من الذي ينفذ الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط ؟

قلما تستمع لبرنامج أو تتصفح موقعاً إعلامياً لما يسمى حلف “الممانعة والمقاومة” إلا ويكرر أن ما يحدث في سوريا ليست ثورة، بل مجرد لعبة أمريكية لتمرير مشروع الفوضى الخلاقة لإعادة رسم خرائط سايكس بيكو وغيرها من مشاريع التفتيت والتقسيم. لا شك أننا كنا سنصدق هذه الأطروحة لو كان الخطاب الإعلامي والسياسي “الممانع” متماسكاً منذ بداية اندلاع الثورات العربية. فمثلاً عندما اندلعت الثورة المصرية على حسني مبارك سارع التلفزيون السوري فوراً إلى نقل مشاهد تنحي مبارك عن السلطة على الهواء مباشرة. وقد كان العنوان الذي اختاره وقتها لمشاهد سقوط مبارك: ” سقط نظام كامب ديفيد”. وبدوره فعل الشيء نفسه الإعلام “المقاوم” بين قوسين طبعاً، فراح يهلل بحرارة عز نظيرها للثورة المصرية. وقد فعل الإعلام “الممانع” الأمر ذاته من قبل مع الثورة التونسية على اعتبار أن نظام زين العابدين بن علي “عميل”. باختصار شديد، لم يكن هناك مشكلة لحلف الممانعة مع الثورات العربية عندما اندلعت ضد أنظمة لا تواليه.

لكن ما أن اندلعت الثورة السورية حتى راح الإعلام المقاومجي يصفها فوراً بأنها “مؤامرة كونية” على النظام “الممانع والمقاوم” في دمشق، مع العلم أن الكثير من السوريين ما كانوا ليثوروا لو كان لديهم نظام كنظام الرئيس المصري حسني مبارك. لقد كان النظام المصري ديمقراطياً عظيماً مقارنة بالنظام السوري الذي كانت مخابراته تتدخل حتى في شأن الفلافل وإقامة الأعراس. لقد كان كل من يريد أن يفتح مطعماً أو حتى كشكاً صغيراً لبيع الفلافل في سوريا بحاجة للحصول على موافقات أمنية من عشرات الفروع وعلى رأسها المخابرات الجوية. تصور أنك كنت في سوريا بحاجة لموافقة الأمن الجوي لقلي الفلافل. ما علاقة الفلافل بربكم بأمن الطائرات والصواريخ؟. فعلاً عجيب. أما الأمن السياسي فكان مسؤولاً عن الأعراس والحفلات، فلا يمكن لأي شخص يريد أن يتزوج في سوريا أن يقيم حفلة أو يستدعي مطرباً لإحياء الحفلة إلا إذا حصل مسبقاً على إذن من الأمن السياسي في المنطقة. بعبارة أخرى، فإن وضع الحريات في سوريا مقارنة بنظام حسني مبارك في مصر كان كارثياً بكل المقاييس. وبالتالي كان أولى بالسوريين أن يثوروا على نظامهم قبل أن يثور المصريون الذين كانوا قادرين على شتم الرئيس ليل نهار في الشوارع دون أن يتعرض لهم أحد بسوء، بينما كان شتم الرئيس في سوريا يودي بصاحبه خلف الشمس. فلماذا اعتبر حلف “الممانعة” الثورة المصرية مباركة، بينما الثورة السورية مؤامرة وجزء من مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي؟

هل يعلم حلف “الممانعة” أن الذي حوّل الثورة السورية إلى مؤامرة حقيقية على سوريا والمنطقة هي الطريقة التي تعامل بها النظام وحلفاؤه مع الثورة؟ هم الذين جعلوها جزءاً من مشروع “الفوضى الهلاكة” الأمريكي بوحشيتهم وهمجيتهم وسوء تصرفهم. لاحظوا الفرق بين سوريا من جهة ومصر وتونس من جهة أخرى، فاستجابة النظام لمطالب الثائرين في مصر وتونس جنّب البلدين كارثة كان يمكن أن تحرق الحجر والبشر لو أن مبارك وبن علي قررا مواجهة المتظاهرين بالحديد والنار. لكن تنحيهما التكتيكي، على الأقل، عمل على تجنيب الشعبين في تونس ومصر تبعات الثورة السورية. صحيح أن الثورتين في مصر وتونس لم تحققا مطالب الثائرين، لكن على الأقل لم يتشرد نصف الشعبين، ولم يمت منها الملايين بسبب همجية ومكابرة النظامين. على علاتهما يبدو نظام مبارك وزين العابدين بن علي مقارنة بالنظام السوري حملين وديعين، لأنهما لم يتسببا بواحد بالمليار مما تسبب به نظام بشار الأسد للسوريين من مصائب وكوارث لم يسبق لها مثيل في القرن الحادي والعشرين، كوارث استغلها المتربصون لمشاريعهم الخاصة.

