سؤال بسيط إلى الحالمين بعودة الخلافة

من حق كل الدول والجماعات أن تحلم بالنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي تريده. إنه حق إنساني لا يمكن أن ينكره أحد. لكن طبعاً شتان بين الحقوق المعترف بها دولياً في القوانين وأدبيات حقوق الإنسان وبين ما يجري على أرض الواقع. لا بد أن نكون واقعيين، خاصة عندما نحاول أن نتحدى العالم، كما تفعل بعض الجماعات الإسلامية المتشددة كتنظيم الدولة وغيره. لا شك أن ملايين المسلمين العاديين يتوقون إلى ذلك الزمن الإسلامي الجميل الذي رفع راية الإسلام والمسلمين عالياً. لكن ألا تعتقدون أن طرح دولة الخلافة في هذا الزمن العصيب أقرب إلى الفكر الرغبوي، إن لم نقل إلى التهريج السياسي منه إلى الواقع؟

أريد أن أسأل بعض الأسئلة البسيطة: لماذا ننكر أن النظام الرأسمالي الغربي بتشعباته السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية هو النظام المسيطر عالمياً، ولا وجود لمنافسين أقوياء له بنفس الجبروت حتى بعد عقود وعقود؟ حتى النظام الشيوعي الذي كان يسيطر على نصف العالم تقريباً، وكان له أذرع عسكرية وقنابل نووية وهيمنة ثقافية واقتصادية رهيبة فشل في النهاية أمام النموذج الرأسمالي، لا بل أعلن هزيمته، وانضم إلى الكتلة الرأسمالية، بحيث أصبحت موسكو بعد سقوط الاتحاد السوفياتي أكثر رأسمالية من نيويورك ولندن. وحتى الصين ذلك العملاق البشري والاقتصادي الهائل لم يكن لينجح ويتمدد لولا السير على خطى النظام الغربي. ولو ذهبت إلى الصين لوجدت أنها نسخة رأسمالية مشوهة عن الغرب، فكل شيء فيها غربي الشكل باستثناء اللغة وأشكال الناس.

لا أريد أن أتشعب كثيراً في التساؤلات، وسأطرح فقط نقطتين على الجماعات التي تريد أن «تفتح روما»: ألا ترون أن النظام الرأسمالي لديه مفتاح واحد وباب واحد، وكل من لا يدخل من ذلك الباب يبقى في البرية خارج العالم والزمن؟ ولا ننسى أنه إذا أراد أي شخص أن يحوّل عشرة دولارات إلى أي مكان في العالم لا بد أن يمر عبر أمريكا التي تُحكم قبضتها على خناق الاقتصاد العالمي، فلا يمر شيء إلا عبرها، ناهيك عن أنها ربطت كل المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية التي تحرك، وتمسك بزمام الاقتصاد العالمي بها.

لا يمكن لأي بلد قوي أن يخرج عن الطوق الاقتصادي الغربي عموماً والأمريكي خصوصاً، والويل لمن يحاول أن يستبدل الدولار حتى بالعملة الأوروبية، فما بالك بعملة أخرى. وجميعنا يتذكر ماذا حدث لصدام حسين عندما تحدى أمريكا، واستبدل الدولار بعملة أخرى. باختصار شديد، إذا لم تمر عبر البوابة الاقتصادية الغربية، فستتجه إلى خارج العالم. فكيف تريد بعض الجماعات إذاً أن تتحدى النظام الاقتصادي الدولي، وتتعامل بالدينار الذهبي؟
وبنفس أهمية الاقتصاد هناك الآن عالم المعلومات الرهيب الذي ربط المعمورة كلها بسلك واحد اسمه الانترنت. وإذا أردت أن تكون جزءاً من العالم، فلا غنى لك عن الشبكة العنكبوتية. وكما أن النظام الاقتصادي بيد الغرب وأمريكا خصوصاً، فإن شبكة المعلومات الدولية أيضاً تحت اليد الأمريكية، لا بل إنك إذا فتحت موقعاً الكترونياً في قريتك في جنوب غرب السودان، لا بد أن تذهب إلى أمريكا عبر بروتوكول انترنتي خاص، ثم تعود لتفتح الموقع في قريتك. صحيح أن ذلك يحدث خلال جزيء من الثانية، لكن الأمر يمر بأمريكا، شئت أم أبيت. والبعض يقول إن مفتاح الانترنت الدولي موجود على متن إحدى حاملات الطائرات الأمريكية في عُرض البحار.
ولو أرادت أمريكا أن تُخرج بلداً من القرية الكونية، لأطفأت فقط عنه الانترنت، ففقد الاتصال ببقية أنحاء المعمورة اقتصادياً وإعلامياً وثقافياً. ولا ننسى أن الاقتصاد في كل دول العالم أصبح مرتبطاً بالشبكة العنكبوتية، ويكفي أن ينقطع بلد عن العالم يوماً فقط حتى يتكبد خسائر اقتصادية رهيبة. باختصار إذاً، فإن أمريكا تمسك بقوة بخناق العالم اقتصادياً ومعلوماتياً، ناهيك عن أن أي بلد تحرمه أمريكا والغرب من التكنولوجيا المتقدمة، وحتى العادية يصبح بلا حول ولا قوة. وقد توسل النظام السوري ذات يوم عند فرنسا كي تتوسط له عند أمريكا كي يغيّر محرك طائرة الرئيس السوري، لأنه كان يستأجر طائرات خاصة للسفر بسبب الحظر التجاري الذي فرضته أمريكا عليه.

