان البلاد على شفير الافلاس بسبب العقوبات، لكن ما خفي من هذه الحسابات، وما كشفته تظاهرات طهران الاحتفالية مسألة أعمق. ادرك رأس النظام ان الهدية الوحيدة التي يمكن لنظام الثورة تقديمها للجيل الجديد هي المصالحة مع الغرب، مع ما يعنيه ذلك من تحول استراتيجي كبير على مستوى طبيعة التعبئة وأدواتها التي انتهجتها ايران في العقود الثلاثة الماضية واستحوذت على نتائجها المكونات المحافظة داخل النظام. بمعنى آخر قرر خامنئي المغامرة بتسليم ايران للجيل الجديد، الجيل الذي ذبحه الحرس والباسيج عام ٢٠٠٩.

فإيران ليست كوريا الشمالية، التي تمضي من الاتفاق الى المزيد من الامساك بالداخل، المعدم أصلا والبلا صوت على مستوى العالم. ثم تمضي من خيانة الاتفاق الى مستويات جديدة من احكام قبضة النظام على الشعب الكوري الشمالي.

الايرانيون مجتمع حيوي ومسموع وشريحته الليبرالية الموالية للغرب كبيرة جداً، وهم بالتأكيد اكثر اعجاباً بمايكروسوفت من حزب الله وعصائب أهل الحق، وتغريهم زيارة متحف غوغنهايم اكثر من زيارة اضرحة الاولياء والعتبات المقدسة، وسيكتسبون الكثير من المشروعية لأحلامهم وتطلعاتهم التي قمعت بحجة محاربة الشيطان الأكبر سابقاً.

وهنا مفارقة تعنينا كعرب. حين تنظر اميركا الى ايران ترى، شعباً صديقاً لها واستابلشمنت سياسي معادياً لها. وحين تنظر الى العالم العربي تجد العكس تماماً. استابلشمنت سياسي عربي صديق لها وشعب “أنتي-أميركان” بغالبيته!

لا تفوتكم، في هذا السياق، إشارة الرئيس الاميركي باراك اوباما في مقابلته مع توماس فيردمان ان المخاطر على العرب تكمن في دواخلهم.

ربيع طهران عاد الى شوارعها وشبابها. لنستعد نحن ربيع العرب.

نديم قطيش – المدن

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. ياسيد نديم مقالك صحيح في حالة واحدة فقط وهي إذا كان فعلاً خامنائي قرر تغيير سياسة التسلط التي لم تجلب للإيرانيين سوى الجوع والفقر لعيون حركات التشيع السياسي والعسكري في الخارج وإلا فلا يمكن لا لوزير خارجية ولا برلمان ولا رئيس الجمهورية ولا ولا ولا التمرد عليه لأن الدستور أعطاه تسلطاً مطلق يسحق بالدستور كل من يخالفه ألم نشاهد كيف نجح روحاني في الدورة الأولى من بين خمس مرشحين وهذا لا يمكن أن يحصل لولا أن خامنائي قرر إنجاحه

  2. لماذا لانخرج من دوامة سني وشيعي ولماذا ننهال على الشيعة بسيل من الاتهامات وننسى انفسناكما هم يحاولون الخروج من وصاية الولي الفقيه نحن نحاول الخروج من وصاية مفتي السلطان وشرعنته لحكم المستبد وطاعته اذا ماكان وضعنا اسوء بكثير

  3. لاتبرير للتسلط سوى لبس عباءة الولي الفقيه أو الرئيس المعجزة او جلالة الملك المفدى أو صاحب العصر والزمان التسلط هو التسلط وماهو داخل الجسم لايغيره تغيير الثوب