السعودية تقود المواجهة لكن الصراع عربي – فارسي

لم تشأ إيران أن تفهم أن الكيل طفح والصبر نفد عربياً، وليس سعودياً فحسب، وأنها إذا شاءت امتحان العرب خليجيين ومشرقيين ومغاربة بالنسبة إلى السعودية، بل إذا حاولت اختبار المسلمين حول العالم، فهي لن تحصد سوى خيبة أمل تناقض توقعاتها تماماً. فالاصطفاف هنا بديهي وطبيعي، أياً تكن الدوافع، سياسية أو قومية أو دينية ومذهبية. هذه مواجهة ما كان لإيران أن تذهب بها إلى شفير الهاوية، على جاري عادتها، وما كان لها أن ترسل رعاعها للاعتداء على الممثليتين الديبلوماسيتين وهي الطامحة للاعتراف بها كقوة ذات نفوذ إقليمي. لكن طبع المارقة يغلب على طبع الدولة – الندّ للقوى الكبرى كما صوّرت نفسها لحظة توقيع الاتفاق النووي.

أصبحت التدخلات الإيرانية مكشوفة، باستخدامها الاستقطاب المذهبي السنّي – الشيعي كوسيلة لتخريب العالم العربي. هذه سياسة حاقدة وانتقامية وقصيرة النظر لا تأخذ في الاعتبار حقائق المجتمعات التي تخترقها، إذ تزعزع روابط التعايش وجسور التواصل وتهدم ما بُني على مرّ العقود من وشائج بين مواطنين ينتمون إلى وطن واحد. لذلك، لم يكن لأيٍّ من تدخلاتها أي أثر إيجابي، وقد تحوّل بعضٌ منها إلى حالات احتلال تمقته المجتمعات التي يخترقها لأنه يرمي إلى تفتيت الدول، وبعضٌ آخر إلى مشاريع لتعطيل الدولة والاقتصاد. كما أن العمل على العسكرة وإنشاء الميليشيات الشيعية برهن أن وظيفته الأولى هي تفكيك الجيوش وشلّ أجهزة الأمن الوطني.

لم تشأ إيران أن تفهم أيضاً أن نهج «تصدير الثورة» عبر البوابة المذهبية انتهى إلى مآلات سيئة عدة: تأسيس ثقافة فجور سياسي تظهر أكثر ما تظهر في سلوك ميليشياتها، تعميق الانقسامات وإشعال الحروب الأهلية، وتأجيج بؤر الإرهاب واستغلال تنظيماته في «حروب بالوكالة»… وهذه يمكن أن تكون مجدية بعض الوقت وليس كلّه. لا شك في أنها بالغة الإيذاء والإضرار، ولا بدّ من أن ترتد على أصحابها في نهاية المطاف، لكنها ترتدّ أولاً على أبناء الطائفة الشيعية الذين تورّطهم إيران في عداوات داخلية مجانية ومفتعلة مع مواطنيهم، وهذا ما خبره العراقيون واللبنانيون والبحرينيون، فيما لا يزال الصراع في سورية واليمن شاهداً على أكبر جريمتين دبرتهما إيران ضد شعبين عربيين.

… والآن تسعى إيران إلى مدّ مسلسل التخريب إلى المملكة العربية السعودية وسائر دول الخليج، آخر منطقة عربية مستقرة، وعليها يعوّل العرب لمساعدتهم على استعادة سلمهم الداخلي. فاستهداف السعودية معروف ومعلن في خطاب إيران وميليشياتها، لا سيما «حزب الله» اللبناني، حتى قبل زمن من إعلان المرشح الرئاسي الجمهوري دونالد ترامب أن إيران «استولت على العراق والآن تريد السعودية». لا سقف لمشروع التخريب هذا ولا حدود، وإنما مجرد عقل موتور لا يتوقف عن استخراج الضغائن من أوهامه الماضوية لينتج سياساته الظلامية، لكن رفضه الحقائق الجديدة في منطقة الخليج يكاد يطيح كل أحلامه، فعهد «شرطي الخليج» ولّى، فكرةً ومنظومةً ووظيفةً، إلى غير رجعة. وحتى مفهوم النفوذ، بالقوة والهمجية والإرهاب، لم يعد له مكانٌ، حتى لو غازلته الولايات المتحدة أو جاملته، لأسبابها ومصالحها. بل إن الإدارة الأميركية تقصّدت صمّ آذانها حيال عشرات التحذيرات التي أطلقها مجلس التعاون الخليجي، على مدى سنوات، من التدخلات الإيرانية المتمادية، لأنها كانت تسعى في سبيل الاتفاق النووي، وحصلت عليه، ثم واصلت تجاهل تلك التدخلات، لأنها باشرت السعي إلى مصالحها مع ايران. المؤكد أن السكوت الدولي طويلاً، خصوصاً الأميركي والروسي، عن انتهاكات إيران هو ما أوصل الوضع الخليجي والعربي والإسلامي – الإيراني إلى هذا المستوى من التوتر.