لن أختلف مع مفكرجية ومحللجية لبنان والنظام السوري بأن الثورة السورية تحولت إلى مشروع فوضى يناسب المشاريع الإسرائيلية والأمريكية التي تستهدف المنطقة. لكن هل كان المشروع الأمريكي ليتحقق بضرب استقرار المنطقة وشرذمتها وتقسيمها لو أن النظام السوري وأتباعه تعاملوا مع السوريين كما تعامل زين العابدين بن علي وحسني مبارك مع التونسيين والمصريين؟ هل سأل بتوع “الممانعة” أنفسهم هذا السؤال قبل أن يصفوا الثورة السورية بأنها مؤامرة كونية وجزء من مشروع الفوضى الخلاقة؟ هل يذكرون ما قاله بشار الأسد لصحيفة “التايمز” البريطانية بعد ستة أشهر على اندلاع الثورة بأن سوريا، حسب وصفه، “تقع على فالق زلزالي خطير، ولو حركناه لاشتعلت المنطقة بأكملها”. هذا ما قاله بشار حرفياً. من الذي زعزع استقرار المنطقة إذاً ووضعها على كف عفريت بحيث أصبحت ناضجة لتنفيذ المخططات الأمريكية الشريرية؟ أليس النظام السوري وحلفاؤه؟ هل كان ليحصل ما حصل في سوريا لو حصل ما حصل في مصر وتونس؟ هل كانت سوريا لتشتعل وتصبح بؤرة للتطرف والإرهاب والفوضى التي تهز كل الدول المجاورة لو أن بشار الأسد على الأقل تعامل مع السوريين كما تعامل حسني مبارك وزين العابدين بن علي مع المصريين والتونسيين؟

لم يعد هناك أدنى شك بأن بشار الأسد، كما قلنا في المقال السابق، أصبح كالشجرة التي تحجب الغابة، وبأنه أصبح مجرد غطاء لمشاريع دولية خطيرة في سوريا والمنطقة بسبب سياسته الغشيمة التي وفرت للطامعين أسباب التدخل في سوريا وتحقيق مشاريع الفوضى. هل كان لتلك المشاريع أن تبدأ وتنضج لولا فعلته الأولية المتمثلة بإشعال الحرب في سوريا وتحويلها إلى بؤرة للتطرف والإرهاب والفوضى؟ ألا يخدم ما فعله بشار الأسد المشاريع الامبريالية والصهيونية في المنطقة؟ ألا يمكن القول إن حلف الممانعة والمقاومة الذي كان أول من حذر من خطورة مشروع الفوضى الخلاقة الأمريكي أصبح عملياً قائداً ومنفذاً لمشروع الفوضى انطلاقاً من سوريا؟ لا ننكر أبداً أن مئات الجهات والأطراف العربية والإقليمية والدولية أغرقت سوريا بالجماعات المقاتلة والمسلحة، وساهمت في تخريبها، لكن السؤال الأهم: هل كان لسوريا أن تصل إلى ما وصلت إليه من خراب ودمار وتشرد وبؤرة لتحقيق المشاريع الأمريكية الهدامة لو أن النظام وحلفاءه تصرفوا مع الوضع منذ بداية الثورة بحكمة وروية على الطريقة المصرية أو التونسية؟

فيصل القاسم – الشبيبة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫7 تعليقات

  1. كذبت استاذ فيصل، فأنت وامثالك سرعان و سمحتم أفكار شباب الأمة وقلبتم المفاهيم خدمة لاعدائها. وهذا ليس بغريب عنكم فأنتم مثال القذزارة والانحطاط الأخلاقي والمهني. ولكن لابأس الشعوب العربية كشفتكم والله يمهل و لا يعمل ومصيركم مزابل التاريخ

  2. قبل أن نلوم الأهبل على هبله وسوء تصرفه يجب أن نلوم الطائفة التي كانت ومازالت تقف ورائه بكل قوة دفاعا عن مصالحها الحقيرة الضيقة والسؤال هنا هل كان العلويون ليقبلون بتنحي الأهبل منذ بداية الثورة حقنا للدماء والخراب وهم يملكون ويحتكرون جميع وسائل القوة من جيش وأمن ومال ؟ لا أعتقد ذلك وهذا هو السبب الحقيقي وراء ما حصل من دمار ومجازر في سوريا أما موضوع تنحي الأهبل أو بقاؤه أو استبداله بأخيه المجرم أو بسواه فهي مجرد تفاصيل تافهة تماما كالشجرة التي تحجب الغابة .

  3. وبإمتيااااز .. هي وظيفته منذ البداية للوصول بالمنطقة لما وصلت إليه .. هو كرت بيد الماسونية ذئاب الظﻻم وأنصار إبليس والدجال للوصل لما آن إليه الوضع .. فلاتستغربوا كل مايجري ﻻنه مخطط له وقد يستغلون الثورة بسوريا لأهدافهم وقد يدسوا السم بالعسل ويلعبوا على وتر حقوق الإنسان والحيوان و و .. وقد يكونوا الناس خدعوا بالأمم المتكالبة وهم رأس الماسون في العالم ولكن … ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين .. لعل الله يهيأ أهل الشام لأمر عظيم فيه الخير لهذه الأمة وبالنهاية .. على قدر أهل العزم تأتي العزائم ..

  4. اول مرة فيصل قاسم يعترف بانها مؤامره ولكن يحمل سبب حدوثها لبشار

  5. الذي ينفذ الفوضى الخلاقة معروف لأنه يعمل على الساحة الأن , ولكن من الذي خطط لها !!! ذلك هو السؤال !!!

  6. والله يا دكتور فيصل امثالك هم من جلب هذه الافكار المسممه لعقول شباب الوطن . بعت نفسك لدرهم امير قطر الديمقراطي واليوم تتكلم عن نظام الممانعه. طيب اتفضل ارجع عسوريا و ورجينا حبك لوطنك و رجولتك….. و معلش موت كرمال الوطن . سوريا بتستاهل تموت مشانا. بس سوريا مو ناقصها مرتزقه و بوام متلك …..

  7. لماذا تقارن الحراك السوري بالحراك المصري والتونسي وليس بالليبي أو اليمني؟ علماً أن الثورتين في تونس ومصر حشدتا الملايين في العاصمتين تونس والقاهرة بينما لم تستطع الثورة السورية حشد أعداد كبيرة من الناس في دمشق ولو تمكنت لسقط النظام خلال اسبوعين كما حدث في مصر وتونس