لا نقول هذا الكلام كنوع من السجود لأمريكا. لا أبداً، فمن حق كل الدول أن تكسر الطوق، وتتحدى، وتنافس، ولولا التحدي والتنافس، لما ظهرت قوى عظمى، واختفت أخرى. ولا ننسى أن فوكوياما صاحب نظرية «نهاية التاريخ» الذي توقع أن يكون النظام الرأسمالي آخر الأنظمة السياسية والاقتصادية في التاريخ، غيّر وجهة نظره، واعترف بإمكانية ظهور أنظمة جديدة. لكن هذا لا ينفي أنه مازال أمام القوى الكبرى التي تحاول منافسة أمريكا عقود وعقود كي تجاريها، فما بالك أن تنافسها. فكيف تتنطع بعض الجماعات التي تستخدم سيارات التويوتا اليابانية والأسلحة الأمريكية ووسائل الاتصال الغربية والدولار الأمريكي واليورو الأوروبي، كيف تتنطع وتعلن منافسة العالم، وأنها على وشك أن «تفتح روما»؟

لقد ذكرتموني بأحد الظرفاء الحماصنة الذي قال ذات يوم إنه سيطلع إلى ظهر الشمس، فسألوه: «ربما أردت أن تطلع إلى القمر؟»، فقال: «لا أبداً، بل إلى الشمس»، فسألوه: «لكن الشمس حارقة»، فأجاب: «أيها الحمقى، ومن قال لكم إنني سأصعد إلى الشمس في النهار، سأصعد إليها في الليل».

فيصل القاسم – القدس العربي

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫14 تعليقات

  1. عم نقول هالكلام من ايمتا ؟ بس الدواعش ما عم يفهمو
    الخلافة حلم مثالي ورائع بس من المستحيلات تحقيقه بهاد الزمن طول ما انو الغرب وامريكا اقوياء
    انا بعتقد الغرب مستعد يبيدنا نوويا ولا يسمحلنا نعمل امبراطورية خلافة.
    فهمو الواقع يا دواعش وقلنالكم ان ما بتصنعو رصاصاكم وسلاحكم من البرغي للسبطانة وسياراتكم بنفسكم لا تحلمو تصلو ولا تحققو الخلافة لأنكم لح تضلو مرهونين لأعدائكم ومحتاجينهم
    روحو اول شي اصنعو اسلحتكم وسياراتكم وبعدين تعو قولو بدنا نعمل خلافة معادية للرأسمالية

    1. اسمح لي أن أضيف أننا جربنا فعليا نظام الخلافة 1300 سنة (حتى سقوط الخلافة العثمانية)، ومع ذلك لم نكن منتصرين سوى في القرون الأولى من هذه الفترة الطويلة، وبعدها دخلنا في حروب داخلية وانشقاقات واغتيالات سياسية وانتهينا على شكل أمة مضعضعة متخلفة. فما الذي يضمن لي أن خليفة اليوم سيكون أفضل من مئات الخلفاء الذين سبقوه (ومعظمهم كانوا طغاة فاسدين ياستثناء حفنة صغيرة منهم)؟ وكيف نتخلص من الخليفة الظالم ونظام الخلافة نفسه لا يضع في يدنا أداة للتخلص منه؟ بالانتخابات الديمقراطية وهي ليست مقبولة في نظام الخلافة، أم بقتل الخليفة الظالم والدخول في حروب داخلية كما حدث منذ عهد عثمان بن عفان؟ ولماذا يريد البعض أن يعيدوا تجربة نظام ثبت فشله على مر 1300 سنة؟ عجبي !!

  2. دولة الخلافة دولة خرافية حاليا وغير واقعية وقد عفا عليها الزمان وتجاوزتها عجلة تطور المجتمعات الانسانية هي وكل الانظمة المشابهة القديمة , ايضا ياأخي ليس فقط بالخلافة وتكديس الاسلحة (الخردة) تحيا الشعوب الانسانية الاسلامية بل تحتاج اولا وعاجلا الى العدل والتعليم والصحة وفتح الطرقات والجامعات والمعاهد والاسس والبنية التحتية وتأمين الكهرباء والاتصالات بشكل احترافي ودائم وهذه من ابسط واجبات الدولة الحديثة وغيرها الكثير من واجبات وليس فقط مراقبة الاسواق والسلوك واللباس ومن يخالف يجلد ويفسخ وتقطع اعضاءه ويرمى من شاهق ويحضر الاطفال عمليات التعذيب والاعدام وحفلات الجلد هذه وبالتاي نحصل على جيل مشوه معقد مجرم بالفطرة فهل هذه دولة فاضلة وستعيش وتبني وتحترم من غيرها ام هي وصفة دائمة للفشل والخراب والدمار وتهديد العالم والجوار بالغزو والتفجير والسبي والجزية ثم يستغربون لماذا يحاربوننا