مُذ تلقّى الثور الإيراني الهائج تلك الصفعة في اليمن فَقَد صوابه عملياً. كان توصل إلى السيطرة على صنعاء، «العاصمة الرابعة» العربية، ويعيش ربع الساعة الأخير قبل أن يهيمن حوثيّوه على هذا البلد. لم تكن تفصله سوى ساعات قليلة ليشرف على باب المندب فيستكمل تطويق السعودية ويباشر اختراق حدودها… غير أن «عاصفة الحزم» طوت هذا السيناريو نهائياً. لم يعد وارداً ولا ممكناً. أصيب مشروع «الإمبراطورية» بانتكاسة خطيرة وقاتلة، ولم يبقَ لأصحابه سوى أن يمنّوا النفس بأن تكون السعودية استدرجت نفسها إلى ورطة لا نهاية لها. وسواء كانت ورطةً أم لا فإن الخيار (أو بالأحرى اللاخيار) الآخر كان السقوط في الفخّ الإيراني. من اليمن بدأ «ما بعد» الاتفاق النووي قبل شهور من إنجازه فعلاً، إذ لم يكن للسعودية وحلفائها أن ينتظروا أو يصدّقوا أن ذلك الاتفاق سيعيد إيران دولة عاقلة ومسالمة و «شريكة في حل الأزمات»، كما روّج لها باراك أوباما، مع علمه بأنها هي التي صنعت تلك الأزمات وأمعنت في تسميمها.

لم يكن استخدام إعدام رجل الدين الشيعي السعودي نمر النمر سوى ذريعة انتظرتها إيران لإثارة ردود الفعل المذهبية، والعودة إلى صفحة مفتوحة في الصراع مع السعودية. تريد أن تجعل من هذه الواقعة حافزاً ومبرراً لمعاودة تحريك «الورقة الشيعية» في الخليج، تحديداً في السعودية، على رغم أن النمر ليس «زعيم» شيعة السعودية، بل واحداً من الكوادر الذين اشتغلتهم طهران وضخّت في رؤوسهم أيديولوجية ولاية الفقيه. ومَن هم مثله بات معروفاً أن ولاءهم ليس لوطنهم ومجتمعاتهم بل للمرشد، ونماذج هؤلاء منتشرة من لبنان إلى العراق والبحرين واليمن. لكن مجرد التلويح بـ «الورقة الشيعية» صار وصفة مكشوفة، وقد اختُبرت في البحرين قبل خمسة أعوام ولم تكن لمصلحة المخططات الإيرانية ولا لمصلحة الشيعة الذين اختاروا التوتير والتأزيم تغليباً لمطامع طهران في بلدهم، على رغم أنهم أضاعوا عام 2011 فرصة لتحقيق طموحاتهم ومطالبهم ولا يزال بإمكانهم أن يحققوها بالحوار، لكنهم يرفضون الاسترشاد بتجارب الآخرين. فهذه «الورقة» اختُبرت أيضاً على النحو الذي صدّع العراق ودمّر سورية واليمن وعطّل لبنان.

لا مفاجآت في ما يحصل، وحدها التفاصيل لم تكن متوقعة، وفي الأيام المقبلة عندما يلتقي وزراء الخارجية الخليجيون في الرياض ثم الوزراء العرب في القاهرة لن يكون مقبولاً أن تقتصر مقارباتهم على حادث السفارة في طهران أو أي تفصيل آخر، فهذا سيكون فصلاً جديداً من فصول الهروب من طرح تدخلات إيران واعتداءاتها وانتهاكاتها بكل جوانبها، بما في ذلك التقاء أجندتها موضوعياً مع أهداف الولايات المتحدة وإسرائيل، بدليل النتائج الملموسة لسياساتها التخريبية في سورية وفلسطين ودفعها في اتجاه تفتيت البلدان العربية. لم يعد واقعياً التعامي عن كل هذا العداء والأذى، وعن هذا اللعب بالإرهاب، تلك «الورقة» الأخرى الشريرة التي لم يتوانَ العرب عن مشاركة القوى الدولية في التغاضي عن دور إيران المزدوج في تخليقها أولاً من مخلفات إرهاب «القاعدة» ثم في ادعاء التصدّي لإرهاب «داعش». بل شارك العرب أيضاً في السكوت الدولي عن حال الإرهاب المبرمج التي تشكّلها ميليشيات عملت إيران على تفريخها هنا وهناك، ولم يعد جائزاً استثناؤها ولا تجاهل جرائمها وانتهاكاتها.

