البداية من اليمن… لكن إيران تُهزَم في سوريا

يطالب باراك أوباما العرب، وهو محقٌّ إلى حد بعيد، بأن يكونوا «أكثر نشاطاً» في مواجهة الأزمات الإقليمية، لكنه يريد من العرب إظهار قوة سعت الولايات المتحدة دائماً إلى حرمانهم منها، بل عملت وتعمل لكي يكون العرب محاطين بقوى إقليمية متفوقة عليــــهم عسكرياً، بدءاً بإسرائيل النووية وتركيا الأطلسية ثم بإيران المعربدة مذهبياً ونووياً. لعل «عاصفة الحزم»، كمؤشر يقظة تتخطّى مجرد رد الفعل، هي التي أوحت للرئيس الأميركي بهذا الوعي – الاعتراف المفاجئ بدور العرب، فإذا أبدوا استعداداً عملياً للدفاع عن أنفسهم ومصالحهم تستطيع أميركا عندذاك أن تساعدهم. لكن أوباما يحتاج إلى أكثر من التذرّع بـ «السخط الداخلي لدى الحلفاء العرب» ليبرر انحيازات أميركا إسرائيلياً وأخطاءها عراقياً (قبل الانسحاب وبعده) وفظاعة مجاملاتها لإيران في كل تدخلاتها من سوريا إلى العراق واليمن مروراً بلبنان والبحرين وغزة.

فأميركا أوباما مثل أميركا بوش مالأت أعداءها العرب وخذلت حلفاءها، إذ آزرت دائماً إبقاء العالم العربي مضطرباً ومشتعلاً، فالاختلال الذي يعاني منه العرب لم يبدأ بظهور حوثيي إيران كغزاة في اليمن ولا بجرائم بشار الأسد وصدام حسين ولا بالبرنامج النووي الإيراني، بل بجرائم إســـرائيل واحتلالها المستمر لأرض الفلســـطينيين، وبالأخـــص في التواطؤ الأميركي – الإسرائيلي لجعل «السلام» تكريساً للاحتلال.

يتساءل أوباما، محقّاً أيضاً، عن سبب عدم مكافحة العرب انتهاكات مريعة ارتكبها بشار الأسد ضد حقوق الإنسان، منتقلاً سريعاً إلى تمرير أن الولايات المتحدة كانت لديها «رغبة كبيرة في دخول سورية وعمل شيء هناك». لـــكن أحداً لم ينسَ أن تلك «الرغبة الكــــبيرة» بلعت استخدام السلاح الكيماوي (يقع تحت المساءلة الدولية) وحوّلته إلى صفقة أميركية – روسية إنقاذاً لنظام الأسد، الذي يواصل إطلاق الغازات السامة على المدنيــــين في الأحياء السكنية. ربــــما عنــى أوباما أن أميركا كانت مستعـــــدة للـــتدخل لو حصل تدخل عربي في سورية، والمؤكد هنا أنه لا يقول الحقيقة، وهي أن واشنطن (وإسرائيل) مانعت منذ البداية إسقاط النظام وأيدت بقاء حكم فئوي متطرّف حتى عندما لم يكن البديل الإسلامي المتطرّف خطراً ماثلاً، بل إنها (وإسرائيل) مانعت أي تدخــل ســـواء عبر تركيا أو الأردن، كما أنها (وإسرائيل) ساندت بوضـــوح تدخل إيران و «حزب الله» ولم تردعهما إلا حين اقتربا من الحدود الإسرائيلية. والأهم أن أميركا أحبطت كل المساعي لتسليح «الجيش الحر» ودعمه عنـــدما كـــان على أهبة إسقاط النظام، يوم لم يكن هناك «داعش» ولا «نصرة قاعدية» ولا مئات الفصائل الإسلامية، بل يوم كانت هناك «دولة» تستحق «الحفاظ» عليها، فـ «الدولة» الحالية تقتصر على «شرعية» وهمية للأسد، وعلى وهم أنه سيوقّع يوماً على قرار عقلاني – («وطني»!) بالتنحّي – أو بالتنازل عن صلاحياته إتاحةً لحكم انتقالي.