    1. أتفق معك في أكثر ما كتبت في تعليقك ..
      وأختلف معك في أن ذلك سبب محاربة الغرب للدول العربية والإسلامية .. لأن الغرب سيبحث عن ألف مبرر وسيختلق الأسباب ويخترعها لمحاربة الإسلام ..

  3. فيصل القاسم، انت مثل الرقاصة، دور بتهز عاليمين دور عاليسار، صعدت على اكتاف ومشاعر قليلي الفهم. حتى رخي ذقنك لن ينفعك.

    1. اجمل وصف سمعته عن هذا المتارجح (المت اخون.)..هذا الخسيس بالفعل صعد على حساب عقول البسطاء

  4. أحلام الخلافة المريضة عند الدواعش وأمثالهم لاتعني الحلم بالعدل ودولة القانون والشورى والمساواة(وهي بالمناسبة انتهت بانتهاء حكم عمر ابن الخطاب) لأن هذا الحلم من الممكن تحقيقه على الطريقة الغربية وبأبسط الطرق الديمقراطية وعبر صناديق الاقتراع بدون قتال وجهاد واتتحاريين ومفخخات وسواه ولكن أحلامهم المريضة والتي بدأنا نرى جزء بسيط منها هي أحلام السبايا والجواري والولدان والغلمان وملك اليمين في ظل هيمنة مطلقة على العباد باسم الدين والمبايعة الأبدية للخليفة وذريته بل حتى في حلمهم المريض هذا بإمكانهم تحقيق الشطر الأول منه عن طريق استقدام البغايا والشواذ من كل أنحاء العالم بالمال دون إراقة للدماء ولكن من الواضح بأن الدواعش وامثالهم هدفهم هو الحكم والسيطرة المطلقة على العباد وما العباءة الدينية التي يحاولون حشر مخططهم بها إلا لزوم الشغل لا أكثر ولا أقل .

    1. كلامك مزبوط يا كاشف المستور وأوافقك الرأي بس هادا يلّي راخي دأنو أبو الصورة يلّي فوق أنا بصراحة ما بحبّو لأنو مذبذب كتير وبيحب القرش,,, طعميه وفئسو وشوف شلون بيكتبلك يلّي بدّك ياه.

  5. بغض النظر عن تعليقات البعض انا لا أظن أن إعاده دولة الخلافه ضرب من الخيال و الدليل أنها باتت و لو بشكل غبر مكتمل موجوده على الواقع.
    لقد ارتكب الدكتور فيصل في مقالته اخطاء كبيره اولها موضوع الاقتصاد لأن الاقتصاد في الحقيقه ليس بيد امريكا بل بيد اسرائيل. فكل الأنشطه الإقتصاديه في العالم تمر عبر شبكه من المراكز الفرعيه و الرئيسيه يسيطر عليها صهاينه يهود.
    أما عن الانترنت فكوريا الشماليه مثال عملي عن امكانيه وجود شبكه انترنت كامله منفصله عن امريكا.
    اما عن الدينار الذهبي فهناك دراسه بريطانيه عمرها عشر سنوات عن مشاكل الرأسماليه و امكانيه انهيارها اقتصاديا و تتضمن اعاده احياء او انقاذ الرأسماليه بصك عمله ذهبيه.
    لن أطيل و لكن هذا كله يعني ان اقامة دولة الخلافه أمر ممكن.

  6. ممكن ان تقوم دولة خلافة اسلامية تحت رحمة الرأسمالية مثلها مثل اكثر الانظمة العربية وهذا جائز. .لكن السؤال لكل المتحمسيين لدولة اسلامية : ماذا قدم الإسلام للعالم ؟
    ما الإختراعات الذي اضافها المسلميين غير الزكاة وحكم السبايا و القتل وملك اليميين ؟
    اين الدول الاسلامية في وكب العلم ؟
    تطلع الى حال الدول العربية والمسلمة قمة في النزاع و التخلف و النفاق ؟
    واللله لا اقصد التجريح ولكن بالفعل اريد جواب على وقاحة هذا الحلم

  7. هذه دولة خلافة على منهاج النبوة تنكر جميع الديانات و ليست إسلامية او مسيحية او صليبية هي بكل بساطة نسخة جديدة عن بعث العراق.

  8. هالكويتب ذكرني بزعيمه جنبلاط .. كل كم يوم بيدور على عقبيه 180 درجة

  9. انتبه علسانك والا دويلة قطر الاخوانية بتقطعو قبل ماتقطع رزقك وشي تالت كمان