أميركا أحيت ” الفزاعة ” الروسية و تتحكم بها !

بعد تفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار منظومته، باتت الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم نظراً إلى إمكاناتها الهائلة التي تضعها في مرتبة أعلى بكثير من حليفاتها الأوروبيات وسواها. لكن تبين لاحقاً أن إدارة العالم تتطلب أكثر من قطب بعدما تحولت عبئاً ثقيلاً على أميركا، وصار مطلوباً منها أن تكون «شرطي العالم» الوحيد الذي يتدخل في كل شاردة وواردة، حتى بعيداً من مصالحها.

ومع الوقت، واختبار القدرات عبر الخوض في الأزمات والتسويات، قرر الأميركيون أنه لا بد من إعادة إنتاج «روسيا قوية» لأنها حاجة اميركية بالدرجة الاولى. ذلك ان الصين، القوة الكبرى الثانية، لم تستطع تعويض الغياب السوفياتي نتيجة ضعفها العسكري النسبي وانطوائيتها وانشغالها بخياراتها الاقتصادية و»تشددها الإيديولوجي». ومع الوقت اضطرت واشنطن التي اعادت موسكو الى موقع «الشريك» الدولي الى التغاضي عن تجاوزات الروس المتكررة، خدمة للهدف الأصلي.

وهكذا غزت روسيا جارتها جورجيا ثم اوكرانيا من دون رد ملائم. ومع ان الولايات المتحدة وأوروبا فرضتا عليها عقوبات مؤلمة، إلا أن الغرض منها كان «التأديب» و «الضبط» وليس العزل. ولهذا عادت روسيا وتدخلت، بناء لتفاهم مسبق مع الأميركيين، في سورية، ومرة أخرى لأن أميركا في حاجة إلى دورها هناك في تغطية قرارها الذي لا عودة عنه بعدم التورط في «المستنقع» السوري مهما كان الثمن.

قارنت الإدارة الأميركية إيجابيات وسلبيات التدخل في سورية لإنهاء مأزق المراوحة بين المعارضة والنظام، واستنتجت أن وقف الحرب في هذا البلد سيكلفها غالياً في مقابل ثمن «غير مناسب» قد لا تحصّله أساساً، إذ لا ثروات في سورية ولا عقود مغرية للشركات الأميركية، فيما إعادة البناء قد تتطلب وقتاً لأن إعادة اللحمة إلى المجتمع السوري تبدو أمراً صعباً للغاية، ولأن عدد الذين يستطيعون فرض شروطهم في أي تسوية أكثر مما يجب، إضافة إلى أن التدخل الروسي قد يساعد في تحويل بوصلة الإرهابيين نحو موسكو.

كانت روسيا هي الحل، وكان بوتين الشخص الملائم. فالرئيس الروسي طامح كثيراً إلى إعادة بلاده لاعباً رئيسياً في الساحة الدولية من باب «القوة الذاتية» التي تخوّلها فرض إرادتها على اللاعبين الآخرين، كباراً وصغاراً، ومتعلق كثيراً بوهم أنه يستطيع إعادة مجدها «السوفياتي» من دون دول «حلف وارسو» التي كانت عبئاً أكثر منها سنداً. ولهذا تفاخر بإنفاق خمسين بليون دولار على الألعاب الشتوية الأولمبية في سوتشي، لا تزال موازنته تعاني منها حتى الآن.

وبالطبع جاراه الأميركيون في إحلامه، كي يستطيعوا توريطه حيث يريدون، فيما هم يعرفون تماماً نقاط ضعفه ومكامن هشاشة دولته التي تأتي في المرتبة العاشرة اقتصادياً في العالم. أما عائدات النفط التي بنى خططه على ارتفاعها، فسرعان ما انهارت ودفعته الى مراجعة توقعاته نحو الأسوأ اكثر من مرة. حتى انه اضطر في خطاب «حال الأمة» الذي ألقاه اخيراً الى دعوة الروس إلى توقع المزيد من التقشف وضبط الأنفاق.