على رغم كل شيء فلنقل أن ثمة «إيجابية» في لوم أوباما العرب في شأن سورية، بل لعله كان بهذا اللوم يخاطب إيران قبل العرب ليقول أن المعركة الحقيقية هي على سورية وفيها، أولاً وأخيراً. وهو ما ينبغي أن يدركه العرب. فإيران ما كانت لتبتلع اليمن مهما بذلت، وقد برهنت لتوّها وبإدارتها للحليف الحوثي أنها لم تكن تعرف البلد، وأثبتت أيضاً أنها في كل الأحوال لا تسعى إلى مواجهة إقليمية ستصبح بالضرورة دولية ولــــن تبقى أراضيها بمنأى عنها، وهو ما تفادته على الدوام. ومع بلوغها لحظة الحصول على اتفاق يعترف بـ «نوويتها» لا بدّ من أن يذوب جليد الأوهام ليظهر مجدداً منطق «لا شيء بلا مقـــابــل»، ليـــس فقط في التنازلات «التقنية» (التخــصيب، أجهزة الطرد، آلية التحقق…) بل خصوصاً في مراجعة سياسات التحايل والتذاكي والأطماع التي سوّلت لطهران عسكرة أبناء الطائفة الشيعية ليصبحوا مصدر تهديد لدولهم وإرهاب لمجتمعاتهم وشركائهم في أوطانهم.

سبق لكثيرين أن أشاروا إلى أن ما يهم إيران، في نهاية المطاف، هو دوام الاستيلاء على العراق، كقاعدة صلبة للنفوذ ورأس حربة للغزوات الإقليمية. غير أن الوقائع، حتى في الحرب على «داعش»، أظهرت أن حاجة إيران إلى سورية حاسمة لإظهار قوتها وللاحتفاظ حتى بالعراق، وأن حاجتها إلى لبنان – «حزب الله» حاسمة للاحتفاظ بسورية. لذلك، تكافح إيران لإقحام ميليشياتها العراقية في تحرير المناطق العراقية ليصبح الخط الممتد من حدودها إلى ديالى فتكريت فالرمادي ثم الموصل مفتوحاً لبلوغ الحدود السورية ومن ثَمَّ ربط هذه الميليشيات بقوات النظام السوري لوضع «التحالف الدولي» أمام الأمر الواقع: الاعتماد على نظام الأسد (وحلفائه) في محاربة «داعش» وتحرير الرقّة ودير الزور… ولا تكمن أهمية سورية بالنسبة إلى طهران في كونها خط الإمداد والتواصل مع «حزب الله»، أو في كونها متاخمة للعراق، بل خصوصاً لأن وجودها على حدود إسرائيل هو ما يعطي النفوذ الإيراني بعده الإقليمي – و«الإمبراطوري» المخترق للعالم العربي، بمعزل عما إذا كانت إيران متجهة مستقبلاً إلى التطبيع مع إسرائيل أو إلى مهادنة راسخة كالتي أقامها نظام الأسد معها. وفي كل السيناريوات يمكن إسرائيل وإيران أن تكونا متفقتين ضمناً وعلناً على تحييد سورية، فلا تكون مصدر تهديد للأولى أو مصدر إضعاف للثانية، والأهم أن تفريس سورية ولبنان سيكون إلغاءً لـ «عروبة» المشرق وعقبة أمام قيام «نظام عربي» أياً كانت صيغته وأهدافه.

