هل يريد تنظيم الدولة إقامة الخلافة أم تكريس الاستبداد ؟

دعونا نسلم جدلاً بأن من حق الإسلاميين تشكيل تنظيمات سياسية وحتى عسكرية للدفاع عن أنفسهم واستراتيجياتهم ومشاريعهم. لا شك أن لديهم الكثير من المبررات، وعلى رأسها أن الإسلام دين ودنيا، ومن حقهم أن يأخذوا فرصتهم في حكم المجتمعات العربية والإسلامية كما فعلت بقية الأحزاب والتيارات على مدى أكثر من نصف قرن من الزمان، ولنترك الحكم الأخير لصناديق الاقتراع وأصوات الشعوب. وقد نجد كثيرين ممن يدعون إلى إعادة الخلافة الإسلامية كما يفعل تنظيم الدولة الإسلامية. لكن هناك فرقا كبيرا بين التمنيات والرغبات وبين الواقع والمعطيات.

وعندما نجد من يدعون إلى إقامة أنظمة إسلامية على شكل خلاقة أو غيرها بشكل عبثي في عالم لا يمكن أن يقبل بمثل تلك الأنظمة مهما كان الثمن، فمن حقنا عندئذ أن نعتبرهم، إذا أحسنا الظن بهم، كمن يحارب طواحين الهواء، وإذا أسأنا الظن بهم، فمن حقنا أن نعتبرهم أدوات غير مباشرة لتكريس الاستبداد وإعاقة قيام دولة الديمقراطية والمواطنة التي بات ينتهجها أكثر من مئة وعشرين دولة في العالم من أصل مئة وثلاث وتسعين دولة.

لا شك أن الحالمين بدولة الخلافة أو بأنظمة إسلامية صرفة سيقولون لك لو أقنعتهم بأن العالم لن يسمح بمثل تلك الأنظمة، إن الدنيا تؤخذ غلاباً، وإن كل الأنظمة عبر التاريخ قامت أصلاً بالقوة وأحياناً عن طريق الإبادة والعنف الوحشي، كما فعلت أمريكا عندما قضت على الهنود الحمر، وأقامت دولتها على أنقاضهم وجماجمهم. وبالتالي من حق تنظيم الدولة الإسلامية وأمثاله أن يفعل ما يشاء لبناء دولته المنشودة، حسب منطقه. لكن لو اتفق البعض مع هذا المنطق، هل يمكن فعلاً أن تكون مثل تلك الجماعات الإسلامية بديلاً حقيقاً للأنظمة التي ثارت عليها الشعوب في إطار «الربيع العربي»؟

نعم ولا. (نعم) وظيفية إذا كان سادة العالم والمتحكمون بجغرافياته السياسية يريدون فعلاً نشوء مثل تلك الكيانات لأغراض تقسيمية ودينية ومذهبية وطائفية تخدم مشاريعهم الاستراتيجية، كما يتوقع البعض في سوريا والعراق.
و(لا) إذا كانت القوى الكبرى تمانع في نشوء مثل تلك الكيانات الإسلامية باعتبارها نقيضاً لحركة التطور السياسي والاقتصادي والثقافي العولمي العالمي. حتى الآن لا يبدو أن المتحكمين بالعالم يباركون الحركات التي تريد ان تبني أنظمة إسلامية كتنظيم الدولة وغيره. ولسنا بحاجة للكثير من الجهد كي نرى أن العالم يتكاتف شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً لتقليم أظافر تلك الجماعات. فقد شكلت أمريكا حلفاً من عشرات الدول لمحاربة تنظيم الدولة، وكذلك فعلت روسيا التي جاءت بأحدث اسلحتها إلى سوريا لمواجهة الجماعات الإسلامية بكل أنواعها، ناهيك عن أن العرب والمسلمين أنفسهم راحوا يشكلون التحالفات لمحاربة «الإرهاب» المتمثل بتنظيم الدولة وأمثاله. وآخر تلك التحالفات «التحالف الإسلامي ضد الإرهاب» الذي أعلنت عنه المملكة العربية السعودية قبل أيام قليلة.

وعندما نرى الموقف الدولي المتأهب لمواجهة تلك الجماعات بكل أنواع الأسلحة السياسية والثقافية والإعلامية والاقتصادية، لا بد أن نسأل على ضوء ذلك: هل تريد الجماعات الجهادية كتنظيم الدولة وغيره فعلاً إقامة نظام الخلافة المنشودة (الممنوعة أصلاً)، أم إنها بعنادها العبثي أصبحت، بطريقة غير مباشرة، تلعب دور الفزاعة لصالح الطواغيت الساقطين والمتساقطين ولصالح القوى التي تريد لشعوب المنطقة أن تبقى تحت نعال الطغيان من أجل إعادة الشعوب إلى زريبة الطاعة، على اعتبار أن الديكتاتوريات العسكرية والأمنية أفضل من تلك الجماعات الإسلامية المتطرفة بالنسبة للشعوب وللعالم الخارجي على حد سواء؟ أليس من حق البعض في هذه الحالة أن يتهم تلك الجماعات بأنها أفضل داعم للنظام السوري وأمثاله الحاكمين في أكثر من بلد عربي، لأنها تقدم بديلاً لا يقبله العالم الحديث، ولا تقبله الشعوب الثائرة؟

أليس من حق الشعوب التي ثارت ضد الطغيان في سوريا ومصر وتونس وليبيا واليمن وغيره أن تسأل أصلاً: هل ثرنا لاستبدال طاغية عسكري علماني بطاغية ديني يريد ان يعود بنا إلى غياهب الماضي السحيق بينما العالم يتقدم على كل الأصعدة بسرعة رهيبة؟ أليس من حقها أن تقول إننا لم نثر كي نستبدل الفالج بالسرطان، أو العكس؟

عندما يكون البديل للأنظمة الساقطة والمتساقطة على شكل تنظيم الدولة وأمثاله، فهذا يعني بالضرورة أن تلك التنظيمات تساعد بطريقة غير مباشرة الأنظمة الاستبدادية المتساقطة، لا بل ربما تدفع بعض الشعوب التائقة إلى الحرية والديمقراطية ودولة الحداثة إلى العودة لأحضان الطواغيت الذين ثارت عليهم، أو تتمسك بهم، لأن البديل القادم «داعشي».