ولا تزال البنى التحتية في روسيا عصية على التحديث، فالتعليم والطبابة في وضع سيء للغاية ولا يمكن مقارنتهما بما تقدمه حتى بعض الدول النامية لشعوبها. اما الفساد فينخر المؤسسات والشركات حتى في القطاع الخاص، وآخر الفضائح في هذا المجال إفلاس مصرف حكومي (فنيشكونوم بنك) كانت مهمته إنقاذ الشركات والأعمال الصغيرة المتعثرة، يتطلب إنقاذه 18 بليون دولار لا تتوافر في الخزينة، في وقت يعاني الروبل من خضات متوالية جعلت سعره يتدهور امام الدولار، فيما الوعود تتكرر بجعله عملة قابلة للتداول عالمياً.

وإذا كانت الحملة العسكرية في سورية لا تزال منخفضة التكاليف (وفق تقديرات أميركية) حتى الآن، فلأن معظم القنابل التي تلقيها الطائرات الروسية والمكدسة في مخازن الجيش منذ سبعينات القرن الماضي، كانت ستكلف اكثر بكثير لو قرر تفكيكها وإزالتها، وهو ما يعترف به الروس انفسهم.

روسيا عملياً ليست سوى «فزاعة» يحركها الأميركيون كلما احتاجوا عدواً وهمياً يبررون به سياساتهم، لأنهم يعرفون بوضوح حدود قدراتها، ويستطيعون لجمها إذا استنتجوا أنها تتجاوز «الدور المرسوم» لها.

حسان حيدر – الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫4 تعليقات

  1. بوجود الدب بوتين والموتور الخرامنئي والتافه الأهبلوف والمخبول البغداي والتشتوش أوباما كلاعبين أساسيين على الأرض السورية تبدو فرص إيجاد حل في السنة القادمة ضرب من الخيال … كان الله في عوننا جميعا لأنها ستكون سنوات صعبة دموية بانتظارنا …..حفظ الله السوريين من كل سوء في العام الجديد ولكل عام بإذنه تعالى وكل عام وأنتم وسوريا بخير .

  2. أنا مع المقال
    الروس عبارة عن فزاعة وماخرج يعملوا شي
    والأميركان ورطوهم
    بس للأسف على ارضنا
    الله يقرف عمره على عمر الروس على عمر كل بلد او شخص عمبتخرب في سوريا

  3. المشكله السوريه كانت و ما تزال و ستبقى بالدرجه الأولى مشكله داخليه , فلو توحدت المعارضه بشرف لأجل التخلص من النظام لما بقي أسبوعا واحدا و لكن المعارضه اكثر تشرذما من الذباب. و النظام مهما دعمه الروس مياشره او الامريكان من تحت الطاوله فلن يبقى مهما طال الوقت لأن وجوده مناف لمنطق الحياة و التاريخ.

  4. بسبعينيات القرن الماضي قال الكاتب السوري المعروف محمد الماغوط ” كل طبخة بالشرق الاوسط تعدها أمريكا وتوقد عليها روسيا وتبردها أوروبا واسرائيل تتناول الوليمة والعرب يغسلون الصحون” فعلا كما قال توقد عليها روسيا التي هي الوجه القبيح لامريكا التي تدّعي حمايتها للعدل وحقوق الانسان زورا وبهتانا فهي تتهرب قدر الامكان من تنفيذ الاعمال القذرة بيدها مباشرة فتوكل لروسيا تنفيذ المهمات القذرة.

    أثناء القاء سوزان رايس لكلمتها بمجلس الامن بعد استخدام روسيا للفيتو الاول والتي قالت فيها الآن السوريون يعرفون من هو عدوهم ومن هو صديقهم كانت الكاميرا تنتقل لتصور المندوب الروسي تشوركين الذي بدأ مصدوم مما تقوله مندوبه أمريكا وكان نظراته تتوه للامام والاعلى والتوتر يبدو عليه ولسان حاله يقول لرايس نحن طبخنا هذه الطبخة سوية وبعدها بعدة أشهر صرح نائب وزير الخارجية الروسي بأننا كنا نعلم أن الامريكان يصلون ليلا نهارا كي تستخدم روسيا الفيتو بمجلس الامن وربما لو لم نستخدم الفيتو لكانت مندوبه أمريكا رفعت يدها….هذه هي امريكا