عن التصعيد الأميركي ضد السعودية

لم تكن موافقة مجلس الشيوخ الأميركي، الأسبوع الماضي، على مشروع قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، والذي يُعطي الحق لأقارب ضحايا هجمات “11سبتمبر” في العام 2001 في رفع دعاوى قضائية ضد المملكة العربية السعودية، سوى تعبير ينضاف إلى آخر عن تصاعد التوتر الأميركي-السعودي، وافتراق أولوياتهما، وربما بداية تفكك أواصر تحالفهما. فمجلس الشيوخ لم يصوّت بأغلبية بسيطة، ولا حتى كبيرة، لصالح مشروع القانون، بل صوّت بالإجماع، ضمن توافق نادر بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويعتقد أن مجلس النواب سيحذو حذو “الشيوخ”، وسيصوّت، على الأقل، بأغلبيةٍ كبيرةٍ من الحزبين، لصالح مشروع القانون، ما قد يعني القدرة على تجاوز أي فيتو رئاسي، هدّد به البيت الأبيض.

في صلب الموضوع 28 صفحة مصنفة على أنها سرية في تقرير هجمات “11 سبتمبر”، الصادر عام 2004، وحسب تسريباتٍ من بعض من اطلع على هذه الصفحات، فإنها تسجّل ادعاءات ومزاعم عن دور لمسؤولين سعوديين، وأعضاء في العائلة المالكة، ومواطنين مقيمين في المملكة في تمويل الهجمات، غير أن إدارة الرئيس السابق، جورج بوش، بادرت إلى تصنيفها سرّية، حتى لا تؤثر على العلاقات الأميركية-السعودية، واعتمدت، في ذلك، على أن المزاعم الواردة في تلك الصفحات غير موثقة بالأدلة، وقائمة على افتراضاتٍ وتفسيراتٍ، أكثر منها حقائق.

لا زالت إدارة الرئيس باراك أوباما تمانع، إلى الآن، في رفع السريّة عن الصفحات الثماني والعشرين، وتعارض مشروع قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب”، على أساس أن إلغاء حصانة الدول والحكومات الأجنبية أمام الدعاوى القضائية قد يعني رفع دعاوى قضائية مشابهة ضد الولايات المتحدة. لكن، لا ينبغي لأحدٍ، هنا، أن يظن أن الإدارة ليست طرفاً في تصعيد التوتر مع السعودية وضدها، بل العكس هو الصحيح، فإدارة أوباما هي من مهّدت أجواء التصعيد مع المملكة. وهي لا تخفي امتعاضها من نزوع السياسة الخارجية السعودية نحو الاستقلال عنها في ملفات إقليمية، خصوصا في الملف الإيراني وملحقاته. في المقابل، لم تعد السعودية، هي الأخرى، ترهن كل تحركاتها للحسابات والمصالح الأميركية. وكان لافتاً البون الشاسع بين مواقف الطرفين الذي أبان عنه إعدام المملكة، مطلع العام الجاري، الداعية السعودي الشيعي، نمر النمر، ودانته الولايات المتحدة بقوة، بزعم أنه أذكى التوترات الطائفية في المنطقة، في حين ردّ مسؤول سعودي بالقول إنه “طفح الكيل”، محيلاً، في ذلك، إلى سياساتٍ إيرانيةٍ طائفية وتوتيرية كثيرة في المنطقة، تتغاضى عنها الولايات المتحدة.

في خلفية مشهد التوتر في العلاقة بين البلدين اللذيْن لا زالا يعتبران “حليفين” من ناحية رسمية، هناك القلق السعودي بشأن ما إذا كان من الممكن بقاء الاعتماد على المظلة الحمائية العسكرية الأميركية في المنطقة، والركون إلى موثوقية هذا الحلف، فالسعودية لم تخف استياءها، غير مرة، من إدارة أوباما، منذ انطلاق الثورات العربية عام 2011، وما رأت فيه تخلياً أميركياً عن حلفاء عرب، كنظام الرئيس المصري الأسبق، حسني مبارك. أيضاً، عبرت المملكة عن استيائها من الموقف الأميركي من الاحتجاجات التي كانت في البحرين حينها، ورأتها نتيجة تحريض إيراني، ما دفعها، ودولا خليجية أخرى، إلى التدخل عسكرياً في البحرين في مارس/ آذار 2011، من دون انتظار ضوء أخضر أميركي. وساهم في الامتعاض السعودي نحو الولايات المتحدة تردّد إدارة أوباما في دعم الثورة السورية ضد نظام الرئيس بشار الأسد المدعوم إيرانياً. أما الملف الذي وتّر العلاقات التحالفية بين البلدين بشكل أكبر فتمثل في الاتفاقات النووية المتتالية بين القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، مع إيران، بدءا منذ أواخر عام 2013، وصولاً إلى الاتفاق النووي صيف العام الماضي، والذي حَدَّ من جموح برنامج إيران النووي في مقابل رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وهو ما أثار مخاوف سعودية وخليجية من أنه سيطلق يد إيران في المنطقة.

