وصاية إيرانية إقليمية .. بموافقة إسرائيلية ؟

يوم 5 يوليو (تموز) من العام الماضي، كتبت مقالة بعنوان “كيف ستبدو منطقتنا في نوفمبر 2016؟” وكان القصد من الإشارة إلى هذا التاريخ، طبعا، نهاية الفترة الثانية والأخيرة من حكم الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ويومذاك أشرت في نهاية تلك المقالة إلى محورية استخدام واشنطن تنظيم داعش مبرّرا لعقد الصفقة النووية الأمريكية – الإيرانية، التي غدت “إنجاز” أوباما وعنوان مشروعه الإقليمي.

قبل سنة كانت هناك عدة مؤشّرات مقلقة، وبمرور الأيام، أكّدت الأحداث المتتابعة أسوأ الشكوك على مختلف الأصعدة وفي مختلف “الأماكن الساخنة” على امتداد الشرق الأوسط. وعلى الرغم من تهنئة الإدارة الأمريكية نفسها على “إضعافها” داعش – الذي ما زلنا لا نعرف شيئاً عن ظروف تأسيسه وتمويله – في كل من سوريا والعراق، يبدو أن الجريمة الديموغرافية التي ترتكب بحق العرب السنّة في البلدين أضحت الحقيقة الأبرز والأثبت.

ففي العراق بعد التغيير الجوهري الذي طرأ على ديموغرافية العاصمة بغداد، وما شهدته محافظة الأنبار خلال السنوات الأخيرة من محن وتهجير، أسهمت فيهما ميليشيات طائفية إيرانية، توعَد محافظة نينوى، وبالأخص، عاصمتها الموصل بمعاملة مماثلة.

وفي سوريا ما عاد جائزا طرح علامات الاستفهام. بل صار ضرباً إما من الغباء أو سوء النية إنكار النقاط المشتركة لما تسعى إليه إيران وروسيا على الأرض، وتجاهل قبول واشنطن بهذه النقاط. وبينما تتطاير التهم “الودية” المتبادلة بين موسكو وواشنطن حيال اتفاقهما على هدنة غير موجودة تقريباً يرجح مراقبون أن خلافهما الوحيد في سوريا الآن هو على “إخراج” عملية إعادة تأهيل الأسد في إطار الخارطة الإقليمية الجديدة. وفي هذا السياق يمكن إدراج ما يلي:

1- نجحت إيران وروسيا – بموافقة واشنطن – في إنجاز التغيير الديموغرافي في حمص ومحيط دمشق بصورة علنية أكدها رأس النظام بلسانه.

2- تجري حالياً الترتيبات المُكمِلة في شمال سوريا وجنوبها بعد الاقتراب من “ضبط” حدود المواجهة التركية – الكردية في أعقاب ترويض طموح أنقرة لقاء احترام حقها بالدفاع عن النفس لا أكثر. أما في الجنوب، فالمبادرة والتصوّر العام لا يخرجان عن رأي إسرائيل، وبالأخص، في ريف محافظة القنيطرة. وكما أُخذت في الاعتبار شمالاً مصالح تركيا وهواجسها إزاء الأقليات العرقية، يهمّ إسرائيل أن يُسلّم لها باستغلال ورقة حماية الأقليات المذهبية جنوباً، وهذا أمر لا تمانع فيه العواصم الأربع المعنية أي واشنطن وموسكو وطهران.. وقصر المهاجرين في دمشق.

3- “الحرب على داعش”، التي أضحت عنوان مشروع التهجير الملاييني للعرب السنّة في العراق وسوريا قد تتركّز إذ ذاك في الشرق السوري حيث سقطت منذ زمن الحدود – المصطنعة أصلاً – بين البلدين.

4- يُعاد تفويض إيران بتسيير شؤون لبنان “المحتل” واقعياً. وهذا يتحقّق إما مباشرة عبر تنصيب رئيس دُمية مهمته بروتوكولية بحتة تحت “مُرشدية” أمين عام “حزب الله”، أو غير مباشرة بواسطة الطغمة السورية المُعاد تأهيلها، والتي ما زالت لها ولإيران أصابع وأدوات أفلحت حتى اليوم في منع انتخاب رئيس للبنان منذ أكثر من سنتين. وهنا أيضاً، كحال الجنوب السوري، لا بد أن يحظى “التفويض” بالموافقة الإسرائيلية، التي لا يشك كثيرون بأنها موجودة، بدليل بقاء نظام الأسد “الممانع” جاراً مأمون الجانب منذ خريف 1973، ولم تستهدفه إسرائيل طيلة السنوات الخمس الأخيرة إلا بغارات “تنبيهية”.

ونصل إلى اليمن، حيث يكتشف اليمنيون قبل غيرهم، في خضمّ الوساطات الدولية التي تزعم دعم الشرعية في اليمن، أن ما يُقال شيء وما يمارس وراء الكواليس أمرٌ مختلف تماماً. وكما في العراق وسوريا ولبنان، يتضح هنا أكثر فأكثر مضمون البنود غير المعلنة من الاتفاق النووي الإيراني. وما يرجّح – بل يؤكد هذا الاحتمال – تأكيد واشنطن إبان العد التنازلي لإعلان الاتفاق أن التفاوض اقتصر على المسألة النووية ولم يتطرق إلى أي مواضيع أخرى. وهذا يعني، أن واشنطن لم تشترط على طهران إنهاء أطماعها السياسية والعسكرية داخل عدد من الدول العربية ومطامحها الإقليمية والدولية لقاء التفاهم على شروط إدخالها :النادي النووي”.