وهنا من حق الجميع أن يضعوا ألف إشارة استفهام على ظهور تنظيم الدولة وأمثاله واستفحاله وانتشاره في هذا الوقت بالذات. لاحظوا أن التنظيمات الجهادية لم تقدم بديلاً ديمقراطياً مدنياً حداثياً للشعوب، بل تطرح نموذجاً من غياهب الماضي الذي لم يعد صالحاً لعالم اليوم بأي حال من الأحوال لا سياسياً ولا تكنولوجياً ولا إعلامياً ولا ثقافياً، وكأنها تقول للشعوب: ابقي على قرودك حتى لا يأتيك الأقرد منها.

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫5 تعليقات

  1. يا فيصل
    هذه حقائق أنت تجاهلتها أو تناسيتها :
    1- الاسلام جوهر نظام الحكم فيه هو الشور عندما كان الغرب و غيره يحكمون بالحق الالهي و يعتقد الغربيين ان ملوكهم هم ظلال الله في الارض و ان عزلهم هرطقة و كفرا
    2- داعش و القاعدة شعاراتها صحيحة و لكن داعش و القاعدة هما تنظيمان مخابراتيان دوليان هدفهما ليس اقامة الخلافة بل اعاقة قيام تلك الخلافة عن طريق تشويهها في انظار الجهلة من الشعوب الاسلامية
    3- من قال ان الاقليات في ظل الخلافة الاسلامية مهضوم حقها فهو جاهل بالتاريخ بل لا يرى حتى الواقع فكثير من الوزراء و المستشارين كانوا من غير المسلمين في ظل مراحل الخلافة المختلفة و كانت الحقوق الدينية و الثقافية و الاقتصادية محفوظة لغير المسلمين
    4- العالم الديمقراطيات الغربية ليست ديمقراطيات كاملة فاساليب التلاعب بالوعي و الراي العام فن يدرس في الجامعات الغربية و يطبق على ارض الواقع و الديمقراطية الالمانية اختارت هتلر و الديمقراطية الايطالية اختارت موسوليني و الامريكية اختارت جورج بوش الذي كان معدل ذكاؤه اقل من المتوسط
    5- اخيرا نظام الحكم يختاره الشعب و هذا النظام يجب ان يكون نابعا من ثقافة و هوية الشعب لا نظام مفروضا عليه من الخارج لان هذا سيؤدي لعدم الاستقرار السياسي و النظام الصيني و الروسي و الايراني رغم انهم نظم دموية و تحكم بالقوة والعنف الا انها ايضا انعكاس لثقافة و ارادة تلك الشعوب و النظام الاسلامي الحقيقي ابعد ما يكون عن تلك الانظمة الاجرامية

  2. لو كانت الشعوب مقتنعة فعلا بتلك التنظيمات (الإسلامية) لما استطاعت قوة في الأرض إزاحتها أو تغييرها ولكنها أثبتت للبيئة الحاضنة لها بأنها لاتفرق شيئا عن الأنظمة القمعية العسكرية هذا إذا لم يكن الاثنان مكملان لبعضهما البعض ويحتاجان لبعض أيضا كحاجة الكائنات الحية للأكسجين أما القول بأن تلك التنظيمات على حق من حيث المبدأ ولكنها أخطأت في الفهم والتفسير والتطبيق فهو كمن يقول بأن طروحات حزب البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية على حق أيضا ولكن النظام السوري والعراقي قد أخطآ في فهمها وتفسيرها وتطبيقها ؟ لايعيب الدين ولا ينتقص من قدره وجود تلك الطحالب والعوالق المتسلقة عليه والتي تحاول تغطية جوهره وصبغه بلونها الأسود القاتم ولكن العيب والقصور وسوء النية أيضا فيمن يحاول إقناع نفسه وإقناعنا بأن تلك الطحالب والعوالق جاءت من قلب الدين ومن لب الإسلام ولم تتسلق عليه لتغطيه وتشوهه .

  3. مجرد حثالة حاقد على المسلمين و يضحك على عقولهم بكلمات تدغدغ عقولهم – فهو يدرك انهم سيصدقونه و يصدقون مقدماته – لن تنجح الثورة ما لم تدخل جيوش المسلمين السويداء

  4. شكلك كانك عم تحضر حالك منشان ما يصطادوك جماعة الدواعش يا فيلص البغل!!؟ لعنك الله انت والبرميل حمد تبعك ومن لف لفيفكم وزعيمكم الأكبر سمو الشيخ موساد … قال شو: إذا وافق الجيش السوري الحر على الاشتراك مع جيش بشار الأسد للعمل كصحوات بقيادة روسية وأمريكية فيكون فعلاً ليس فقط جيش كُر بل ابن ستين ألف كُر .. وانت شو يا ابن الستمية مليون ابن حرام .. ولك حتى كلسونك شلحتو وشعلت فيه منشان تضل بلادك عم تحترق يا ديوث !!