جرّاء كل ما سبق، وبناءً على استشعار سعودي أن الولايات المتحدة تعيد تعريف تحالفاتها في المنطقة، وتحديداً لناحية الخصم الجيو-استراتيجي للمملكة: إيران، فقد بادرت المملكة إلى تشكيل وقيادة تحالف عربي في مارس/ آذار الماضي 2015 ضد مليشيات الحوثيين التي سيطرت على العاصمة اليمنية، صنعاء، من دون تنسيق حقيقي مع الولايات المتحدة، الأمر الذي أثار امتعاضاً وضغوطاً أميركية، ذلك أنها ترى أن كل الجهود العسكرية ينبغي أن توجّه لمحاربة تنظيمي الدولة الإسلامية (داعش) والقاعدة.

إذن، ثمّة افتراق في المقاربات والحسابات الأميركية والسعودية في المنطقة، وهو ما أنتج حالة التوتر بين البلدين، فالإدارة الأميركية ترى في إيران، اليوم، حليفاً في الحرب على “داعش”، وجزءاً من الحل في ملفات إقليمية كثيرة ساخنة، كما في العراق وسورية، في حين ترى فيها السعودية لاعباً مخرّباً، كما في العراق وسورية واليمن ولبنان، وأن خطرها لا يقل عن خطر “داعش”. ولعل أبلغ تعبيرٍ عن التوتر الأميركي-السعودي تلك الانتقادات اللاذعة التي وجهها أوباما للمملكة، في تقرير نشرته مجلة “ذا أتلانتيك” الأميركية، منتصف شهر مارس/ آذار الماضي، بعنوان: “عقيدة أوباما” في السياسة الخارجية، إذ يتهم فيه السعودية ودولاً خليجية أخرى بتصدير نسخ “وهّابية” أكثر “أصوليةً” من الإسلام، كما أنه يثير شكوكاً بشأن أسس التحالف بين الطرفين. وينقل التقرير عن مسؤولين في البيت الأبيض أنه كثيراً ما تسمع مستشاري أوباما في مجلس الأمن القومي الأميركي يُذَكِّرونَ زائري البيت الأبيض أن معظم مرتكبي هجمات “11سبتمبر” كانوا سعوديين وليسوا إيرانيين. الأكثر مرارةً، هنا، للسعودية أن أوباما يدعوها، ودول الخليج الأخرى، إلى القبول بتقاسم المنطقة مع إيران، وهو ما يجد تعبيراً بالضغوط الكبيرة عليها للقبول بالحوثيين لاعباً أساسيا في اليمن، في حين تغض إدارة أوباما النظر عن الأسد في سورية.

باختصار، تتعرّض العلاقات الأميركية-السعودية إلى إعادة صياغةٍ بطيئة، وهي غير مرتبطة بإدارة أوباما فحسب، بقدر ما أنها صياغةٌ أميركيةٌ مؤسسيةٌ، تؤكدها التصريحات السلبية عن المملكة الصادرة عن الحزب الجمهوري، خصوصاً مع تراجع أهمية معادلة النفط مقابل الأمن التي حكمت العلاقة عقوداً. والسعودية، وإن كانت محتاجةً إلى الولايات المتحدة أمنياً وعسكرياً، إلا أنها تملك أوراق قوة، غير النفط، تستطيع توظيفها لصالحها، ليس أقلها العمق الروحي الذي تمثله في عالم الإسلام، لاحتضانها الحرمين الشريفين. فهل، يا ترى، تفعلها السعودية، وتسعى إلى توظيف عمقها الروحي، في محاولة اجتراح مصالحاتٍ في الفضاء العربي لإعادة التوازن إليه؟

بغير ذلك، جميعنا خاسرون أمام التغولات الأميركية والروسية والإسرائيلية والإيرانية في المنطقة، والتي لا تقيم اعتباراً لمصالحنا.

