بوتين واللعبة المزدوجة في سوريا

“لن يستطيع الرئيس فلاديمير بوتين أن يفرض مطالبه وشروطه على أميركا والدول الحليفة لها في سوريا على رغم قدراته العسكرية والأمنية الكبيرة في البلد، ولن يستطيع أن يحقّق وحده أو بالتعاون مع إيران هدفه الكبير وهو إنهاء الحرب وتسوية الأزمة استناداً إلى شروطه، ولو كانت روسيا قادرة على تحقيق هذا الإنجاز لكانت فرضت على الجميع الحل الذي يناسبها ويضمن مصالحها. هذا الواقع يدفع بوتين إلى ممارسة لعبة مزدوجة خطرة في سوريا: فهو من جهة يدعم خيار مواصلة الحرب الذي يتبناه الرئيس بشار الأسد ويتمسّك من جهة ثانية بمواصلة التعاون مع أميركا سعياً إلى تنفيذ حل سياسي شامل للأزمة. لكن التعاون الأميركي – الروسي سينهار إذا رجّحت روسيا كفّة الحرب التي ستقود إلى طريق مسدود. وقد لخّص المبعوث الدولي إلى سوريا ستافان دو ميستورا الوضع بدقّة إذ قال أخيراً: “إن أحداً لن يربح النزاع في سوريا، على رغم الإمكانات العسكرية الكبيرة التي يستخدمها الأفرقاء بل إن التمسّك بالخيار العسكري سيُلحق المزيد من الكوارث والضحايا ولن يسمح لأي طرف بالانتصار، وحده الخيار السياسي ينقذ سوريا”.

هذا ما أوضحه لنا مسؤول غربي في باريس معني بالملف السوري استناداً إلى المعلومات التي تتلقّاها حكومته من واشنطن وموسكو. وقال: “بوتين ليس لديه مشروع روسي لتسوية الأزمة السورية يتناسب مع مخطّطاته، وهو لم يطرح أي مشروع حل روسي بل انه طلب التعاون مع أميركا من أجل الاتفاق معها على أسس الحل وخريطة طريق مشتركة لانقاذ سوريا من أزمتها، مما يعني أنه ليست لديه كل أوراق اللعبة. وبوتين يعرف أن الثمن الذي تطلبه أميركا والدول الحليفة لها هو إنهاء حكم الأسد في مقابل التعاون مع روسيا”. وأضاف: “كل القرارات والتفاهمات الدولية التي حددت طريقة إنهاء الحرب وتسوية الصراع السوري اتفقت عليها روسيا مع أميركا وهي تدعو الى قيام نظام جديد من طريق التفاوض بين ممثلي النظام والمعارضة المعتدلة التي يرفض الأسد وجودها والاعتراف بها وبمطالبها. وهذه التفاهمات المتفق عليها بين روسيا وأميركا تبناها رسمياً مجلس الأمن في القرار الرقم 2254 الذي ترتكز عليه عملية التفاوض في جنيف، وتنص على ثلاثة مطالب أساسية محدّدة تتناقض مع ما يريد الأسد ويسعى إليه وهي الآتية:

أولاً: يؤكّد القرار 2254 أن الحل الوحيد والدائم للأزمة السورية يتطلّب عملية سياسية يقودها السوريون وتحقق المطالب المشروعة للشعب السوري.

ثانياً: يؤكّد القرار 2254 أن الحل الوحيد الدائم للأزمة السورية يتطلّب التنفيذ الكامل لبيان جنيف للعام 2012 والذي ينص على نقل السلطة الى نظام جديد تعددي يحقّق مطالب كل مكوّنات الشعب.

ثالثاً: يؤكد القرار 2254 أن تحقيق هذا الهدف يتطلّب تشكيل هيئة حكم انتقالي تضم ممثلين للنظام والمعارضة على أساس قبول متبادل وتمارس السلطات التنفيذية الكاملة، الأمر الذي يعني أن هذه الهيئة ستحكم سوريا موقتاً وأنها هي التي ستصوغ الدستور الجديد وتنظم انتخابات نيابية ورئاسية تعددية حرة وشفافة بالتعاون مع الأمم المتحدة وفي إشرافها ويشارك فيها جميع السوريين في الداخل والخارج”.

وخلص المسؤول الغربي الى القول: “نصوص التفاهمات والاتفاقات الأميركية – الروسية التي دعمها مجلس الأمن واضحة ومحددة وتعني أن تقرير مصير سوريا عملية مشتركة أميركية – روسية وليست عملية روسية منفردة أو عملية روسية – إيرانية. وقد تتباطأ روسيا أو تتردد في تنفيذ التزاماتها في هذه التفاهمات وقد تحاول التخلص منها موقتاً والمشاركة في تصعيد القتال بالتعاون مع النظام السوري لكنها في الأساس حريصة على مواصلة التعاون مع أميركا لأسباب تتجاوز الساحة السورية وتتعلق بملفات أزمات وقضايا أخرى عالقة مع واشنطن، خصوصاً أن موسكو تدرك تماماً أن مواصلة الحرب تقود إلى طريق مسدود ولن تحقّق لها مصالحها الأساسية.

وهذه في أي حال اقتناعات الادارة الأميركية التي تستند إلى تفاهماتها مع روسيا من أجل المطالبة برحيل الأسد عن السلطة خصوصاً أن هذه الإدارة على اقتناع تام مع حلفائها بأنه ليس ممكناً وواقعياً انجاز السلام وتوحيد السوريين واعادة إعمار سوريا وتسوية مشكلاتها الهائلة ما دام الرئيس السوري في الحكم.

وضمن هذا النطاق شدد الرئيس باراك أوباما في اتصالاته الاخيرة مع بوتين على أن الحل الحقيقي الشامل للأزمة السورية يتطلّب نقل السلطة بعيداً من الأسد وتولي قيادة سورية شرعية جديدة الحكم”.

عبد الكريم ابو النصر – النهار

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. نهاية بوتين في أرض الشام باذن الله كما سبقه من المحتلين و الطغاة
    ذهب الروافض العبيين المسمون زورا بالفاطميين و بقيت الشام
    ذهب الصليبيين و بقيت الشام
    ذهب التتار و بقيت الشام
    ذهبت فرنسا و بقيت الشام
    بقيت الشام و ستبقى عقر دار الاسلام كما اخبر النبي محمد صلى الله عليه و سلم
    ذه