لا أحد يدعو الدول الخليجية والعربية إلى إعلان حرب على إيران، لكن الأخيرة التي عبثت طويلاً وعاثت فساداً من دون أن تتلقّى أي رد فعل عربي، خلصت إلى الاعتقاد بأنها إزاء منطقة ماتت بفعل تشرذمها وهوانها. لذلك، فإن المطلوب من مجلس التعاون والجامعة العربية يمكن أن يُصاغ في ثلاث لاءات: أولاها، لا للمشروع الإيراني، المذهبي – الفتنوي، لأنه يقود إلى تعميم الحروب الأهلية على المجتمعات والشعوب العربية كافة، وهو ما تمنته إسرائيل ولم تستطع تنفيذه. والثانية، لا استثناء ولا تمييز في الإرهاب، سواء كان إرهاب «داعش» و «القاعدة» وأخواتهما، أو إرهاب الدولة الإيراني أو إرهاب ميليشياتها أو إرهاب الدولة الإسرائيلي. والثالثة، لا صراع ثنائياً سعودياً – إيرانياً، بل هو صراع عربي – فارسي، وبالتالي فلا المواجهة متروكة للسعودية وحدها ولا تسوية تنتظر «حواراً» سعودياً – إيرانياً. فإيران سعت وتسعى إلى حوار كهذا بغية المساومة، والسعودية لا تريد مساومة إيران أو سواها على أرض/ أراضٍ عربية أو على شعوب عربية.

عبد الوهاب بدرخان – الحياة

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫10 تعليقات

  1. ادخلوا الحرب لوحدكم، النظامين الايراني والسعودي وجهان لعملة واحدة، انظمة كهنوتية تتاجر بالدين لتنفيذ اما مخططات استعماريه في الحاله الاولى، واما لمساعدة الحلف الامبريالي الصهيوني لتفكيك الدول وتدميرها…..كلامهما يستغلان المقدسات الدينيه عند السنه والشيعة في تصفية حسابات سياسيه لا علاقه لها بالدين، وكأننا نجهل فساد العائلة الحاكمه السعوديه وحاشيتها التي ازكمت الانوف في ملاهي وفنادق اوروبا وامريكا وآسيا وافريقيا، اما الملالي النفاق دينهم.

    ان كانت السعوديه تريد حربا، فلترسل ابناء الملوك والامراء والسلاطين ورجال الاعمال والمشايخ والدعاة في الصفوف الاولى في اي مواجهة عسكريه ليكونوا قدوة للشعوب، بدل ارسال الابناء والرجال من الطبقات الشعبيه والفقيرة من مختلف الدول للدفاع عن الملوك والسلاطين، لم يستفيقوا من سباتهم الا بعد شاركوا حلف الناتو الصهيوني في تدمير العراق واليمن وليبيا وسوريه، وساندوا الانقلابات في مصر وتونس وغير ذلك من الدول.

    النظام السعودي يدافع عن اهل السنة ؟ نكتة القرن ! بل يدافع عن المصالح الامبرياليه الامريكيه، هو حليف للافنجيليين الصهاينة وله اتفاقيات حمايه مع المخابرات البريطانيه والامريكيه (حقائق معروفه دوليا)، والنظام الايراني سينهار عاجلا ام ٱجلا، لأن سياسات الملالي لها تكلفه باهظه عسكريا واقتصاديا وامنيا لن يتحملها الشعب لعقود اخرى.

    النظام السعودي يريد تكرار التجربه السوفياتيه التي خططت لها المخابرات الامريكيه، فكانت سببا من اسباب انهيار الاتحاد السوفياتي، لكنها جلبت الخراب والدمار للعديد من الدول بعد عوده العرب الافغان، واشتعلت الحروب الاهليه وظهر التطرف والغلو في العديد من المجتمعات العربيه والاسلاميه، وكان للنظام السعودي دور سلبي وكارثي في نشر الفكر التكفيري……شخصيا، لو الدولتين تدخلان في حرب ويدمر كل طرف الآخر، اظن ان 99% من مشاكل الامة العربيه والاسلاميه ستحل في وقت قصير.