إن ما يحدث في المشرق العربي تجاوز قضية أن المنطقة تدفع ثمن سياسات أميركية انكفائية، أو انتقام روسي في عهد رئيس ورث من التراث السوفياتي أحلام العظمة وسطوة الأمن والبطش. وتجاوز حتى التفكير بوجود صراع بين نظام إيراني يفر من أزماته الداخلية لاستغلال الدين في تصفية حسابات 1400 سنة، وقيادة تركية تحلم بإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وسلطة إسرائيلية ترفض السلام وتستقوي بغلاة التوراتيين لتصفية القضية الفلسطينية. إن ما يمكن استنتاجه من إصرار بعض الجهات على استنباط مسوّغات كاذبة للعداء هو وجود نية لإعادة صياغة تحالفات في المنطقة تأخذ شكل “انتدابات” على عالم عربي مقسّم مفتّت.

وفي هذا السياق، مع احترام حرية الصحافة، يستحيل ألا يتوقف المرء طويلا أمام نشر صحيفة “النيويورك تايمز” مقالة كتلك التي نشرتها لوزير خارجية إيران محمد جواد ظريف، وهي التي يحفل أرشيفها بكل أخبار الإرهاب الذي أنتجه النظام الذي يخدمه ظريف. وأوحى به وحرض عليه.

“النيويورك تايمز”، تعرف عن طبيعة نظام الملالي، منذ 1979، أكثر بكثير من المواطن الأميركي الذي تسعى مع ظريف لتضليله وتحريضه.

إنها تعرف جيداً مَن كان وراء احتجاز رهائن السفارة وإعدامات محاكم صادق خلخالي في طهران، ثم تفجيرات “المارينز” وخطف الرهائن الأجانب – وبينهم أميركيون – في لبنان، ودعم منظمة “الجهاد الإسلامي” السنيّة في قطاع غزة (ولها مكتب في دمشق طبعا)، وتهريب “القاعديين” إلى العراق من سوريا، بل وتفجيرات السعودية، ناهيك من الدولة التي وفّرت الملاذ ولا تزال لقادة التطرف وشجعت بتطرفها التطرف المضاد.

ذلك كله تعرفه “النيويورك تايمز”، لكن يبدو أن لا أهمية للحقيقة في سبيل إقرار وصاية إيرانية إسرائيلية مشتركة، جارٍ تبريرها بحصر التطرف بالمسلمين السنّة، تماما، كما فعل باراك أوباما عبر إعادة تأهيل بشار الأسد.

اياد ابو شقرا – الشرق الاوسط

تابعوا أبرز و أحدث أخبار ألمانيا أولاً بأول عبر صفحة : أخبار ألمانيا News aus Deutschland

التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي عكس السير وإنما عن رأي أصحابها

‫3 تعليقات

  1. تحليلك في محله واشكر حرصك على امتنا وان دل كلامك على شيء فهو محاولة اظهار الحقيقة لكل من اعماه الحقد او المصلحة الانية لان الحقيقة واضحة جلية
    ولكن اريد ان اعقب على ما قلت ان لاشيء ثابت في السياسة ولا احد يعرف ما يخبئه الاسرائيليون والامريكان للمنطقة ولكن اود ان اذكر ان في هذه المنطقة شعب اعتقد انه لا يعيش مثل هذه التجربة المرة للمرة الاولى فقد شهدنا الكثير وربما الان نرى الاسوأ لكن لابد ان نتذكر ان الصبح لا ينجلي الا بعد اشتداد الظلمة ونضيف اليها هنا الظلم
    اما ايران هذه الدولة المجرمة المتغطرسة والتي تظن ان شهر عسلها هذا سوف يدوم فسوف تصدمها الحقيقة عندما ترى ان نظام المجرم في المهاجرين كما اسلفت ينهار الى غير رجعة ودجال الضاحية العفن يسقط غير مأسوف عليه وحوثيو اليمن انحسروا الى صعدة وحشده الشيعي في العراق سيلحقه الدور في التفكك والانهيار
    ثم تصل النار الى ما يسمى ايران حيث تثور عليها كل الشعوب المضهدة من عرب واكراد وبلوش واذاريين الى اخر التركيبة الايرانية عندها سيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون

  2. بكل بساطة عندما لم تستطع أمريكا و اسرائيل ادارة المنطقة بالشكل المطلوب و القوة المطلوبة بعد بوادر استيقاظ للشعوب العربية جاؤوا بالايرانيين ليكونوا شرطي المنطقة بس باذنه تعالى رح ينكسروا بجهود كبيرة وتضحيات كبيرة اليوم اليمن باذن الله سينتصر على الحوثيين و حزب الشيطان سيزولون باذنه تعالى قريبا و بشار و أزلامه الى مزابل التاريخ سيكسرون أمام شعب مدافع عن دينه و أرضه و شرفه وسيقدم دمه رخيصا دفاعا عنهم انتظروا و سترون الويلات

  3. لمن ما زال يحلم !!!
    عنوان المقال حقيقي وليس خيال
    التهجير والتقسيم قائم امام الاعين
    والمثل يقول
    ما متت ما شفت مين مات
    اليوم تهجير الوعر
    وغدا داريا