بشار الأسد الشجرة التي تحجب الغابة

صحيح أن الرئيس السوري يبدو وكأنه محور القضية السورية. وصحيح أن وسائل الإعلام تصوره على أنه العقبة الكأداء التي تقف في وجه أي حل في سوريا. وصحيح أن الخلاف الأكبر بين المعارضين والمؤيدين يدور حول تنحي الاسد أو بقائه. وصحيح أن الروس والإيرانيين يربطون بقاء الأسد بأي حل يريدونه في سوريا. وصحيح أن خصوم الأسد في الخارج يريدون رأسه. لكن مع كل ذلك، لا يشكل بشار الأسد إلا جزءاً صغيراً جداً من المسألة السورية التي باتت ذات أبعاد دولية وإقليمية وعربية متشعبة. الصراع على سوريا باختصار أكبر من الرئيس السوري بكثير، ولا يعدو بشار الأسد كونه سوى ستار دخاني رقيق لإخفاء معالم الصراع الحقيقية.

عندما ترى الروسي والإيراني والعربي والتركي والأمريكي والإسرائيلي يتصارعون عبر أدواتهم وعملائهم على الأرض السورية، لا بد أن تسأل: ما علاقة ذلك ببشار الأسد؟ هل يتقاتلون ويتنافسون من أجله؟ بالطبع لا، فالرئيس السوري ليس أكثر من رأس جبل الجليد في المحرقة السورية. ومن المعروف أن رأس جبل الجليد لا يشكل سوى عشرة بالمائة، إن لم نقل أقل من الجبل المختبئ تحت الماء. وكذلك الأمر بالنسبة لوضع الرئيس السوري. ولا بد للباحث بعمق في خفايا الوضع السوري أن يضحك كثيراً عندما يسمع البعض وهم يطالبون برحيل بشار الأسد، ويقدمونه على أنه العلاج الشافي للكارثة السورية، وكأن رحيله سيحل كل الصراعات الدائرة على الأرض السورية، وسيعيد سوريا إلى ما كانت عليه، أو ينقلها إلى الدولة الديمقراطية الوطنية المنشودة، أو سيحقق فوراً أهداف الثورة. ليتهم علموا أن المشكلة السورية لم تعد أبداً تتركز في تنحي الرئيس السوري أو استمراره في السلطة، وأن كل من يركز على تنحي بشار الأسد، ويقدمه على أنه أساس الحل، دون أن يغوص في خفايا الصراع السوري، إنما يشارك، بقصد أو بغير قصد، في تسخيف القضية السورية، وربما إخفاء النوايا الحقيقية للفيلة التي تتعارك على العشب السوري. فقد يتنحى غداً، لكن لا قيمة لتنحيه إلا إذا كان نتيجة توافق حقيقي بين القوى المتصارعة على سوريا، أو تقاسم للنفوذ. أما أن يتنحى بشار الأسد بينما الصراع دائر بين القوى المختلفة، فهذا لا يقدم ولا يؤخر شيئاً. هل سيتصالح الإيرانيون والروس والصينيون ومجموعة بريكس والأتراك والأمريكان والعرب والإسرائيليون والأوربيون فوراً إذا تنحى الرئيس السوري؟ بالطبع لا. فهو لم يعد محور الصراع أبداً كي يساهم في إيصال السفينة السورية إلى بر الأمان، بل، كما أسلفنا، فقد غدا هو وجيشه مجرد ميليشيا من الميليشيات المختلفة المتقاتلة على الأرض السورية. ومما يؤكد أن شخصية الرئيس السوري فقدت قيمتها في الصراع السوري أن الإيرانيين يعترفون علناً بأنهم حكام سوريا الحقيقيون. وقد سمعنا المسؤولين الإيرانيين وهم يقولون إنه لولاهم لما بقي النظام شهراً واحداً. وهذا يؤكد أن القضية باتت أكبر وأعقد بكثير من رأس النظام.