  2. القراءة صحيحه والمقاربة سليمة!!!!! لولا بعض المنغصات من هنا وهناك المتمثلة ببعض دول الخليج المتمثلة اولا
    بالامارات الموجوعة اصلامن ايران واحتلالها للجزر العربية الثلاثة ابو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى ومع ذلك مئة اشارة استفهام يمكن ان توضع على موقفها المتذبذب تجاه ايران.
    سلطنة عمان التي غردت قبل ذلك ومازالت تغرد خارج اطار مجلس التعاون الخليجى وفي مواقف اقل من ذلك حدة ولا ننسى موقفها من كثير من الامور السياسية والاقتصادية التي تفردت بها.
    الكويت والتي تتحسب للجمع الكبير من الشيعة الكويتيين جنسية ولايران ولاء اً والكثير من نوابهم او نوائبهم مع ايران قلبا وقالبا وهذا الشيء معروف وملموس لمس اليد.
    العراق المسلوب الارادة والمحتل اصلا من ايران ناهيك عن ان معظم الشيعة هناك ولاؤهم لايران والادلة على ذلك اكثر من تعد وتحصى .
    مصر السيسي والعسكر لا يؤمن جانبها اطلاقا فمن يدفع اكثر رزا كان ام دولاراً مستعدة ان تقف معه وتصوت له.
    سوريا المحتلة من روسيا وايران ليس لها للاسف صوت ولا رائحة وهي التي اطنبتنا بالعروبة وقلبها النابض ( على مقاس الاسد والبعث).
    لبنان هذا البلد غلب على امره على مرأى ومسمع من الدول العربية وبتواطئ سوري بعثي اسدي لذلك لا يمكن التعويل عليه فالدويلة (حزب اللاة ) تسيطر على الدولة ومقدراتها
    الاردن المطمئن للحماية التي اقرتها له بريطانيا وامريكا واسرائيل واخيرا روسيا عندما منحته حق تصنيف الثوار في سوريا الى ارهابيين وغير ارهابيين غير مستعد للانخراط في تكتل يفيد العرب طالما انه غير مستهدف من ايران الشيعية للظروف سابقة الذكر .
    المغرب العربي بمعظمه قد استغنى عن المشرق العربي ومشاكله ويظن نفسه او بعضا منه في منأى الشر الفارسي .
    اخيرا فليسامحني الاستاذ بدرخان ولا يتفائل كثيرا وارجو ان اكون مخطئا

  3. كل الحكام ليسوا على ملة واحدة والمعلقين الذين يكرهون السعودية أغلبهم يكرهونها لأن علمها: لا إله إلا الله محمد رسول الله. كلمات تتردد في كل لحظة على الأرض في البيوت والمساجد أما إيران فيقولون: يا حسين عنادا وبغضا لشرع الله الذي يحرم مناداة الأموات. فالسعودية وإيران ليستا وجهي عملة واحدة بل وجوه العملة الواحدة هم العلمانيين مع دعاة الصليب والنجمة ينسق الروس مع الكنيسة مع الحوزات مع اليهود

    1. السيد غير معروف … وين مخك
      صحيح ايران والسعودية ليسا وجهان لعملة واحدة لأنهن نفس الوجه ونفس الروث … وانتو شعب مخدر مصدق انو خير أمة … على فكرة اليهود بيعتبرو حالهن شعب الله المختار … فيقو وحاج كل واحد منكن متبر حالو وكيل الله على الارض.
      قرفناااااااااكننننن كلكن ….. خامنئي وسليمان وبشار واردوغان … خرا بخرا

  4. من يساوي العرب والفرس أحمق وخائن و قليل الشرف و المروءة هو من يقف مع أعداء قومه من خمسة آلاف عام

    1. ما معلقين منك إلو ……
      شو هالكلام اللي مليان عنصرية و تعصب و طائفية ؟؟!!
      قال تعالى : ”
      بسم الله الرحمن الرحيم
      “إن أكرمكم عند الله أتقاكم”
      صدق الله العظيم.
      و “أتقاكم” هي …. الله أعلم بها … لا أنت و لا أنا.
      نقطة انتهى.

      و سامحونا