أسامة أبو أرشيد – العربي الجديد

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫8 تعليقات

  1. لا تصعيد و لا بطيخ السعودية بجيبة أمريكا منذ نشاة الدولة السعودية الثالثة على يد عبد العزيز آل سعود
    بس من اجل تجميل الصورة أمام الشعب السعودي الناقم على السياسات الانبطاحية لحكامه و تخاذلهم عن نصرة قضايا الامة لا بد من ادعاء وجود ( مؤامرة كونية ) ضد السعودية متل ما بيعمل بشار بالضبط

  2. اين كان العمق الروحي عندما شن الوهابيين او السعوديين 23 معركة ضد الشريف غالب في مكة والمدينة !!!!اين كان العمق الروحي عندما دمروا مقامات الصحابة في المدينة وسوها بالارض بدعوى تفاهاتهم وتخلفهم عن البدع والشركيات ، انوا الزمن مقطوش قبل عبد العزيز لا حبيبي هذا في السعودية فقط اما في الخارج نعرف تفصيل التفاصيل

  3. أمريكا تستخدم اليوم 11 سبتمبر كبقرة لحلب الشعوب مثلماً استخدمتها لمحاربة المسلميين فالسعودية ليست الدولة الوحيدة التي ستدفع بموجب هذا القرار و ما قبله تعوضات بالملايين للأمريكان حتى تركيا ألمانيا لم يسلموا. بالطبع هم سرقوا بذات الوسيله أموال ايران و العراق أيضاُ.

  4. الموقف الأميركي ليس ثابت ويتغير حسي المعطيات وللعلم ليس فقط أميركا تعتمد على نظريات علمية مثل نظرية الألعاب في تحديد سياساتها لكن أيضا النظام الإيراني وكذلك الدول القوية في أوروبا وهذا يفسر بقاء النظام الإيراني لهذا الوقت صامدا رغم احتقار الإيرانيين لنظامهم القذر. على كل الأحوال فإن الله سبحانه وتعالى جعل أسباب للحوادث وهؤلاء يقومون بالأسباب التي تقوي دولهم لكن السعودية مختلفة عندها مبادئ وعندها تأييد من الله سبحانه وتعالى لأنها تقف مع الحق ونصيحة سلمان حفظه الله تعالى للمعارضة السورية كانت واضحة وهي أن الله مع الحق لكن المشكلة فينا نحن هل ننصر الله تعالى؟ علما ان السعودية تتخذ بالأسباب وتعرف كيف تتعامل مع السياسيين الأميركان والإعلام الذي يصور الأمور أن السعودية محاصرة من الغرب والشرق يخفي أن كلنتون وترامب يتنافسان أيهما يتشدد أكثر ضد إيران علما أن ترامب هدد بأخذ أموال السعودية ليقصف بها إيران وأنه سيحمي السعودية من إيران لكن ليس دون مقابل يعني هم يريدون من السعودية أن تشاركهم في حماية نفسها فيبدو أن الوضع سيكون أفضل إن شاء الله تعالى

  5. السعودية دولة مستقلة بنظامها وقراراتها وليس لاحد الوصايا عليها واذا كان للسعودية مصالح مع امريكا فايضا امريكا لها مصالح مع السعودية والعلاقة هنا ندية فالسعودية ليست خاضعة لسياسة احد كان وقراراتها تنبع من مصالحها فقط ونحن نؤمن بالله هو الناصر وهو الرازق وهو الحامي وهو الحافظ وليست امريكا ..حفظ الله المملكة وحكامها وشعبها والمقيمين بأرضها من شر الأشرار وكيد الفجار.

  6. امران أرجو الانتباه لها الأول أن تحركات أمريكا ليست موجهة للسعودية بحد ذاتها وإنما للمنطقة برمتها بما فيها اسرائيل ايضا والان توترات بين اسرائيل وامريكا لأن الأخيرة لا ترى لها مصلحة في الشرق الاوسط و بدأت تسحب نفسها ببطء وتريد تنافس الصين على اسيا الوسطى حيث الثروات الهائلة الطبيعية الغير مستفاد منها والاشكالية انها باعت حلفاءها واعطت المساحة او الفراغ لايران ولا ادري لماذا الامر الثاني ما يقلق السعودية ومعها اسرائيل ان الاتفاق النووي يؤخر ايران عشر سنوات فقط فبعدها ستصبح ايران قوة نووية معترف بها دوليا وهذه المدة في عمر السياسة تعتبر قصيرة جدا لذا السعودية تسعى جاهدة لمواجهة ايران حتى لو بالحرب المباشرة وبكل شفافية امريكا سمحت لايران تمتلك سلاح نووي ولو بعد عشر سنين ومنعت العرب منه