ولا بد للعارف ببواطن الأمور أن يضحك كثيراً عندما يسمع الإعلام السوري وهو يتشدق بالصمود في وجه المؤامرة، وهو يصور النظام على أنه أفشل كل المخططات والمؤامرات.أفشل كل المخططات والمؤامرات. لا شك أن النظام يعلم جيداً أنه ليس أكثر من بيدق من البيادق المتصارعة على الأرض السورية، لكنه يقدم نفسه على أنه غيّر العالم بصموده. النظام يعلم علم اليقين أن الصراع في سوريا ليس من أجله أبداً، وأنه مجرد تفصيل بسيط جداً في المسألة السورية. كما يعلم أيضاً أن أهمية الصراع لا تنبع من صمود النظام أبداً، بل من أهمية سوريا وموقعها الاستراتيجي وثرواتها، ناهيك عن أهميتها الكبرى كممر لخطوط الغاز والطاقة بين الشرق والغرب. فالذي حمى النظام حتى الآن ليس جيشه ولا صموده المزعوم أبداً، بل الأطماع الروسية والإيرانية في صراعها مع القوى الأخرى التي تريد قطعة أو حصة من الكعكة الاستراتيجية السورية. ولا تتفاجأوا قريباً إذا رأيتم الإيرانيين يتصارعون مع الروس على سوريا بعد الاتفاق النووي. صدقوني حتى همجية النظام السوري واستخدامه الفاشي للقوة لم يكن ليحدث لولا أنه يأتي ضمن الصراع الأكبر بين المتصارعين على سوريا. بعبارة أخرى فإن الجيش السوري تحول إلى قوة مرتزقة يخوض حرباً بالوكالة ضد جماعات أخرى تعمل أيضاً لصالح أطراف أخرى تنافس الداعمين لبشار الأسد.
ولا بد أن تضحك أكثر عندما تقرأ لبعض السخفاء اللبنانيين وهم يتفاخرون بأن بشار الأسد صمد وغيّر العالم، وأنه لن يتنحى. لماذا لا يقولون لنا الحقيقة؟ هل هو الذي غيّر العالم، أم إن موقع سوريا الاستراتيجي وأهميتها الإقليمية والعربية والدولية هي التي جعلت الصراع بين العالم يصل إلى ما وصل إليه، وأن يخلط الأوراق ويغير التحالفات؟ صدقوني حتى لو كان رئيس سوريا اسمه زعيطو المحنفش كان سيحصل نفس السيناريو في سوريا بسبب القيمة الاستراتيجية للبلاد. الحقيقة أن الصراع بين المتصارعين على سوريا لم يُحسم بعد، وأن بقاء الأسد حتى الآن هو مجرد نتيجة لذلك الصراع على سوريا الاستراتيجية لا أكثر ولا أقل، وليس نصراً يمكن التفاخر به من قبل الممانعجيين وأبواقهم، ولا من قبل الإعلام السوري الذي يرفع إشارة النصر بينما وضع النظام في الواقع كوضع الجندي الذي فقد عينه وأذنه ورجليه ويديه، وتشوه وجهه تماماً، لكنه ما زال يكابر.

لو استطاع بشار الأسد أن يحسم الوضع لصالحه في نهاية الصراع سنبصم له بالعشرة أنه محور المسألة السورية وفارسها كما يدعي مؤيدوه، لكن، كما يعلم الجميع، فإن محصلة أي اتفاق نهائي في سوريا سيكون بمثابة تقاسم للنفوذ بين القوى المتصارعة على سوريا. وسيكون فريق بشار الأسد تابعاً ذليلاً لحلف معين تماماً كما سيكون معارضوه. هل تسمعون الإعلام السوري وهو يتحدث عن فلاديمير بوتين كما لو كان زعيم القومية العربية؟ هل تشاهدون النظام وهو يتحدث بصفته مجرد حجر شطرنج أو حتى مرتزق بيد داعميه كإيران أو مجموعة البريكس؟ فكما أن النظام يتهم معارضيه بأنه بيادق بأيدي الامبريالية الأمريكية، فهو غدا أيضاً باعترافه المفضوح مجرد بيدق بيد الامبريالية الروسية والصينية والإيرانية، إلا إذا كانت روسيا والصين وإيران جماعات خيرية، وتريد إنقاذ سوريا وشعبها ونحن لا نعرف ذلك. بعبارة أخرى، فإن التركيز المفرط على شخصية بشار الأسد في الصراع السوري مجرد ضحك على الذقون وحرف للأنظار عن الصراع الحقيقي.

بشار الأسد ليس أكثر من الشجرة التي تحجب الغابة. والغابة في حالتنا السورية هي الصراعات الدولية والإقليمية والعربية على سوريا.