كل ذلك يشير إلى أن هزيمة إيران تكون في سورية أو لا تكون. وكان لا بدّ من أي خطوة لوضع إيران أمام الواقع، لذا كانت «عاصفة الحزم» التي خلطت الأوراق وباتت تفرض تغييراً عميقاً في معطيات الوضع الإقليمي. فعلى رغم وقوع بغداد تحت الترهيب والهيمنة الإيرانيين إلا أن حكومتها صارت أكثر قابلية واضطراراً لأخذ بعض الضرورات الوطنية في الاعتبار، تحديداً في تقنين تدخلات ميليشيات «الحشد الشعبي» في تحرير مناطق السنّة من سيطرة «داعش».

وعلى رغم الضعف والوهن في صفوف المعارضة السورية أمكن إيجاد صيغ للفصائل الإسلامية وغير الإسلامية لتتوحّد سواء في الشمال أو في الجنوب ولتعاود مدّ سيطرتها إلى مناطق للنظام، من بصرى الشام إلى محيط درعا إلى إدلب، ولعل الظهور المحدود لبعض الأسلحة النوعية يؤشر إلى تراجع ولو آنيّ لـ«ممانعة» أمـــيركية لم يعد لها معنى.

ولا شك في أن البداية من اليمن تنطوي على إرباك لسياسات روسية اختبأت أولاً وراء التهوّر والفجور الإيرانيين لتدافع عن «مصالح» في سورية، فإذا بها اليوم إزاء معضلة تمسّ بمصالح أكبر، بل إزاء عجزها عن التأثير سياسياً في الأزمة السورية، وحتى الدول العربية التي تغازل روسيا لإبقاء موطئ قدم لها في المنطقة تبدو أيضاً مسبوقة بالأحداث وأسيرة مفاهيم قديمة تجاوزتها التبدلات الإقليمية.

ليس مطلوباً ولا مُتوقّعاً من الجامعة العربية أن تعلن الحرب على أحد، لكن اتخاذها الأمن القومي محوراً للتفكير والتخطيط يدعوها إلى تشخيص واضح ومعلن لتدخلات تخوضها إيـــران بــــروح استعمارية لا يتردد مسؤولوها في الجهر بها. هذه الحال الاستعمارية تستوحي ضغائن تاريخية بين العرب والفرس، وتتمثّل بمفاهيم إسرائيل وفكرها الصهيوني وأساليب عصابات الاحتلال في ما قامت وتقوم به من تصرّف بالأراضي في مناطق سورية وعراقية ولبنانية، كما أنها اتّبعت لـ «تصدير الثورة» بعض الأساليب السوفياتية، وهـــي استنسخت أخيراً الكثير من تكتيكات تنظيم «القاعدة» والمجموعات الإرهابية الأخرى… لذلك، فإن مواصلة الصمت، واعتناق الحصافة، والإحجام عن إعلان إيران عدواً موازياً للعدو الإسرائيلي، هي تحديداً ما راهنت عليه إيران لتمرير تغلغلها الذي انتقل من مساندة فئة مذهبية إلى تصنيع الإرهاب وزعزعة الأنظمة وتفكيك الدول وتقسيمها.

عبد الوهاب بدرخان – الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫2 تعليقات

  1. نعم يجب أن يعلن العرب بأن عدوهم بات إيران وإسرائيل بل إن إيران أخطر من إسرائيل لثقلها البشري وقدرتها على التحشيد المذهبي في كل مكان في الوطن العربي وليس هذا فحسب بل يجب أن تُقطع جميع الصلات التجارية والاقتصادية والسياحية والمالية مع إيران أي يجب أن تُعزل تماماً كالكلب الأجرب وتُترك لوحدها راقدة بجربها على الضفة الأخرى للخليج العربي .

  2. ايران اخطر على العرب والمنطقة من اسرائيل بمراحل لان ايران تتغلغل الى الداخل باسم أهل بيت رسول الله(ص)ثم تنقض على المقدرات اما اسرائيل فهو عدو خارجي يحاربك من خارج الحدود ومعروف وغير متنكر بالإسلام على الأقل !