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. الدكتور فيصل المحترم
    اوافقك هذا الراي السديد
    انا اقترح عليك ان تنشر مثل هذه المقالات للعة الروسية
    لشرح خفايا الصراع على سورية لشريحة كبيرة من المحتمع الروسي
    لان الاعلام الروسي يصور القضية بصورة مغايرة ومخالفة للحقبقة والواقع
    مع استعدادي للمساهمة والمشاركة

  2. بشار وسوريا كلها على بعضها ولبنان بالجملة عبىء على ايران اكثر من فائدة ، ودعك من الكلام الفارغ والهلال الشيعي والوصول الى البحر المتوسط ، ايران تدفع المليارات على هذه الدولتين ماذا تستفيد !!! بعد دراسة متأنية ادركت الدول العظمى ان الأستعمار كان عبىء اكثر منه فائدة ، فقد انتهى عصر التوابل والبهارات والقهوة في دولة واحدة ، القصة كلها مصالح الا بعض الساسة في ايران المؤدلجين الذين يعتبرون ان النفوذ اهم من المصالح وافلسوا ايران وادخلوها في تخلف لا نهاية له ، فعبد الناصر كان بطل الأمة العربية ولكن المصري في عهده مسحوق فقير متخلف حيث كان يرمي احتياطي الذهب المصري من حوامات على الشعب اليمني لرشوتهم في حرب اليمن ( قصة حقيقية صارت في حرب اليمن) ، حتى امريكا نفسها تعتبت ان تكون شرطي العالم وانكفأت ولا تريد لعب هذا الدور ، باختصار عندك حل في سوريا او كعادتك فقط توصيف لمشاكل لا تقدم ولا تؤخر ، شعب يموت وانتهى والعالم تناساه مثل قصة تحرير الموصل ، وسوف يبقى هكذا عشرات السنوات على نفس الوضع ان لم تكن هناك مبادرات جدية من اصحاب القرار الفعلي واولهم تركيا ، بضبط حدودها وانهاء هذه المهزلة ، فالتاريخ يعلمنا ان كل ثورة مسلحة يعقبها حكم ديكتاتوري مستبد وهذا شيء طبيعي لأن الشعب كله مسلح ، فكيف ستضبط الوضع من الجزائر الى فيتنام الى كوبا الى الصين الى روسيا نفسها والتاريخ قبله كلهم بدون استثناء نفس القصة ، او تتحول سوريا الى الصومال وافغانستان والأرجح ان تتحول الى هكذا نمط بسبب ان الشعب نفسه غير متماسك نتيجة تخلفه الديني والسياسي والأجتماعي والجيش نفسه لا يملك القوة الكافية لضبط الوضع من جديد على اساس وطني ، فالذي موجود في الساحل ليس سوري بل نصري واللي بالسويداء ليس سوري بل درزي ، وبالتالي تفكك المجتمع بهذه النعرات ، فأصبح المجتمع يقسم السوري الى اداءه للطقوس الماورائية وليس بالمواطنية او ادائه للضرائب ، وهذا سببه خلل في الفكر الأسلامي المعاصر حيث الغى كلمة مسلم وادخل بدالها كلمة ( مسلم سني ومسلم شيعي ومسلم درزي ثم اتى لاحقاً اغبى منهم فسحبوا كلمة مسلم من الأساس وصارت سني ودرزي وشيعي ونصري ومدري شو ، فلم يعد الأساس الأنسان بل اصبح الدين هو الأساس وهذا نمط متخلف ومدمر من التفكير وخصوصاً في دول تعددية مثل سوريا ولكن من يسأل فالسعودية تحتاج هذه النعرات المذهبية في صراعها الأستراتيجي مع ايران او ما يسمونه الصراع السني – الشيعي الذي ادخلت المنطقة كله فيه والشعب السوري يا غافل الك الله ما فهمان شي وعلى نيّاتو

  3. طيب هل لا اكتشفت اللعبه لكن ليش كنت عم تنبح وتحرض السوريين على بعضهم ماكان اشرفلك لو اخدت هدا الموقف من البدايه وكنت لعبت دور مانديلا مو احسن ماتكون من جماعة القاعده

  4. كلام صحيح مع بس و بس:
    البس الأول: لازلت منحاذ لأنك تركز عل جرايم الأسد و جيشه بحق الشعب و البلد و لا تذكر جرايم المعارضة المدعومة من الديمقراطية قطر و الحرة السعودية و الجوهرة الرمز تركيا. يعني نقد هل الدول يكون حسب كمية البترودولار المقدم لك.
    البس الثاني: هل اكتشافك هاد جديد؟ ماذا عن برنامجك الذي لم يمهد أي طريق للسلم الأهلي في سوريا؟ أين النقد الذاتي يا دكتور؟